يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
كيف نجا 245 شخصًا بعد أن قفزوا عن جسر معًا؟! الفيزياء تتكلم!

سجلت مجموعة من 245 متهورًا برازيليًا رقمًا قياسيًا بإقدامها على عمل بطولي مريع، ففي قفزة واحدة، أسقطوا أنفسهم عن حافة جسر وتأرجحوا نحو الأسفل باتجاه المياه. طبعًا كانوا متصلين بحبال متأرجحة، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن إنجاز المجموعة لهذه القفزة لم يكن لذوي القلوب الضعيفة.

لحسن الحظ، كانت الفيزياء إلى جانبهم. وبينما كان التنسيق لقفز العديد من الناس في آن واحد يُعد مخاطرة، إلا أن الفيزياء المتعلقة بالقفزة كانت بسيطة وعلى ارتباط بالنواسات (Pendulums).

وخلافًا لقافزي البنجي (حبال مطاطية)، لم يعتمد هؤلاء المتهورون على مرونة الحبال فقط لامتصاص الطاقة الحركية، ولكن وفقًا لما صرح به كارلو توريجا مونيز Carlos Torija Munew، قافز الحبل الإسباني ومعلم التزلج لموقع Live Science: "تتمدد حبال التسلق قليلًا، ولكنها ليست كحبال البنجي". كما أنهم اعتمدوا على اهتزاز يشبه اهتزاز النواسات، مما أبقى القوى التي خضع لها القافزون قابلة للتحكم.

ولو أن حبالًا كحبال الغسيل متوسطة القوة كانت هي فقط ما يمتص طاقة القافزين، لكان هؤلاء في ورطة، فعند تأرجح هذه الحبال، ستخضع لشد مفاجئ، وذلك خلافًا لزيادة الشد التدريجية الحاصلة في حبال البنجي. 

فعلى سبيل المثال، سيتسارع شخص يسقط وهو متصل بحبل بمقدار 9،8 متر/ثا. وعند نهاية الحبل، سيتوقف الشخص بشكل لحظي، وذلك لمدة جزء من الثانية، ويكون التغير الحاصل في السرعة كبيرا. وتكون سرعة الشخص الذي يسقط من ارتفاع 46 مترًا 13 كم/سا. والتوقف لمقدار عُشر من الثانية يعني الشعور بتسارع يقدر ب32 ضعف تسارع الجاذبية، وهو أمر يمكن النجاة عنده، ولكنه لا يختلف عن الاصطدام بسيارة.

وينص قانون نيوتن الثاني في الحركة على أن القوة تساوي الكتلة مضروبة بالتسارع، لذا فإن شخصًا كتلته 70 كغ ويتوقف لمدة 0،1 ثانية سيشعر بقوة تقدر بـ 21910 نيوتن. وهذا حوالي 223 كغ، ما يقارب وزن فيل آسيوي صغير. ويُعول في حبال التسلق التي لها بعض التمدد على قوة التأثير والتي تُقاس بآلاف النيوتونات (الكيلو نيوتن) وتستخدم وزن 80 كيلوغرام. ويتمدد حبل تسلق جيد بشكل كافٍ (أي بمقدار 40%) لتخفيض قوة التأثير إلى رتبة 12000 نيوتن. وهي نصف القوة المذكورة في المثال السابق، ولكن هذا المقدار ما زال كبيرًا، وسيخضع شخص ذو كتلة أكبر إلى قوة أكبر.

تتمثل مشكلة أخرى في اتصال الحبل بالنقطة العليا من قفزتك. فعندما يهتز الحبل تتأرجح مرتدًا إلى الخلف كالنواس. إذ يهتز النواس منحرفًا المسافة نفسها تقريبًا في كلا الجانبين بدءًا من الخط المركزي. ما يعني أنه إذا بدأ أحد القافزين القفز راكضًا أو قام بوثبة صغيرة في البداية عند الحافة، حينها، وعند امتداد الحبل على كامل طوله، سيصل القافز إلى مسافة تفوق المسافة الابتدائية بقليل، دون قصد منه بذلك. يشبه ذلك النواسات، فهي تتأرجح نحو الخلف وتصطدم بجدار البناء الجرف (أو الجسر إذا كان ذلك بالقرب من الركائز والدعامات). ولأن كمية حركتهم مصانة سيصطدمون بالجدار بقوة.

