كيف تعمل الطابعات ثلاثية الأبعاد؟

تخيّل أنك قرّرت تنظيم خزانتك، ولكن بدلًا من قياس أوعية التخزين في المتجر لتتأكد من أنها مناسبة، فإنك تذهب ببساطةٍ إلى مكتبك، ثم تُدخل القياسات التي ترغب بها للأوعية وتطبعها حالًا. الآن تخيّل أنه عليك بناء مجسّمٍ يمثّل إحدى المعارك الشهيرة التي وقعت أثناء الحرب الأهلية كمشروعٍ مدرسيٍّ، واستخدمت تلك الطابعة نفسها لصنع جميع الجنود والمدافع والأشجار بتفاصيلَ مثاليةٍ.


يومًا ما، قد تتمكن من طبع مفاتيح لمنزلك وأغراض أخرى ثلاثية الأبعاد باستخدام طابعةٍ كهذه، أو باستخدام نسخةٍ أصغر منها حتى، وأنت جالسٌ براحةٍ في مكتبك المنزلي الخاص. حقوق الصورة: STRATASYS, INC
يومًا ما، قد تتمكن من طبع مفاتيح لمنزلك وأغراض أخرى ثلاثية الأبعاد باستخدام طابعةٍ كهذه، أو باستخدام نسخةٍ أصغر منها حتى، وأنت جالسٌ براحةٍ في مكتبك المنزلي الخاص. حقوق الصورة: STRATASYS, INC


ربما هذه التكنولوجيا أقرب إلينا مما نظن، وذلك بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing. بفضل هذه التقنية، أصبح من الممكن إنتاج أغراض معقدةٍ ذات عدّة أجزاءٍ متحركةٍ وبتصاميمَ دقيقة التفاصيل بسهولةٍ وسرعةٍ أكبر. قريبًا، ستتوفر هذه التقنية بأسعارٍ مقبولةٍ تسمح للناس بامتلاكها في منازلهم.

التصنيع التجميعي (Additive Manufacturing (AM يمثل عائلة تكنولوجيا التصنيع التي تشمل الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهو طريقةٌ لصناعة الأغراض تُضاف فيها المادة المصنعة للغرض طبقةً تلو الأخرى. اعتمدت الجمعية الأمريكية للاختبار والمواد American Society for Testing and Materials المعروفة بـ ASTM International هذا المصطلح. (المصدر: Gibson, et al). كان لتقنية التصنيع التجميعي خلال تاريخها عدة أسماءٍ: التجسيم المرئي (بمعنى تحويل الصور والمخططات إلى مجسمات) Stereolithography، تجميع الطبقات ثلاثي الأبعاد 3D-Layering، والطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing. في هذه المقالة سنستخدم اسم "الطباعة ثلاثية الأبعاد" عند الحديث عن تلك التقنية لكونه المصطلح الأكثر شيوعًا المستخدَم لوصف المنتجات المصنوعة بواسطتها.

يمكن رؤية بعض المبادئ الأساسية الخاصة بتقنية التصنيع التجميعي داخل الكهوف، حيث أنه بمرور آلاف السنين تنشأ في الكهوف طبقاتٌ كثيرةٌ من العناصر المعدنية المترسبة نتيجة المياه التي ترشح فيها، ثم تتجمّع هذه الطبقات لتشكّل الصواعد والهوابط الكلسية المترسبة. ولكن على عكس هذه التشكلات الطبيعية، فإن الطباعة ثلاثية الأبعاد سريعةٌ جدُّا وهي تتّبع خطةً محددةً سابقًا يقدمها برنامجٌ حاسوبيٌّ، يوجه الحاسوب الطابعة ثلاثية الأبعاد لتضيف كلّ طبقةٍ كمقطعٍ عرضيٍّ محدّدٍ من الغرض النهائي.

إن تقنية التصنيع التجميعي، ولاسيما الطباعة ثلاثية الأبعاد، مستمرةٌ في التقدم. هذه التقنية التي كانت في البداية مجرد طريقةً لبناء النماذج الأولية بسرعةٍ أصبحت الآن وسيلةً لصنع المنتجات المستخدمة في مجالات الطب، وطب الأسنان، والملاحة الجوية والطيران، إضافة إلى صناعات السيارات والآليات المتحركة، كما أنها بدأت تُستخدم في مجالات صناعة الألعاب والأثاث، وكذلك الفن والأزياء.

