طريقة جديدة تسمح بالطباعة ثلاثية الأبعاد للهياكل المعدنية بأبعاد نانومترية

تظهر النمذجة الحاسوبية كيف أن الشبكة الصغيرة المطبوعة ثلاثية الأبعاد ذات طبقات 150 نانومترًا، وعندما يُسخَّن الهيكل، يمكن أن يتقلص بنسبة 80%. حقوق الصورة: مختبر غرير، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Greer Lab/Caltech

ملخص: عن طريق دمج الأيونات المعدنية والرابطات العضوية، تمكن العلماء من تطوير إجرائية للطباعة ثلاثية الأبعاد للهياكل المعدنية بحيث تكون أصغر من أيّ وقتٍ مضى. التاريخ: 12 شباط/فبراير 2018. المصدر: معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology.

لأول مرة، أصبح من الممكن صناعة الهياكل النانوية المعدنية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D printing، وذلك بفضل تقنيةٍ جديدةٍ طُوِّرَت في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech.

بمجرد دخول هذه الفكرة إلى الحياة العملية، سيصبح من الممكن استخدامها في العديد من التطبيقات المختلفة ابتداءً من المجال الطبي كتصنيع الأعضاء المتناهية في الصغر وزراعتها في الأجسام الحية، حتى المجال الهندسي كتصنيع الدارات المنطقية ثلاثية الأبعاد الخاصة برقاقات الحاسب، أو صناعة مكونات الطائرات خفيفة الوزن جدًا، كما أنها ستفتح بابًا جديدًا أمام إنشاء نوعٍ جديدٍ من مواد ذات خصائص غير اعتيادية تستند إلى التركيب الداخلي لها.

وُصفت هذه التقنية في دراسةٍ نُشرت في مجلة ناتشر كوميونيكاشنز Nature Communications في التاسع من شباط/فبراير من هذا العام.

في الطباعة ثلاثية الأبعاد (والتي تُعرف أيضًا علميًا بالتصنيع التجميعي additive manufacturing) يُبنى الغرض المطلوب طبقةً تلو الأخرى، مما يسمح بإنشاء هياكل لا يمكن الحصول عليها في الطرق التقليدية كالطحن والخرط. وتُعتبر عالمة المواد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا جوليا غرير Julia Greer رائدةً في مجال ابتكار البنى ثلاثية الأبعاد المتناهية في الصغر، حيث قامت مع فريقها ببناء شبكة ثلاثية الأبعاد ذات عوارض بأبعاد نانومترية لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وقد تميزت هذه المادة الجديدة بخصائصَ فريدةٍ مفاجئةٍ، وقد قام فريقها بابتكار سيراميك خفيف الوزن يتميّز بقدرته على الرجوع إلى شكله الأصلي (كالإسفنج) عند تعرضه للضّغط.

يقوم فريق غرير بطباعة الأشكال المختلفة باستخدام العديد من المواد بدءًا من السيراميك وصولًا إلى المركبات العضوية، ولكن لطالما كان تصنيع الهياكل المعدنية صغيرة الحجم يشكل تحديًّا في هذا المجال، ولا سيّما تصنيع الأجسام المعدنية التي يقلُّ حجمها عن 50 ميكرونًا (أقلّ من نصف عرض شعرة الإنسان).

الطريقة التي تعمل بها الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال القياسات النانومترية تعتمد على استخدام ليزر عالي الدقة يُوجَّه على السائل في أماكنَ محددةٍ من المادة التي تُطبَع، وذلك باستخدام فوتونَين (أو جُزيئين ضوئيين) فقط، مما يؤمن الطاقة اللازمة لتصلب البوليمرات (جزيئات المادة) السائلة، ولكنها بالمقابل غير كافيةٍ لصهر المعدن.

تقول جوليا غرير، بروفيسور في علم المواد والميكانيك والهندسة الطبية ضمن قسم الهندسة والعلوم التطبيقية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: "لا تستجيب المعادن للضوء ضمن مجال القياس النانوي بنفس طريقة استجابة البوليمرات ذات القوام الصمغي. هناك تفاعلٌ كيميائيٌّ يُحرضه تلامس الضوء وجزيئات اللبوليمر عندما يجتمع الضوء مع الجزيئات البوليمرية مما يسمح لها بالتصلب، ومن ثم أخذ شكل محدد، وتُعتبر هذه العملية مستحيلةً في حالة المعادن".

قام أندريه فياتسكي Andrey Vyatskikh، وهو طالب دراسات عليا تحت إشراف البروفيسور غرير، قام بتقديم حلًّا لهذه المشكلة، حيث اقترح استخدام رابطاتٍ عضويةٍ Organic Ligands (جزيئات ترتبط بالمعدن) لإنشاء الخليط ذي القوام الصمغي المكون بشكلٍ كاملٍ تقريبًا من البوليمر الذي يحمل معه معدنًا قابلًا للطباعة.

في التجربة التي وُصفت ضمن الورقة البحثية المذكورة سابقًا، قام فياتسكيخ بربط النيكل مع جزيئاتٍ عضويةٍ للحصول على سائلٍ يشبه شراب السعال. قام الفريق بتصميم هيكلٍ باستخدام البرامج الحاسوبية ومن ثم بنائه عن طريق إذابة السائل بجهاز ليزر ذي فوتونين. يخلق الليزر روابط كيميائيةً أقوى بين الجزيئات العضوية، مما أدى إلى تصلبها والحصول على الكتل المستخدمة في بناء التصميم المطلوب، وباعتبار أن هذه الجزيئات العضوية مرتبطةٌ بذرات النيكل أيضًا، بالتالي سيدخل النيكل في تركيب الهيكل، وبهذه الطريقة تمكن الفريق من طباعة هيكل ثلاثي الأبعاد انطلاقًا من مزيج من الأيونات المعدنية والجزيئات العضوية اللامعدنية.

قام فياتسكيخ بعد ذلك بوضع التصميم في فرنٍ ضمن حجرةٍ مفرغةٍ من الهواء، والذي سخنه تدريجيًا حتى وصل إلى 1000 درجة سيليزيوس (تقريبًا 1800 درجة فهرنهايت)، ورغم أن هذه الدرجة أقلّ بكثير من درجة انصهار النيكل (1455 درجة سيليزيوس أو نحو 2650 درجة فهرنهايت)، ولكنّها كافيةٌ لتبخير المواد العضوية في الهيكل، مبقيةً بذلك على المعدن فقط، وتُدعى عملية التسخين هذه بالانحلال الحراري pyrolysis وتُصهر من خلالها أيضًا جزيئات المعادن مع بعضها البعض.

بالإضافة إلى ذلك، وبما أن هذه العملية أدت إلى تبخير كميةٍ كبيرةٍ من المواد المكونة للهيكل، فإن أبعاده تقلصت بمقدار 80%، ولكنه احتفظ في نفس الوقت بشكله ونسبه. ويقول فياتسكيخ: "هذا الانكماش النهائي للتصميم يعطي القدرة على صناعة الأجسام المتناهية في الصغر. في الهيكل الذي بنيناه أثناء إجراء البحث، يبلغ قطر حزم الأعمدة المعدنية المطبوعة تقريبًا 1/1000 من حجم رأس إبرة الخياطة".

لا يزال كلٌّ من البروفيسور غرير وفياتسكيخ يطوران تقنيتهما الجديدة، إذ يحتوي التصميم الذي حُصل عليه من التجربة المشروحة في الدراسة على بعض الفراغات الناتجة عن عملية التبخير بالإضافة إلى القليل من الشوائب الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، حتى تصبح هذه التقنية قابلةً للاستخدام في المجال الصناعي، لا بدّ من ملائمتها لإنتاج كمياتٍ أكبر بكثيرٍ من المواد، كما تقول غرير.

وعلى الرغم من بداية التقنية الموفقة مع النّيكل، إلا إنّهما مهتمّان بتوسيع هذه التقنيّة لتضمّ المعادن المستخدمة بشكلٍ واسعٍ في الصّناعة والتي من الصعب أو المستحيل صقلها بأبعادٍ متناهيةٍ في الصغر بالطرق الكلاسيكية كالتنغستين والتيتانيوم، كما يتطلعان إلى تطوير هذه التقنيّة لتضم المواد المختلفة سواء أكانت غريبةً أم شائعةً كالسيراميك وأنصاف النواقل والمواد الكهرضغطية (مواد لها تأثيراتٌ كهربائيةٌ عند تطبيق ضغط ميكانيكي عليها).

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات