التقدم التكنولوجي الحديث قد يعني أن يدًا اصطناعيةً كاملة الوظائف ستلوح قريبًا في الأفق
الإحساس بالملمس
بحسب جيسيكا شميرلير Jessica Schmerler، فإن الأطراف الاصطناعية الحديثة تقدم بصورتها الحالية العديد من الوظائف الحركية لفاقدي الأطراف، ولكنها لا تعيد إليهم حاسة اللمس حتى الآن.
قام باحثون من المركز الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، وبمجهود تعاوني مع مدرسة سانت آنا للدراسات المتقدمة في مدينة بيزا الإيطالية، بتطوير طرف إصبعٍ بيولوجي إلكتروني يمكّن أصحاب الأطراف المبتورة من تمييز الأسطح الملساء من الخشنة، بدرجة دقةٍ تصل إلى 96%.
يتكون رأس هذا الأصبع من حساسٍ كهربائيٍّ مغطى بالبوليمر، حيث يقوم بترجمة خشونة الأسطح إلى نبضاتٍ كهربائيةٍ يتم تحويلها إلى عصبٍ في الذراع، قد يقوم هذا النظام أيضًا بالمساعدة في تخفيف ظاهرة ألم "الطرف الشبحي" الذي يحدث مع كثيرين من أصحاب الأطراف المبتورة (وهي أن يتخيل مبتور اليد مثلًا أن يده تؤلمه مع أنها غير موجودة)، حيث يتم استشعار اليد الشبحية على أنها منقبضة بشكل مستمر ومؤلم.
ولكن في هذه التجربة، شعر مبتور اليد بأن يده الشبحية تستشعر الأسطح بدلًا من بقائها منقبضة.
بديل واقعي
وبحسب إيان شانت Ian Chant، فقد أتاح التقدم في تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد للعلماء فرصة بناء أيدٍ معقدةٍ محاكيةٍ للطبيعة (biomimetic hands)، وذلك باستخدام عظام وأوتار بلاستيكية تعكس بشكل كبير كل نقطة ارتباط في يد الإنسان السليمة.
وبما أن الأنسجة البشرية المحضَّرة مخبريًا صارت أقوى وأكثر حيوية، فقد صار العلماء يأملون أن يستخدموا الأيدي المحاكية للطبيعة كقالبٍ تنمو عليه الأنسجة العضوية، ليصبح بالإمكان إنماء يدٍ حقيقية.
يقول إيمانويل تودوروف Emanuel Todorov وهو الباحث من جامعة واشنطن الذي طوَّر اليد المصورة هنا في المقال بالاشتراك مع جو شو Zhe Xu من جامعة ييل، إن استخدام الأجزاء البلاستيكة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تقلل من احتمالية رفض الجسم للعضو الجديد المزروع -وهي مشكلة شائعة في زراعة الأيدي- وفي الوقت نفسه، ستقلل من تكاليف الزراعة إذا ما قورنت بتكلفة أطراف أخرى مشابهة من حيث الارتباط المفصلي.
بما أن هذه النماذج تبدو وتعمل مثل اليد البشرية تمامًا، فإن تعلم استخدامها أسهل لدى مستخدميها، هي لن تعمل فقط كاليد الطبيعية، بل إن الطباعة ثلاثية الأبعاد تعني أيضًا أن كل يد ستكون محضَّرة حسب الطلب لتلائم كل مستخدم.
تحرير الأصابع
بحسب شانت أيضًا، وفي تقرير في المجلة الدورية Journal of Neural Engineering، يقول فريق من الباحثين في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins Univeristy، إنه في بداية هذا العام تمكن أحد الأشخاص من ذوي الأطراف المبتورة من تحريك أحد أصابع الذراع الاصطناعي الذي يستخدمه بشكلٍ مستقل، وبنسبة نجاحٍ وصلت إلى 64%. يُعتبر هذا الإنجاز نقلة نوعية عند مقارنته بتجارب سابقة، ففي السابق كان بالإمكان فقط تحريك مجموعات من الأصابع معًا.
تم فك تشفير اﻹشارات الدماغية باستخدام جهاز "مخطط كهربائي للقشرة" مزروع في الجسم electrocorticographic implant، حيث يقوم الجهاز بتغطية مساحة كبيرة من الدماغ ليستوعب كمية من المعلومات، ويترجمها من مجموعات عديدة من الخلايا العصبية، مما يعطي قراءات أكثر استقرارًا مقارنةً بما حققته الوسائل السابقة.
بالإضافة لذلك، فإن الإشارات المتحكمة بالطرف الاصطناعي مدركة بديهيًا، ما يجعل المستخدم قادرًا على التحكم باليد الاصطناعية دون الحاجة إلى جلسات تدريبية طويلة.
ترابط أفضل
يضيف شانت أن مستخدمي الأطراف الاصطناعية الحاليين يعتمدون على إشارات بصرية لمعرفة ما إذا كانوا لامسين أو ممسكين بشيء ما بأيديهم الاصطناعية.
وحالياً، صار بالإمكان الاستعانة بـ "كفة عصبية" (Nerve Cuff) تقوم بتحويل الاستشعارات اللمسية ليتم وصلها مباشرةً بالعصب المتوسط median nerve والعصب الزندي ulnar nerve والعصب الكعبري radial nerve في الذراع في مكان البتر.
في دراسة حديثة، قام العلماء في جامعة كيس ويسترن ريسيرف Case Western Reserve University ومركز كليفلاند الطبي، باختبار مستخدمي الأطراف الاصطناعية وهم معصوبو الأعين، ليروا إن كان بإمكان المستخدمين تحديد ما إذا كانت هناك قطعة خشبية في أيديهم الاصطناعية، وإن كان بإمكانهم تحديد مكان قطعة مغناطيسية على طاولة معدنية وإزالتها عنها، تمكن الأشخاص الذين خضعوا للتجربة من تحديد ما إذا كانوا ممسكين بالقطعة الخشبية بدقةٍ وصلت إلى حوالي 100%، وقد كانوا ماهرين أكثر من ذلك، حيث استطاعوا تحديد مكان القطعة المغناطيسية بشكلٍ أسرع وبعدد إسقاطات أقل، بالإضافة للقدرة على تعديل حركة أيديهم بصورةٍ أفضل من الاختبار في حال عدم وجود هذه الكفة العصبية والتغذية الراجعة منها.
وكبشرى أخيرة في هذا السياق، فقد قال المستخدمون أن هذه الارتباط الجيد جعلهم يشعرون بثقةٍ أكبر، وكأن الطرف الصناعي جزءٌ من جسدهم.