إصرارٌ لا مثيل له حدا بالولايات المتحدة الأمريكية لتهبط على سطح القمر بطاقمٍ بشريٍّ بنجاحٍ وسلامة، فقد كان الجميع يدعم هذا البرنامج، وأولهم وأكثرهم حماسة وإصرارًا كان الرئيس الأمريكي حينها جون كينيدي John F. Kennedy الذي خطب بعشرات الآلاف من الأمريكيين في أيلول/سبتمبر عام 1962 في ولاية تَكساس وقال جملته المشهورة: "نحن اخترنا الذهاب إلى القمر We choose to go to the moon"، هذه الكلمات التي ألهبت حماس الجمهور وقتها ستكون أوّل ما تراه عند المدخل الرئيسي لمركز أبولو ساترن الخامس "Apollo Saturn V" في مركز كينيدي للفضاء مُجمَّع الزوار.
يُنظِّم مُجمَّع الزوار هنا رحلةً بالحافلة داخل مركز كينيدي للفضاء، وبعد أن يأخذك حول جميع المعالم العَملية التي تحدثنا عنها في الجزء الأوّل من مقالنا هذا سيتوقف عند المنصة التي أطلقت منها أبوبو 11 "Apollo 11" لتقف في المكان الذي منه بدأ النجاح العظيم، من ثم ياخذك إلى المبنى الذي يحتفظ بكل ما يخص رحلاتنا إلى القمر، وكما كان الحال في الجناح المريخي فهنا كذلك لابد لنا من لمحة تاريخية عن برنامج أبولو Apollo، ولذلك ستكون البداية بفلمٍ قصير عن رحلات أبولو وكم العمل الهائل الذي تطلّبه هذا البرنامج ليصبح حقيقة، ولمحة عن سباق الفضاء حينها وأثره الذي سرّع عجلة البحث والتخطيط لزيارة القمر بطاقمٍ بشري، وبالتأكيد ذِكرُ التضحية الكبيرة التي قدمها طاقم أبولو 1 "Apollo 1" الذي فقد أفراده الثلاثة حياتهم بسبب حريق حدث في قُمرة القيادة أثناء محاكاة لعملية الإقلاع في 27 يناير/كانون الثاني 1967.
ستستمع لكل تلك المعلومات وتشاهد مقاطع تصويرية قصيرة لبرنامج أبولو وأمامك أسفل الشاشات مكان مميز للغاية منه وإليه وصلت وانتقلت الصور والمعلومات وكل الأوامر التي قادت بعثة أبولو 11 "Apollo 11"، لتنجح في الهبوط على سطح القمر في 20 يوليو/تموز 1969، إنها "غرفة التحكم" التي أصبحت متاحة للعموم في هذا المكان بكامل معداتها وأجهزة اتصالها وشاشاتها، وهي الأدوات ذاتها التي مكَّنتنا من التواصل بشكل مباشر مع رواد الفضاء على متن المركبات الفضائية خلال رحلاتهم إلى القمر وعند هبوطهم على سطحه، في هذه القاعة صفق الجميع وصرخوا فرحين بالإنجاز العلمي الضخم الذي حققوه عندما مشى الإنسان لأول مرة على جرمٍ سماويٍّ آخر غير الأرض.
سيفضي بك باب من تلك القاعة إلى المرآب الكبير الذي ينطوي على إبداعاتٍ علمية بلغت المُحال في الماضي وأثبتت أنّ العلم يحقق المستحيل، فهنا تُعرض أجزاء الصاروخ الفضائي العملاق ساترن الخامس Saturn V، الذي حمل المركبات المأهولة لبرنامج أبولو إلى الفضاء، بكل تفاصيله من المحركات الصاروخية الخمسة ومرحلة الاحتراق الأولى وحتى كبسولة العودة مرورًا بالجزء الثاني من مرحلة الاحتراق بمحركها الصاروخي الأوحد، ومن ثم وحدة الهبوط (Lunar Module (LM التي ستهبط بروَّاد الفضاء على سطح القمر ومن ثم ستقلع ثانيةً لتحملهم إلى مدار حوله لتتَّحد مع وحدة الخدمة (Service Module (SM وتعود إلى الأرض، ومن ثم وحدة القيادة (command module (CM المتمركزة في أعلى الصاروخ والتي لا يتقدمها إلا نظام سلامة الطاقم المكون من صاروخ صغير متصل بالكبسولة يعمل في الحالات الطارئة فقط.
حول هذا العملاق الحديدي النائم تتوزع العديد من الحُجرات الزجاجية التي تحتوي داخل جدرانها نسخًا طبق الأصل عن المُعدات التي حملها الإنسان معه إلى القمر وأهمها عربة الجر اليدوية والعربة الآلية التي رافقت طاقم الرحلة أبولو 15 "Apollo 15" إلى القمر في 30 تموز/يوليو 1971. وكانت ذات جدوى كبيرة للطاقم حيثُ مكنته من التنقل على سطح القمر بعيدًا عن وحدة الهبوط حاملين معهم معداتهم وأجهزتهم وكذلك نقلوا باستخدامها بعض الصخور والأتربة ليعودوا بها في نهاية الرحلة إلى الأرض.
وفي نفس المرآب قسم يضم كل أصناف بزات الفضاء التي اعتمدتها وكالة ناسا في تاريخها مرتبة حسب الأقدمية، لتتيح لك ملاحظة التطور الذي حل عليها من حيث المواد المستخدمة في تصميمها أو من حيث الشكل والهيئة التي جعلتها أكثر ديناميكية، وأما مواصفاتها التعبوية فهي مبيَّنة في اللوحات التعرفية أسفل كل بزة.
وفي حجرة أخرة هناك بعض المواد التي عادت بها رحلات أبولو من سطح القمر وهي محفوظة بعناية ضمن مجسمات زجاجية سميكة، وفي مكان مجاور لها تقبع كبسولة الرحلة أبولو 14 "Apollo 14". الحقيقية مع صور انتشالها من جنوب المحيط الهادئ إلى الشرق من أستراليا، وتتوزع في المكان العديد من الهياكل التي تحاكي وحدة الهبوط القمرية والمسابر التي ساهت في إنجاح رحلات أبولو وكذلك جزء طبق الأصل من محطة الفضاء سكايلاب skylab التي كانت نشطة حينها وساهمت أيضًا في تلك الرحلات.
حتى الحافلة الخاصة التي نقلت رواد الفضاء بلباسهم الميداني إلى منصة الإقلاع تقف هنا وبالقرب من الباب الكبير في الزاوية الخلفية اليسرى لهذا البهو.
محطتنا القادمة في مجمَّع الزوار في مركز كينيدي للفضاء غدًا حيث سنزور آخر العمالقة الذين سافروا إلى الفضاء، فكونوا على الموعد.