ويقول قافز الحبال الروسي سيرغي فيرسوف Sergey Firsov بأن قافزي الحبال يوظفون ثلاث استراتيجيات لتجنب هذه المخاطر التي تهدد حياتهم. وغالبًا ما يربط القافزون حبالهم أسفل الجسر، من طرف واحد، فيُلف بالحبل من الأسفل ويُربط الطرف الآخر بالشخص. بذلك يصبح الشخص شبيها بالنواس. ولأنهم يقفزون من أعلى جسر وليس عن حافة جرف، فهم لن يقلقوا حيال الاصطدام بأية شيء أسفله. ويصبح الحبل المتأرجح خاضعًا لمقدار صغير من التوتر ولا يوجد اهتزاز عنيف، لأن القافز لا يصل إلى نهاية الحبل، ويشبه ذلك التأرجح على أرجوحة في الحديقة إلى حد كبير.

تتضمن الطريقتان الأخريان ما يسمى بالخطوط السكونية static lines والخطوط الحركية dynamic lines، وفقًا لفيرسوف. يتأرجح الخط السكوني بإحدى طريقتين. الأولى هي أرجحته من نقطة القفز نحو الأسفل بانحراف زاوي ضئيل إلى نقطة تبعد قليلًا عن مقدمة الجرف أو البناء، والطريقة الثانية هي أرجحته بشكل شاقولي أمام القافز. وفي كلتا الحالتين، يرتبط الحبل الذي يتصل مباشرة بالقافز (والمسمى بالخط الديناميكي (الحركي)) بالخط السكوني. وعادة ما يكون الخط السكوني أقل تمددَا من الخط الحركي.

عمل يشبه عمل النواس


اعتمد القافرون عن الجسر على فيزياء النواسات في قفزتهم، وإليكم كيف كان ذلك:

عندما يهتز النواس فإن المسافة التي يهتز فيها النواس (وفي هذه الحالة حبل القافز) تتضاءل مع كل هزة، وذلك وفقًا لقوانين الفيزياء. ويعود ذلك إلى ضياع مقدار صغير من الطاقة الحركية في كل مرة نتيجة الاحتكاك ومقاومة الهواء. إضافة إلى أن النواسات تميل للاهتزاز في المستوي ذاته.

وهي بذلك تُعد جيدة جدًا، إذ بإمكانك استخدام أحد النواسات لتثبت دوران الأرض. ورؤية نواسات فوكو Foucault pendulums هو أمر شائع في المتاحف والأجهزة الفنية، حيث يتغير اتجاه الاهتزاز ببطء على مدار اليوم. ويحدث ذلك لأن اهتزازات النواس تبقى في الاتجاه ذاته ولا تدور مع دوران الأرض أسفلها. وتعتمد سرعة دوران الأرض على خط العرض، ففي القطبين يستغرق دوران الأرض أسفل النواس 24 ساعة، وعند خطوط العرض الأدنى كنيويورك، تستغرق 37 ساعة، أما عند خط الاستواء فلا يبدو أن الأرض تدور مطلقًا.

بالطبع، لا يتأرجح القافزون عن الجسر لمدة كافية لمشاهدة هذه الظاهرة، وحبالهم ليست معلقة بمرتكزات عديمة الاحتكاك بما يكفي لبقائهم في حالة اهتزاز طوال اليوم. ولكن حتى مع ذلك، تعني فيزياء العملية أن كل قافز سيميل للبقاء في المستوي ذاته، وبوضع كهذا، فهنالك القليل من خطر اصطدامهم ببعضهم البعض، طالما يقفزون بالاتجاه ذاته تمامًا، وكان إلى الأمام مباشرة. والقافزون الذين ينطلقون بزاوية صغيرة بالنسبة للآخرين، يخاطرون بتشابك حبالهم مع زملائهم، والسبب الدقيق لذلك هو أن القفزة ستبقى موجهة في اتجاه واحد، لذا ستتقاطع مسارات اهتزازهم.

وبالنسبة للقافزين الذين يقفزون من أعلى الجروف أو الأبنية، فالنظام مؤسس على نحو مختلف. في هذه الحالة، يمتص الحبل الذي يسمى بالخط السكوني طاقة القافز، المتصل بحبل يُسمى خطًا حركيًا. وقد بين مونيز في فيديو نسخة مصغرة للطريقة التي يمكن أن يستخدم بها القافز جرفًا أو وادي: يتعامد اهتزاز الخط السكوني تقريبًا مع اهتزاز الخط الحركي المتصل بمنتصف الخط السكوني. يُوصل حبل ثالث بالقافز للأمام ولسحب القافز نحو الخلف. وعند القفز، يشكل الحبل حرف T. وينطلق القافز عن في الهواء ساقطًا سقوطًا حرًا إلى أن يصبح الخط الحركي مشدودًا.

لو كان الخط الحركي قاسياً جدًا ومتصلاً بشيءٍ صلب، حينها سيهتز الحبل بعنف مسببًا الأذى للقافز. ولكن لم يكن أيًّا من هذه الخطوط قاسيًا. إذ يلتوي الخط السكوني ويمتص بعضاً من طاقة القافز الحركية، كما يمتص الخط الحركي أيضًا بعضًا منها. ورغم أنها ليست مرنةُ كحبال البنجي، إلا أن الحبال لها من المرونة ما يكفي لانتقالٍ أسلس من حركة السقوط الحر إلى الحركة التي تشبه النواس، إذ يتمدد الحبل أثناء الفترة الزمنية التي يتباطأ فيها القافز. وكمثال على ذلك، يكفي أن تتذكر الثواني التي تقضيها محاولاً إبطاء حركتك، حيث يتناقص تسارعك وتصبح القوة التي تؤثر عليك أصغر.

عند هذه النقطة، يبدأ القافز بسلوك منحى النواس. ويعتمد مقدار القوة التي يشعر بها على المسافة التي يسقط بها، بمعنى آخر على طول الحبل وعلى مقدار التواء الخط السكوني لامتصاص قوة الانتقال الابتدائية. وقد انطلق قافزو الحبل في البرازيل لمسافة 30 مترًا في الهواء، وتعادل هذه المسافة نصف طول الحبال تقريبًا. 

وعمومًا، تعتمد سرعة النواس عند أدنى نقطة من مسار اهتزازه على التسارع الحاصل فقط نتيجة الجاذبية الأرضية وعلى طول الحبل. وفي حالة الجسر، يضيف الشخص القافز مقدارًا ضئيلًا من الطاقة(245 شخص)، لذا يُعد ذلك تقديرًا جيدًا. ويختلف الأمر بعض الشيء حين القفز عن أعلى جرف، حيث سيكون هناك قدر ضئيل من الطاقة المضافة من لحظة السقوط، كمقدار الطاقة الذي ينبغي أن تضيفه لأرجوحة منزلية.

لا تحاول فعل ذلك في المنزل


من الصعب جدًا إعداد منظومة حبل القفز، لذا يُفضل ترك ذلك للخبراء. فتغير القوى على الحبل كبيرٌ جدًا، ما يستدعي وجود مرتكزات جيدة. وينبغي أن تعمل المرتكزات بشكل متناغم مع البكرات (pulleys) لضبط توتر الحبل، وذلك ليمتص الخطُ السكوني قوةَ القافز، مثل طرزان، ولوقاية القافز من جروح داخلية أو تكسر أضلاعه. وفي الفيديوهات التي تصور مجموعات القافزين، من الصعب مشاهدة تجهيزات العمل ويمكن أن تترك انطباعًا بأنها أسهل مما هي عليه في الواقع.

لقد كان دان أوزمان Dan Osman رياضيًا متحمسًا جدًا ويُنسب له اختراع أحد حبال القفز، لكنه تُوفي عام 1998 حين انقطع حبله؛ فقد كان يحاول القفز من ارتفاع 335 متر في متنزه يوزيمايت الوطني. وقد أظهر تحليل لحالة أوزمان أن المعدات التي استخدمها في القفز كانت في حالة جيدة، لكنه قفز بطريقة لم تكن معروفة بالنسبة له، فاحتك أحد الحبال بالآخر. ورفع الاحتكاكُ حرارةَ الحبل بما يكفي لإضعافه وتقصفه حين وصل دان إلى نهاية الحبل، وكان التوتر في قيمته العظمى.

لم يزدهر القفز بالجبال في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعود ذلك جزئيًا إلى تحريمه من قبل العديد من السلطات القضائية، ويومئ فيرسوف إلى ذلك بقوله أن القانون في روسيا أكثر ضبابية، ويعزو موت دان إلى استخدامه حبلاً واحداً فقط، أما فيرسوف فيستخدم حبلين على الأقل، وإلا فقانون نيوتن الثاني لن يكون متسامحًا على حد قوله.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات