المناطق الصالحة للسكن في الكون بأكمله

ليست النّجوم والمجرّات هي الأماكن الوحيدة القادرة على احتضان الحياة، أماكن أخرى في الكون قد تكون قادرةً على احتواء الحياة أكثر من غيرها.


بتاريخ 27 ديسمبر من عام 2004م، اشتعل النجم النيوترونيّ المدعوّ بـ SGR 1806-20 في مجرّة درب التبّانة ممّا جعل الأرض تغرق في كميّة كبيرة مماثلةٍ من الإشعاعات التي أدّت لاضطرابٍ قصير الأمد بالغلاف المغناطيسيّ لكوكبنا. 

 

هذا الحدث يعتبر جديراً بالاهتمام، ذلك لأنّها المرّة الأولى التي يشهد بها الفلكيّون جسماً خارج النظام الشمسيّ يؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الأرض، انفجارات الأشعّة غامّا تعتبر واحدةً من أكثر الأحداث قوّةً في الكون. وعلى الرغم من أنّ اشتعال النجم SGR 1806-20 يعتبر متوسّطاً، إلّا أنّه كان إشارة تنبيهٍ غير مرغوبٍ بها أنّ الحياة على سطح هذا الكوكب مهدّدةٌ بشكل باستمرار من قبل هذه الأحداث ذات الطاقة العظيمة.

 

لكنّ الأمر يكمن فيما يلي: انفجارات الأشعّة غامّا شائعةٌ بشكل أكبر في بعض الأجزاء الكونيّة أكثر من غيرها. هذا الأمر يطرح بالتّالي احتماليّة وجود مناطق في الكون كثيرة لا تصلح لاستقبال الحياة، وعلى إثره يمكننا طرح السّؤال: أين هي هذه المناطق "المميتة"، وما هي المعوّقات التي تحملها لتمنع الحياة عليها؟

 

في الوقت الحالي، Tsvi Piran من الجامعة العبريّة في القدس، إسرائيل، إضافةً لجامعة هارفرد في كامبريدج، يقولان أنّهما وجدا المناطق التي تشمل انفجارات لأشعّة غامّا تكون مميتةً بشكلٍ أعظميّ، كنتيجةً لذلك، ستكون لهم القدرة للمرّة الأولى على الإطلاق لمعرفة المناطق التي تصلح للسكن في الكون.

 

انفجارات أشعّة غامّا هي لغزٌ غامضٌ جدّاً – لا أحد متأكدٌ بشكلٍ كامل كيف أو أين تحصل هذه الأحداث البالغة القوّة- ولكنّ علماء الفلك على علمٍ بأنّ الانفجار يمكنه أن يسبّب ضرراً بالغاً بالأرض إذا حدث على مقربةٍ منها، حيث أنّ أشعّة غامّا ستكون قادرةً على تجريد الكوكب من طبقة الأوزون المحيطة به، لتترك المخلوقات على سطح الكوكب معرّضين للأشعّة فوق البنفسجيّة وأنواعٍ أخرى من الإشعاعات عالية الطاقة. في الواقع، بضع دراساتٍ قامت باختبار الإمكانيّة الواقعيّة بأنّ انفجارات أشعّة غامّا يمكنها أن تجرّ الحياة على الأرض إلى حافّة الانقراض من خلال أحداثٍ ماضية.

 

احتماليّة تعرّض كوكبٍ ما لانفجارات أشعّة غامّا يعتمد على ما يبدو على طبيعة جوار هذا الكوكب. لذلك فإنّ نقطة البدء لعمل Prian وJimenez تكون بتحديد مدى شيوع هذه الأحداث البالغة القوّة في الكون هذا الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو عليه. وجد الفلكيّون عدّة أنواعٍ مختلفةٍ من انفجارات أشعّة غامّا، معظمها ناتجةٌ عن قبل أحداثٍ قويّةٍ ومتغيّرةِ الطّاقة، وذلك مثل موت النجوم، التّصادمات بين الثقوب السوداء وهكذا. حدث عام 2004 يعتبر نوعاً آخرَ مسبّباً من قبل إعادة تنظيمٍ عنيفةٍ للحقل الكهربائيّ المحيط بالنّجم النيوترونيّ.

 

انفجارات غامّا التي تعتبر الأشدّ والأقوى على الإطلاق والأخطر، تدعى بانفجارات أشعّة غامّا طويلة الأمد، والتي تسبّبها انفجارات سوبرنوفا الضخمة المترافقة بموت نجومٌ ضخمة أيضاً. لذلك فإنّ العامل الرئيسيّ في هذا الحساب هو معدّل هذه الانفجارات عندما تحصل، تعقيد هذا الأمر مرتبطٌ بحقيقة أنّ أنواع المجرّات تحتوي توزّعاتٍ مختلفةً من النّجوم، حتّى المناطق الكبيرة في المجرّأت يمكنها احتواء توزّعاتٍ مختلفةٍ من النّجوم.

 

على هذا، فهناك انفجارات أشعّة غامّا تدعى بانفجارات أشعّة غامّا قصيرة الأمد، والتي يعتقد الفلكيّون بأنها تنتج عندما تجتمع النّجوم في أنظمةٍ ثنائيّة. هذه الانفجارات أقلّ طاقةٍ بكثير ولكنّها تحصل أكثر من الانفجارات طويلة الأمد.

 

أخيراً، هناك انفجارات أشعّة غامّا منخفضة السّطوع والتي تعتبر الأقل طاقة من كلا النوعين السابقين ونادراً ما يتمّ رصدها. على أيّ حال، يعتقد كلٌّ من Prian و Jimenez أنّ هذا النّوع هو الأكثر شيوعاً بين أنواع أشعّة غامّا الأخرى، وهو صعب الرّصد من الارض.

 

العمل الأساسيّ يشمل حساباً للأوقات التي تحصل بها غالباً هذه الانفجارات بأنواعها المختلفة في حجمٍ معيّنٍ من الفضاء خلال وحدةٍ معيّنةٍ من الزمن. 


يشرح الباحثان الأمر: "استخدمنا الحسابات الأكثر تطوّراً لمعدّلات انفجارات أشعّة غامّا وتابع سطوعها من أجل تقدير تدفّق انفجارات أشعّة غامّا المجريّة على الأرض لمقارنتها بعد ذلك بالتدفّق المحتاج لتدمير طبقة الأوزون."

 

نصّهم الاستنتاجيّ الرئيسيّ يتضمّن أنّ انفجارات أشعّة غامّا هي في الحقيقة شائعةٌ أكثر في الأماكن التي تكون فيها كثافة النّجوم أكبر. يضيف الباحثان: "الكثافة النجميّة أكبر بشكلٍ واضحٍ باتجاه مركز المجرّة وعلى إثره يكون التهديد الأكبر للحياة على الكواكب الخارجيّة الموجودةِ في تلك المنطقة."

 

هنا، يمثّل انفجار أشعّة غامّا تهديداً حقيقاً للحياة. قام الباحثان بحساب فرص التصادم مع انفجار أشعّة غامّا كلّ بليون عامٍ أو ما يقاربه، وقالا أنّ هذا يمكن حدوثه بنسبةٍ تصل إلى 95% لأيّ نجمٍ أقرب من مسافة 2 kiloparsecs أي ما يساوي 6500 سنة ضوئيّة من مركز درب التبّانة. "يمكن الحفاظ على الحياة بشكلٍ فقط في محيط مجرّتنا." بحسب ما ذكرا. 

 

تبعد الأرض عن مركز المجرّة بحوالي 8 kilospasecs أي ما يساوي 26.000 سنة ضوئيّة، وبناءً عليه فهي موجودة ضمن نطاق المناطق الصالحة للسكن. وكلّما كان البعد أكبر، كلّما كان الخطر الناتج عن أحداثٍ مماثلةٍ أقلّ. "لن يكون هناك أحداثٌ مدمّرة بعد مسافة أبعد من 30 kpc." وفقاً للباحثَين يُمكن أخذ هذا الجدال لمدىً أبعد، من خلال النظر إلى كثافة المجرات. تُوجد مجرّة درب التبانة ضمن منطقة مبعثرة من الكون إلى جانب جوار قليل الكثافة. مجرّة المرأة المسلسلة Andromeda هي أقرب الجيران إلينا، وهناك العديد من المجرات القزمة الجارة لنا، مثل سحابتيّ ماجلّان. 

 

تبين أن هذه الأجسام تُشكل تهديداً صغيراً. يقول Prian وJimenez أنّ مجرّة أندروميدا بعيدة جداً لتشكّل تهديداً وأنّ السحب الأقرب إلينا لا تمتلك النوع المطلوب من الكثافة النجميّة الّتي تجعل مجرّة درب التبانة تغرق في بحرٍ من أشعّة غامّا الخطيرة. 

 

على أيّ حال، هناك الكثير من المناطق في الكون التي تتوزع فيها المجرات بكثافة أكبر بكثير. وهنا، يُمكن لانفجارات الأشعة إكس القادمة من مجرة واحدة أن تسبّب فناء الحياة الموجودة في جيرانها، يملك الفلكيّون فكرةً تقريبيّةً عن التوزّع الكوني للمجرات، تقول هذه الفكرة بأنّ التوزّع يتّبع بنية مشابهة للإسفنج. يتألّف من نقطٍ كثيفةٍ جداً ومكونة من المجرات التي يصل بينها هياكل شريطيّة ومحاطة بفضاءات يُوجد فيها بضعة مجرّات. 

 

يستنتج الباحثان Prian وJimenez قائلين: "على الأرجح أنّ هذه المجرّات مؤهّلةً لاحتضان الحياة والحفاظ عليها في المناطق منخفضة الكثافة ضمن الفراغات والأشرطة الموجودة في الشبكة الكونية". من المثير للاهتمام أن تحليلهم يُقدّم حدوداً للزمن الذي ربّما تطوّرت عنده الحياة، حيث يُشير الباحثين إلى أنّه في الماضي، كان الكون مكاناً أكثر كثافةً بالمجرّات التي تبدو أصغر بكثير. يؤدي هذا الأمر إلى زيادةٍ معتبرةٍ بأشعّة غامّا المميتة.

 

يقول الباحثون: "نستنتج أنّه من المستحيل احتضان الحياة (قبل أن يصل عمر الكون إلى 1/50 من عمره الحالي) طالما أن انفجارات الأشعة غامّا طويلة الأمد ستوجد بشكلٍ دائم في مكانٍ قريبٍ من الكواكب الحاضنة للحياة، إذ أنّ وجودها هذا سيؤدي إلى انقراض الحياة‘‘.

 

بالطبع، هناك شكٌّ كبيرٌ يتعلّق بهذا النوع من الحسابات. ربّما يكون السؤال الأكثر جوهريةً هو، كم هو مقدار الأشعة غامّا الّتي يجب أن يولّدها انفجارٌ من أجل التسبّب بانقراض الحياة على كوكب ما. استخدم Prian وJimenez الحياة على الأرض كمرشد، لكن ليس من المستغرب أنّ الحياة تطوّرت في عوالمٍ أخرى وفي أجزاء أخرى من الكون قد تمتلك مرونة أكبر من حيث التّعامل مع الإشعاع. 

 

مع ذلك، تُعتبر هذه الدّراسة مذهلة، إذ أنّها توسّع نطاق فكرة المناطق الصالحة للسكن إلى ما خلف النظام الشمسي والمجرّة، لتصل بها إلى الكون بحد ذاته. 

 

لطالما عرف الفلكيّون أنّ الأرض تحتلّ موقعاً فريداً من النّظام الشمسي، حيث يسمح للحياة بالازدهار.


و تمكّن هذه الفكرة المتعلّقة بالمناطق الصالحة للسكن أن يتمّ تركيز البحث عن الكواكب الخارجية التي ربّما تمتلك شروطاً مناسبة لاحتضان الحياة بشكلٍ أكبر.

 

الآن، يُمكنهم أخذ ذلك الأمر إلى مكانٍ أبعد من خلال استثناء المناطق غير الصالحة للحياة في المجرة، والبحث فقط عند النجوم والمجرات التي تُوجد في تلك المناطق من الكون التي يُمكن لها احتضان الحياة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات