نرى في هذا التصور الفني تحطم أحد الكويكبات عند دورانه حول الشمس.
المصدر: Karen Teramura, UH IfA
كان العلماء يعتقدون في السابق بأن حياة الكويكبات القريبة من الأرض (Near-Earth asteroids) تنتهي عند اندفاعها بسرعةٍ كبيرة جداً نحو الشمس، لكن دراسة علمية جديدة تشير إلى أن حياتها تنتهي بشكلٍ بطيءٍ جداً في أعماق الفضاء السحيق.
درس الباحثون خصائص ما يقارب 9000 من الأجرام القريبة من الأرض (near-Earth objects) أو اختصاراً NEOs، وتشمل هذه القائمة كلاً من الكويكبات وغيرها من الأجرام التي توجد ضمن نطاق 1،3 من المسافة بين الأرض والشمس، هذا وقد استخدم الباحثون هذه البيانات في تصميم نموذجٍ يُظهر التوزع العام للأجرام القريبة من الأرض.
ولكن على ما يبدو توجد مشكلةٌ ما في هذا النموذج. تنبأ النموذج بأن علماء الفلك كان يجب أن يشاهدوا عدداً أكبر بـ 10 مراتٍ من أجرام NEOs التي رصدوها وهي تقترب نحو الشمس، أي ضمن نطاق مسافةٍ تبعد عن الشمس حوالي 9 ملايين ميل (15 مليون كم).
أمضى فريق الباحثين حوالي السنة وهم يعانون من الحيرة الشديدة بسبب نتائج الدراسة، إلى أن توصلوا في نهاية المطاف إلى استنتاجٍ مذهلٍ ألا وهو أن أجرام NEOs قد تحطمت بالفعل عند اقترابها من الشمس، ولكن قبل وقتٍ طويلٍ من اندفاعها وغوصها نحوها.
يقول روبرت جيديك Robert Jedicke، وهو مؤلفٌ مشاركٌ في الدراسة من معهد علوم الفلك التابع لجامعة هاواي: "كان من المفاجئ حقاً اكتشاف أن الكويكبات تتحطم عند اقترابها بشكلٍ كبيرٍ جداً من الشمس، لذا أمضينا مزيداً من الوقت كي نتأكد من صحة الحسابات التي توصلنا إليها".
من المتوقع أن تساعد هذه الدراسة العلماء في الوصول إلى فهمٍ أفضل لتوزع وكثافة أجرام NEOs بطرقٍ عديدة. على سبيل المثال، العديد من الشهب التي تضيء سماء الأرض في الليل هي عبارةٌ عن بقايا حطامٍ خلفته أجرام NEOs عند دورانها حول الشمس. يمكن لهذا الحطام أن ينتقل عبر نفس المدار الذي سلكته الأجرام الأصلية التي تسببت به، ولكن المشكلة تكمن في عدم قدرة علماء الفلك على إيجاد أماكن الأجرام القريبة من الأرض. وفي هذا الصدد، تقدم الدراسة الجديدة تفسيراً لهذا الموضوع، حيث تفترض أن الأجرام الأصلية التي كوّنت هذا الحطام قد تعرضت للتدمير والتحطم.
إضافة إلى ذلك، حدد أعضاء فريق الدراسة أن الأجرام المظلمة القريبة من الأرض تتحطم في مناطق أكثر بعداً عن الشمس من مناطق تحطم الأجرام الساطعة. ومن شأن هذا الأمر أن يساعد في توضيح وتأكيد ما يعرفه العلماء بالفعل وهو أن الكويكبات التي تقترب بشكلٍ كبيرٍ من الشمس تكون ساطعةً للغاية.
هذا ويقول الباحثون إن هذه النتائج تشير إلى وجود اختلافٍ كبير بين الكويكبات المظلمة والكويكبات الساطعة في عدة أمور كالتركيب والبنية.
وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، يقول مايكل جرانفيك Mikael Granvik، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة من جامعة هيلينيسكي في فنلندا: "لعل النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة هي أنه من الممكن الآن اختبار نماذج للبنية الداخلية للكويكبات عبر تتبع مداراتها وأحجامها. وهذا الأمر غاية في الروعة حيث شكل مفاجأة بالنسبة لنا، إذ أننا لم نتوقع حدوثه عندما بدأنا بوضع النموذج الجديد للأجرام القريبة من الأرض".
وضع جرانفيك وزملاؤه الباحثون نموذجهم من خلال دراسة حوالي 100 ألف صورة للأجرام القريبة من الأرض، والتي تم التقاطها على مدار 8 سنوات بواسطة مرصد كاتالينا في أريزونا المخصص لإجراء مسح شامل للسماء.
نجح الباحثون حتى الآن في تمييز حوالي 14 ألف جرمٍ من الأجرام القريبة من الأرض، ولكن هناك اعتقاد بأن العدد الكلي لتلك الأجرام يناهز الملايين. يعتقد علماء الفلك أيضاً، أن غالبية تلك الأجرام تشكلت في حزام الكويكبات الموجود بين كوكبي المريخ والمشتري، ومن ثم انتقلت وغيرت اتجاهها نحو المناطق الداخلية في النظام الشمسي بعد تعرضها لدفعات ثقالية من قبل المشتري و/أو زحل.
ختاماً، يجدر التنويه إلى أن هذه الدراسة نشرت في مجلة نيتشر Nature بتاريخ 17 فبراير/شباط من سنة 2016.