نستعرض في هذه المقالة المنظور الواسع للطباعة ثلاثية الأبعاد، بدءًا بتاريخها والتكنولوجيا المستخدمة فيها وصولًا إلى مجال استخداماتها الواسع، الذي يتضمن إمكانية طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد خاصةٍ بك في المنزل. في البداية دعونا نلقي نظرةً على نشوء تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وكيف تتطور اليوم.

 

تاريخ الطباعة ثلاثية الأبعاد


الاستخدام الأول للتصنيع التجميعي كان في تقنية البناء السريع للنماذج الأولية (Rapid Prototyping (RP في أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي. تُوفّر النماذج الأولية للمصنّعِين فرصة معاينة التصميم الخاصّ بغرضٍ ما بشكلٍ أوضح وحتى إجراء اختباراتٍ عليه قبل صنع المنتج النهائي. سمحت تلك التقنية للمصنّعين بإنتاج النماذج الأولية بشكلٍ أسرع بكثيرٍ من السابق، غالبًا خلال أيامٍ أو حتى ساعاتٍ من تصوُّر التصميم. يصنع المصمّمون النماذج باستخدام برمجيات التصميم بمساعدة الحاسب (Computer-Aided Design (CAD، وبعدها تتبع آلاتٌ خاصةٌ تلك النماذج لتحديد كيفية بناء الغرض. عملية بناء ذلك الغرض من خلال طباعة المقاطع العرضية له طبقةً تلو الأخرى أصبحت تُعرف بالطباعة ثلاثية الأبعاد.

بدأت تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد بالتطور، وكانت بداية ذلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology (MIT وفي شركةٍ تُدعى ثري-دي سيستمز 3D Systems. في بداية تسعينيات القرن الماضي، طوّر معهد ماساتشوستس عمليةً سجّلها كعلامةٍ تجاريةٍ باسم "الطباعة ثلاثية الأبعاد" 3D Printing واختُصِرت رسميًا لتصبح 3DP. ابتداءً من شهر شباط/فبراير من عام 2011 منح المعهد رخصًا لست شركاتٍ تمكّنها من استخدام والترويج لعملية 3DP ضمن منتجاتها (المصدر MIT).

كانت شركة ثري-دي سيستمز (مقرها مدينة روك هيل Rock Hill في ولاية كارولاينا الجنوبية South Carolina منذ تأسيسها عام 1986 من الرواد في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد وابتكار منهجياتٍ مختلفةٍ لاستخدامها، كما أنها حصلت على علاماتٍ تجاريةٍ مسجلةٍ لبعض التقنيات التي ابتكرتها، ومنها أدوات التجسيم المرئي Stereolithography Apparatus (SLA) وتجميع الجزيئات الليزري الانتقائي (Selective Laser Sintering (SLS، وستُشرَح هاتين التقنيتين في المقالة لاحقًا. رغم محافظة معهد ماساتشوستس وشركة ثري-دي سيستمز على الريادة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، إلا أن هناك شركاتٍ أخرى مثل شركة زي Z Corporation، أوبجيكت جيوميتريكس Object Geometrics، وستراتاسيس Stratasys طرحت أيضًا منتجاتٍ مبتكرةً جديدةً في السوق، بنتها على أساس تقنيات التصنيع التجميعي التي ذكرناها سابقًا.

اليوم، تُستخدم بعض تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد التي ساهمت في عمليات البناء السريع للنماذج الأولية لبناء المنتجات النهائية (المصدر: The Economist). تستمر التقنية بالتطور بطرقٍ متعددةٍ، من أدق التفاصيل التي يمكن لآلةٍ طباعتها إلى الزمن الكلي المطلوب لتنظيف وإضافة اللمسات الأخيرة على الغرض لإنهائه بعد اكتمال الطباعة. تشمل التطورات تسارع العمليات، وانخفاض سعر المواد والأجهزة، وإمكانية استخدام أنواعٍ أكثر من المواد بما في ذلك المعادن والسيراميك. تتراوح أحجام آلات الطباعة الآن من حجم سيارةٍ صغيرةٍ إلى حجم فرن المايكرويف.

تُعتَبر الطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها من تقنيات التصنيع التجميعي جديدةً في مجال التصنيع. كثيرًا ما يقارن التصنيع التجميعي بعملية تصنيعٍ شائعةٍ أخرى تُدعى التصنيع الآلي المُتحكم رقميًا بواسطة الحاسب Computer Numerical Controlled (CNC) Machining، أو يُعتقد خطأ أنهما العملية ذاتها. إلا أن عملية CNC هي عمليةٌ اختزاليةٌ على عكس التصنيع التجميعي (وهو عمليةٌ تجميعيةٌ)، حيث تُزال فيها المواد من كتلةٍ موجودةٍ سابقًا حتى الحصول على المنتج النهائي، كما في عملية نحت تمثال من الحجر.

الآن وقد وضحنا بعض المعلومات المتعلقة بنشوء هذا المجال، لنستكشف بعض تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد.
 

الطباعة ثلاثية الأبعاد المعتمدة على الرابط Binder 3-D Printing – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM)
الطباعة ثلاثية الأبعاد المعتمدة على الرابط Binder 3-D Printing – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM)

 

إحدى طرق الطباعة ثلاثية الأبعاد هي الطباعة ثلاثية الأبعاد المباشرة Direct 3-D Printing. هذه الطريقة تستخدم تكنولوجيا نفث الحبر التي بدأت تُستخدم في الطابعات ثنائية الأبعاد منذ ستينيات القرن الماضي ]المصدر: Gibson, et al[. كما في الطابعات ثنائية الأبعاد التي تعتمد على نفث الحبر، تتحرك فوهاتٌ في الطابعة ثلاثية الأبعاد جيئةً وذهاباً مطلقةً سائلٍ، كما تتحرك هذه الفوهات إلى الأعلى والأسفل (هذا لا يحدث في الطابعات ثنائية الأبعاد) أو يتحرك سطح الطباعة حتى تُغطى المنطقة نفسها من السطح بطبقاتٍ متعددةٍ من المادة. بالإضافة إلى ذلك، هذه الطابعات لا تستخدم الحبر، حيث إنها تطلق موادَ شمعيةً سميكةً أو مركباتٍ بلاستيكيةً تتجمد لتشكّل كلًّا من المقاطع العرضية الخاصة بالغرض ثلاثي الأبعاد المتين الذي يُبنى.

شكلت عملية البناء السريع للنماذج الأولية التي وصفناها سابقًا عاملًا أساسيًا في تطوّر الطباعة ثلاثية الأبعاد المباشرة. عام 1994 أصبحت آلة موديل ميكر ModelMaker (من إنتاج شركة سوليدسكيب Solidscape) أول تكنولوجيا ناجحةً تجاريًا استخدمت طريقة نفث الحبر في مجال البناء السريع للنماذج الأولية ]المصدر: Gibson, et al[. تبعت تلك الآلة منتجاتٌ أخرى ضمن هذا المجال تستخدم جميعها مركباتٍ شمعيةٍ. على سبيل المثال، تستخدم منتجات النمذجة الأولية السريعة المتقدمة اليوم تقنياتٍ مثل النمذجة متعددة النافثات Multi-Jet Modeling (MJM) التي تقوم ببناء نماذجَ أوليةٍ شمعيةٍ بسرعةٍ من خلال العشرات من الفوهات التي تعمل في الوقت نفسه (المصدر: G.W.P).

الطباعة ثلاثية الأبعاد المعتمدة على الرابط Binder 3-D Printing كما في الطباعة ثلاثية الأبعاد المباشرة تستخدم فوهاتٍ نافثةٍ للحبر لإطلاق سائلٍ وتشكيل طبقاتٍ جديدةٍ، إلا أنها تستخدم نوعين مختلفين من المواد يُدمجان سويةً لتشكيل كلٍّ من الطبقات، وذلك على خلاف الطباعة ثلاثية الأبعاد المباشرة. هاتان المادتان هما عبارةٌ عن مسحوقٍ جافٍ وجل سائلٍ يعمل كرابط ]المصدر: Gibson, et al[. يحدث مروران في هذه الطابعات المرور لتشكيل كلّ طبقةٍ. في المرور الأول تُفرد طبقةٌ رقيقةٌ من المسحوق، بينما تُستخدم الفوهات في المرور الثاني لتطبيق المادة الرابطة. تنخفض بعدها منصة البناء قليلًا لتستقبل طبقةً جديدةً من المسحوق، وتتكرر هذه العملية حتى نحصل على المنتج النهائي كاملًا.

يستخدم معهد ماساتشوسيتس هذه الطريقة المعتمدة على الرابط في عملية 3DP التي ذكرناها سابقًا. حتى تحصل شركة ما على ترخيصٍ من المعهد لاستخدام عملية 3DP الخاصة به لتطوير منتجاتها، عليها استخدلم مزيجها المتفرّد من المواد كالمسحوق والمادة الرابطة.

تتميز الطباعة ثلاثية الأبعاد المعتمدة على الرابط عن الطباعة ثلاثية الأبعاد المباشرة بعدّة نقاطٍ. بدايةً، تُعدّ هذه الطريقة أسرع من الطريقة المباشرة لأن كمية المواد التي تُطبَّق من خلال الفوهات أصغر. أيضًا، تدعم هذه العملية تنوعًا أكبر من المواد كالمعادن والسيراميك، بالإضافة إلى الألوان.

البلمرة الضوئية Photopolymerization وتجميع الجزيئات Sintering


تجميع الجزيئات الليزري الانتقائي Selective Laser Sintering – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM
تجميع الجزيئات الليزري الانتقائي Selective Laser Sintering – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM

 

البلمرة الضوئية Photopolymerization عبارةٌ عن تكنولوجيا للطباعة ثلاثية الأبعاد يحدث فيها تعريض قطرات بلاستيك سائل إلى شعاعٍ ليزريٍّ من الأشعة فوق البنفسجية. خلال فترة التعرض، يُحوِّل الضوءُ السائلَ إلى صلب. مصطلح Photopolymerization مركّب من الجذرين Photo بمعنى الضوء، وبوليمر Polymer وهو المصطلح المستخدم لوصف التركيب الكيميائي للبلاستيك الصلب.

مركز بيدمونت الثلاثي للتصنيع المتقدم (Piedmont Triad Center for Advanced Manufacturing (PTCAM هو عبارةٌ عن مجموعة جامعات وشركات تجارية توفر منذ بدايات هذا القرن تدريبًا عمليًا للمهارات اللازمة للعمل في مجال المعادن، وذلك في ولاية كارولاينا الشمالية. بعض المهارات التي يشملها التدريب تضمن جهاز تجسيم مرئي (Stereolithography Apparatus (SLA من إنتاج شركة ثري-دي سيستمز. يستخدم هذا الجهاز تقنية البلمرة الضوئية، حيث يوجَّه فيه ليزرٌ على وعاءٍ يحتوي مادة البلاستيك بحالتها السائلة (يُدعى في هذ الحالة البوليمر الضوئي Photopolymer). كما في حالة الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام نفث الحبر، يكرر الجهاز تلك العملية لكلّ طبقةٍ على حدة حتى انتهاء عملية الطباعة.

(يمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر حول هذه العملية هنا: How Stereolithograpphy 3D Layering Works).

تجميع الجزيئات Sintering هي تكنولوجيا تصنيع تجميعي أخرى تتضمن إذابة وصهر الجزيئات معًا لطباعة كلٍّ من المقاطع العرضية المتتالية للغرض. تجميع الجزيئات الليزري الانتقائي Selective Laser Sintering (SLS) هي تقنية تجميع الجزيئات المستخدَمة في الطباعة ثلاثية الأبعاد. تعتمد هذه التقنية على الليزر لإذابة مسحوقٍ بلاستيكيٍّ مقاومٍ للاشتعال، الذي يتصلّب بعدها ليشكّل الطبقة المطبوعة. يُشابه ذلك الآلية المستخدمة في الطابعات ثنائية الأبعاد حيث يُذاب الحبر حتى يلتصق بالورقة ليشكّل الصورة.

تناسب تقنية تجميع الجزيئات عملية بناء الأغراض المعدنية لأن الصناعات المعدنية تتضمن غالبًا عمليات إذابة وإعادة تشكيل. من أمثلة استخدام هذه التقنية مع المعادن جهاز باسم ليزرفورم آي6 LaserForm A6 (إنتاج شركة ثري-دي سيستمز) (المصدر: ”3D Systems, “A6). تتميز الأغراض المنتَجة باستخدام ليزرفورم آي6 عن المنتجات المعدنية المصنوعة بطرائقَ أخرى (مثل صبّ المعادن) بعدّة نقاطٍ، أهم هذه الميزات هي المستوى العالي من الدقة الذي يمكنها تحقيقه.

حتى الآن، ناقشنا تطور الطباعة ثلاثية الأبعاد بالإضافة إلى أربعٍ من تقنياتها الأكثر شيوعًا. فلننتقل الآن إلى العملية العامة لطباعة الأغراض ثلاثية الأبعاد، والتي تُطبّق أيّ من التقنيات السابقة.

خطوات الطباعة ثلاثية الأبعاد


أيًّا كانت التقنية التي تعتمدها الطابعة ثلاثية الأبعاد فإن الخطوات العامة لعملية الطباعة تبقى ذاتها. حدد إيان غيبسون Ian Gibson، وديفيد روسن David W. Rosen وبرينت ستاكر Brent Stucker في كتابهم "تكنولوجيا التصنيع التجميعي: من البناء السريع للنماذج الأولية إلى التصنيع الرقمي المباشر – Additive Manufacturing Technologies: Rapid Prototyping to Direct Digital Manufacturing" الخطوات الثمان التي تمر بها عملية التصنيع التجميعي الاعتيادية، وهي كالتالي:

الخطوة الأولى: التصميم بمساعدة الحاسب CAD، إنتاج نموذج ثلاثي الأبعاد باستخدام برمجيات التصميم بمساعدة الحاسب. يمكن أن يوفر البرنامج المستخدَم بعض المعلومات حول التكامل الهيكلي المتوقَّع في المنتج النهائي، وذلك باستخدام بياناتٍ علميةٍ عن مواد محددةٍ لإجراء محاكاةٍ افتراضيةٍ توضّح طريقة عمل الغرض في ظروفٍ معينةٍ.

الخطوة الثانية: التحويل إلى صيغة STL، تحويل التصميم الذي حصلنا عليه من الخطوة الأولى إلى صيغة STL، وهي صيغةٌ طُوِّرت لصالح شركة ثري دي سيستمز عام 1987 (STL هي اختصار لغة الفسيفساء القياسية Standard Tessellation Language) لتُستخدم في أجهزة التجسيم المرئي (SLA) الخاصة بها ]المصدر: RapidToday.com[. بإمكان أغلب الطابعات ثلاثية الأبعاد استخدام الملفات ذات الصيغة STL بالإضافة إلى أنواع أخرى خاصّةٍ من الملفات التي ابتُكِرت لصالح شركاتٍ محددةٍ مثل الصيغة ZPR الخاصة بشركة زي والصيغة ObjDF الخاصة بشركة أوبجيكت جيوميتريكس.

الخطوة الثالثة: النقل إلى آلة التصنيع التجميعي وتعديل ملف STL، يقوم المستخدم بنسخ الملف ذي الصيغة STL إلى الحاسوب الذي يتحكم بالطابعة ثلاثية الأبعاد، ليحدد بعدها الحجم والاتجاه الذي يرغب بهما للطباعة. هذا شبيهٌ بتحديد خصائص الطباعة ثنائية الأبعاد (الطباعة على وجهي الورقة، اتجاه الطباعة على الورقة...).

الخطوة الرابعة: تجهيز الآلة، كلّ آلةٍ لها متطلباتها الخاصة اللازمة لتجهيزها للقيام بعملية طباعةٍ جديدةٍ. هذا يتضمن إعادة تعبئة البوليمر والمواد الرابطة وغيرها من المواد التي تستهلكها الطابعة وستحتاج استخدامها، كما يشمل وضع القاعدة التي ستشكّل منصة الطباعة أو إضافة المادة التي تُستخدم لبناء الداعمات المؤقتة المصنوعة من المحاليل المائية.

الخطوة الخامسة: البناء، في هذه الخطوة نترك الآلة لتعمل، حيث إن عملية البناء أوتوماتيكية بغالبيتها. تكون كلُّ طبقةٍ عادةً بسماكة 0.1 مم، إلا أن هذه القيمة قد تزيد أو تنقص بشكلٍ كبيرٍ ]المصدر: Wohlers[. قد تستغرق هذه العملية ساعاتٍ أو حتى أيامٍ لتكتمل، وذلك اعتمادًا على حجم الغرض والآلة والمواد المستخدمة. من الأفضل تفقّد الآلة دوريًّا أثناء العمل للتأكد من عدم حدوث أيّ أخطاء.

الخطوة السادسة: الإزالة، إزالة الغرض (أو الأغراض) المطبوعة من الآلة. يجب التأكد من اتباع احتياطات السلامة لتجنب الإصابة، كارتداء القفازات للحماية من الأسطح الساخنة أو المواد الكيميائية السامة.

الخطوة السابعة: المعالجة اللاحقة، تتطلب الكثير من الطابعات ثلاثية الأبعاد بعض المعالجة اللاحقة للغرض المطبوع. قد يتضمن ذلك مسح بعض بقايا المسحوق أو غسيل الغرض المطبوع لإزالة الداعمات المصنوعة من المحاليل المائية. قد يكون الغرض المطبوع ضعيفًا في هذه المرحلة لأن بعض المواد تتطلّب وقتًا لتثبت أو تنشف، لذا يجب التعامل مع الغرض بحذرٍ حتى لا ينكسر أو يتفكك.

الخطوة الثامنة: التطبيق، الاستفادة من الغرض (أو الأغراض) المطبوع الجديد.
 

نموذج أولي لقطعةٍ من محركٍ مصنوعٍ لمركز PTCAM بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM
نموذج أولي لقطعةٍ من محركٍ مصنوعٍ لمركز PTCAM بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد – حقوق الصورة: HOWSTUFFWORKS.COM

 

ثورة الطباعة ثلاثية الأبعاد


إذا بحثت في الإنترنت عن الطباعة ثلاثية الأبعاد ستلاحظ أن مجالات استخداماتها تتسع بشكلٍ كبيرٍ. أحد أسباب ذلك هو الاعتماد المتزايد للمصنّعين على الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع نماذج أوليةٍ وقطعٍ خاصّةٍ بصناعاتٍ كبرى. على سبيل المثال، تستخدم صناعة السيارات الطباعة ثلاثية الأبعاد منذ سنواتٍ عديدةٍ للإنتاج السريع للنماذج الأولية لتصاميم قطع سياراتٍ جديدةٍ (كالقطعة الموضحة في الصورة أعلاه).

من الأسباب الأخرى لنمو مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد هو وجود احترافيين مبتكرين خارج الصناعات الكبرى وجدوا طرقًا جديدةً لاستخدامها ضمن مجالاتهم. من الأمثلة عن ذلك، شركة بيسبوك بروستيتيكس Bespoke Prosthetics للأطراف الصناعية في مدينة سان فرانسيسكو San Francisco في ولاية كاليفورنيا California الأمريكية، إذ تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع أغلفةٍ مميزةٍ للأطراف الصناعية (المصدر: Bespoke). كما تجري اختباراتٍ لاستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج أطرافٍ صناعيةٍ كاملةٍ أرخص بكثيرٍ من الأطراف الصناعية التقليدية، كما يمكن غسلها بأمان في غسالة الصحون (المصدر: Vance). بشكلٍ مشابهٍ، استخدم مركز والتر ريد الطبي العسكري Walter Reed Army Medical Center الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة نماذج يمكن للجرّاحين استخدامها كدليلٍ في الجراحة الترميمية (المصدر: King).

يستخدم المهندسون في مجال الطيران وصناعة الطائرات الطباعة ثلاثية الأبعاد لإجراء تحسيناتٍ عالية المستوى على المنتجات. تستخدم هذه الصناعة بالفعل البناء السريع للنماذج الأولية للمساعدة في اختبار وتحسين تصاميمهم بالإضافة إلى إظهار جودة عملها ]المصدر: Gordon[. شركة الدفاع والفضاء الجوية الأوروبية (إيادس (EADS لديها طموحٌ أكبر بالنسبة للطباعة ثلاثية الأبعاد وهو صناعة قطع طائرات بنفسها، بما في ذلك جناحٌ كاملٌ لطائرةٍ كبيرةٍ. يرى باحثو هذه الشركة بأن تلك التكنولوجيا صديقةٌ للبيئة، حيث إن الجناح المطبوع سيُنقِص من وزن الطائرة وبالتالي يقلّل استخدامها للوقود. هذا سيخفّف من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون ويوفّر للشركة 3000 دولارٍ أمريكيٍّ خلال سنةٍ واحدةٍ (المصدر: The Economist).

بالإضافة إلى ذلك، للصناعة ثلاثية الأبعاد تطبيقاتٌ فنية مثيرة للاهتمام، حيث يستخدم المصمّمون والفنانون هذه التكنولوجيا بطرقٍ مبتكرةٍ في مجالات الفن، والموضة، وصناعة الأثاث. حيث صنع فنان الجرافيك تورولف سويرمان Torolf Sauermann منحوتاتٍ هندسيةٍ ملوّنةٍ باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد ]المصدر: Sauermann , Jotero GbR]. تبيع شركة فريدوم أوف كرياشون Freedom of Creation (FOC) الهولندية عدّة منتجاتٍ مصنوعةٍ بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد من مادة البولي أميد المجمعة ليزرياً، بما في ذلك أجهزة إضاءة عليها تصميماتٌ هندسيةٌ مميزةٌ، وتصاميم ملابس تتكون من حلقاتٍ بلاستيكيةٍ متشابكةٍ (تشبه الدروع القديمة المصنوعة من السلاسل). بعض عملاء FOC هم شركاتٌ تستخدم تصاميمها وخدمات الطباعة الخاصة بها، منهم شركة فيليبس Philips، ونوكيا Nokia، ونايكي Nike، وآزيكس Asics، وهيونداي Hyundai (المصدر: FOC).
 

تكاليف الطباعة ثلاثية الأبعاد


قديمًا، اعتُبِرت الطباعة ثلاثية الأبعاد تكنولوجيا مكلفةً جدًّا. وصلت تكلفة جهاز التجسيم المرئي الخاص بمركز PTCAM الذي ذكرناه سابقًا إلى 250 ألف دولارٍ أمريكيٍّ، حيث يكلّف البلاستيك السائل ما يقارب الـ 800 دولارٍ أمريكيٍّ للغالون الواحد. كانت المنظمات التي تمتلك هذا النوع من المعدات تبيع خدمات التجسيم المرئي للآخرين، أو تسمح للشركات باستخدام معداتها مقابل دفع ثمن المدة الزمنية التي تحتاجها.

اليوم، لا تزال الكثير من أجهزة التصنيع التجميعي غالية الثمن، ولكن عددها أقل من ذي قبل. على سبيل المثال، في شهر شباط/فبراير من عام 2011 كان جهاز ProJet CPX 3000 من شركة ثري دي سيستمز يباع بـ79,999 دولارٍ أمريكيٍّ وكان بإمكانه إنتاج مجسماتٍ عالية الدقة يصل حجمها إلى 11.5×7.3×8 بوصة (298×185×203 مم) (المصادر: Rapid Direction, “ProJet” , 3D Systems, “ProJet”). هذا السعر لا يتضمن المادة الشمعية الخاصة بالبناء VisiJet CPX200 Wax Build Material التي تكلّف 975 دولارًا أمريكيًّا للعلبة الواحدة التي تحتوي 4 مخازن (المصدر: Rapid Direction, “VisiJet”).

الطابعات ثلاثية الأبعاد التي تحمل اسم ديمينشن Dimension من شركة ستراتاسيس Stratasy, inc. هي مثالٌ على الطباعة ثلاثية الأبعاد منخفضة التكلفة. طابعة ديمينشن إليت Dimension Elite مثلًا، بإمكانها صنع مجسماتٍ بلاستيكيةٍ بمستوى المجسمات المصنعة تجاريًا يصل حجمها إلى 8×8×12 بوصة (203×203×305 مم) ابتداءً من سعر 29,900 دولارٍ أمريكيٍّ (المصدر: ”Startasys, “Elite). بالإضافة إلى ذلك، مادة الطباعة البلاستيكية ABS Plus المطلوبة لعمل الطابعة ديمنشن إليت لها 9 ألوانٍ مختلفةٍ، ويمكن استخدامها أيضًا في طابعات شركة ستراتاسيس ذات الحجم المكتبي المُسمّاة يوبرينت uPrint حيث تُباع هذه الطابعات ابتداءً من سعر 14,900 دولارٍ أمريكيٍّ (المصدر: ”Stratasys, “uPrint).

بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الطباعة ثلاثية الأبعاد لوحدها، أصبحت أيضًا تُعتبر طريقةً أكثر توفيرًا لصنع المنتجات مقارنةً بتقنيات تصنيعٍ أخرى. مثلًا، شركة سوليد سكايب توجه أنظارها نحو مختبرات التعويضات السنية لبيع الطابعات ثلاثية الأبعاد صغيرة الحجم الخاصة بها (المصدر: Solidscape)، والتي يتراوح سعرها بين 30 ألف و60 ألف دولارٍ أمريكيٍّ، بينما تكلّف مواد البناء والدعم اللازمة لعملها بضع مئات الدولارات الإضافية (المصدر: Esslinger). هذا النوع من الطابعات ثلاثية الأبعاد وغيره من الأنواع بإمكانها صنع نماذج لتيجانٍ وجسورٍ وأسنانٍ اصطناعيةٍ بشكلٍ أسرعٍ وأكثر دقةٍ من الطرق القديمة، مما يزيد من إنتاجية مختبرات التعويضات السنية التي تستخدمها (المصدر: DentalProductsReport.com).
 

الطباعة ثلاثية الأبعاد في المنزل


بعد أن تعرفت على بعض تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد الأكثر شيوعًا وكيفية استخدامها في الصناعات المختلفة، قد تتساءل كم سيمر من الوقت قبل أن تتمكن من طباعة فأرةٍ للحاسب بتصميمك الخاص، شاحنات ألعابٍ لأطفالك، أو صندوق الأدوات المثالي، وغيرها من الأغراض وذلك في مكتبك الخاص الموجود في منزلك. كما رأينا، الطباعة ثلاثية الأبعاد مكلفةٌ من ناحيتي الآلة نفسها والمواد المطلوبة. إلا أن هناك منتجاتٍ مثل V-Flash تمهد الطريق لطباعة ثلاثية الأبعاد بتكاليف معقولةٍ في المنزل. طابعة V-Flash Personal 3-D Printer ثلاثية الأبعاد الشخصية التي تزن أقل من 150 باوند بإمكانها بناء أغراضٍ يصل حجمها إلى 9×6.75×8 بوصة (228×171×203 مم) وهي صغيرةٌ بما يكفي لوضعها على طاولةٍ في مكتبك ]المصدر: 3D Systems, “V-Flash”[. تبيع شركة ثري دي سيستمز هذه الطابعة بسعر 9,900 دولارٍ أمريكيٍّ أي أن سعرها أرخص ومقبولٌ أكثر بالمقارنة مع الطابعات ثلاثية الأبعاد الأخرى الموجودة في السوق حاليًّا. مادة البناء اللازمة لعملها هي بلاستيكٌ متينٌ يُدعى FTI ويمكن شراء مخزن بسعة 1.8 كغ منه بسعر 850 دولارًا أمريكيًّا. بالإضافة إلى مادة البناء، تحتاج الآلة إلى منصات (صفائح) تستخدمها كسطحٍ ابتدائيٍّ لتطبع عليه الطبقة الأولى، سعر هذه الصفائح 95 دولارًا أمريكيًّا لكلّ مجموعةٍ تحوي 20 صفيحةً.

إذا كان سعر طابعة V-Flash باهظًا بالنسبة للاستخدام المنزلي، فتتوافر خيارات أخرى عديدة لك. بعض الصنّاع المتحمسين ومشجعي فكرة "اصنعها بنفسك" توصلوا إلى حلولهم الخاصة. على سبيل المثال، بنى الفيزيائي وصاحب المدونة ويندل أوسكاي Windell Oskay طابعة ثلاثية الأبعاد خاصةً به عام 2007 تصنع الأغراض من السكر بالاعتماد على تقنية تجميع الجزيئات ]المصدر: Oskay[، هذا المشروع اسمه كاندي فاب CandyFab وله موقعٌ خاصٌّ به على الإنترنت CandyFab.org

إذا رغبت باتباع طريقٍ أكثر احترافيةً، بإمكانك شراء خدمات طباعة ثلاثية الأبعاد عوضًا عن ذلك. هذه الخدمات تسمح لك بإرسال ملفات تصاميم الـCAD الخاصّة بك لتحصل على إنتاجٍ عالي الجودة لغرضك (أو أغراضك) صنعتها طابعةٌ ثلاثية الأبعاد صناعيةٌ. من الشركات التي تعرض خدمات طباعةٍ ثلاثية الأبعاد على الإنترنت شركتي شيبوايز Shapeways وبونوكو Ponoko. تقدم لك هذه المواقع أيضًا خيار بناء متجرك الإلكتروني على الإنترنت لكسب الأرباح عندما يشتري الآخرون مجسماتٍ ثلاثية الأبعاد من تصميمك (المصدر: Shapeways , Ponoko).

لا تزال الطباعة ثلاثية الأبعاد تتطور وتنمو، وقد تحوّلت إلى طريقةٍ شائعةٍ بتكاليف مقبولةٍ لإنتاج نماذج أوليةٍ ومنتجاتٍ نهائيةٍ. في المستقبل القريب، من المحتمل أن يستخدم طفلٌ طابعاتٍ ثلاثية الأبعاد في المدرسة لبناء نسخٍ مصغرةٍ عن جبل راشمور Mount Rushmore، وقد تتمكن من طباعة نسخ من مفتاح منزلك بنفسك عوضًا عن الذهاب إلى المتجر.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات