الكشف عن بروتين ذي تأثير هائل في حدوث التوحد

كشفت دراسة جديدة أنّ انخفاض بروتين واحد فقط كفيلٌ بأن يسبب مرض التوحّد. فقد تمكّن العلماء من رصد سلوك شبيه بسلوك التوحّد autistic-like behavior عند الفئران التي هندسها العلماء جينيًا لتصير كمية البروتين nSR100 عندها أقل، ومن المعلوم أنّ هذا البروتين يتوافر بكمية قليلة عند مرضى اضطرابات طيف التوحد ASD.

 

كشف علماء من جامعة تورنتو أنّ أكثر من ثلث حالات مرض التوحد يمكن تفسيرها بقلّة توافر بروتين واحد في الدماغ. منحت هذه الاكتشافات فرصة فريدة من نوعها لتطوير علاجٍ لمرض التوحد، الذي تعود أسباب حدوثه لمجوعة متنوّعة من العيوب الوراثية.


قام العلماء بإنقاص مستوى البروتين nSR100 (والمعروف أيضًا بـ SRRM4) عند الفئران، وهذا ما حرّض سلوكًا شبيه بالتوحد لديهم، حيث يلعب هذا البروتين دورًا مهمًّا في التطوّر الطبيعي للدماغ.


نُشرت الدراسة في 15 كانون الثاني/يناير في دورية Molecular Cell، متممةً لعملٍ سابق للفريق نفسه، والذي أظهر فيه أن البروتين nSR100 ينخفض في أدمغة مرضى التوحد.


قاد البحث البروفسور بنجامين بلينكو Benjamin Blencowe من مركز دونيلي Donnelly Centre في جامعة تورنتو، وسابين كوردس Sabine Cordes من قسم العلوم الوراثية الجزيئية ومعهد لونينفيلد تانيبوم للأبحاث Lunenfeld-Tanenbaum Research Institute التابع لنظام سيناي للصحة Sinai Health System.



يقول كوردس:"كنّا قد ذكرنا سابقًا وجود علاقة بين مستويات البروتين nSR100 وحدوث التوحّد، ولكنّا هذه المرة اكتشفنا أنّ السبب هو المستويات المنخفضة من هذا البروتين. وهذه مشكلة خطيرة؛ حيث تحدث العلامات المميزة لسلوك التوحد بمجرد انخفاض مستويات البروتين إلى النصف".



تشير البيانات أيضًا إلى أنّ البروتين nSR100 يساهم في حدوث التوحد بعمله كالمحور الذي يوجّه الأخطاء المتنوعة في الجزيئات.



والمعروف أنّ التوحد هو اضطراب يصيب أكثر من 1% من السكان، وهو معروف بأنه اختلاف في السلوك الاجتماعي، لكن درجة الاضطراب تختلف إلى حدٍ كبير بين شخص وآخر. وصحيح أن أسباب حدوث المرض وراثية، إلّا أن الأسباب المحدّدة بدقة معروفة فقط في حالات قليلة من المصابين باضطرابات التوحد ASD. أما بالنسبة لمعظم الناس المشخّصين باضطرابات طيف التوحد، تبقى الأسباب الحقيقية وراء مرضهم غير معروفة.



تُقدِّم هذه الدراسة دليلًا على التأثير الكبير الذي يُحدِثُه البروتين nSR100، وهذا التأثير هو السلوك الاجتماعي المضطرب وباقي العلامات المميزة لمرض التوحّد. يعمل nSR100 في الدماغ كمنظّم لعملية الربط البديل alternative splicing –وهي عملية تنتج تنوعًا كبيرًا في البروتينات المنشأة.



توجد معلومات شيفرة البروتينات مرمزة في تسلسل الجينات في الـ DNA (الحمض النووي في نوى الخلايا)، لكن الـ DNA غير المُرمِّز (الذي لن يُقرأ خلال عملية صناعة البروتين ولن ينتج عنه بروتينات) سيُقسِّم الأجزاء المفيدة الأخرى من الـ DNA (التي ستترجم إلى بروتينات)، وخلال عملية الربط البديل، تخرج الأجزاء غير المرمزة (التي لن تترجم إلى بروتينات) من الـ DNA، وتُلحَمُ الأجزاء المشفرة للبروتينات مع بعضها لينتج عنها القالب النهائي الذي سيترجم إلى البروتين النهائي.

 

ولكن الترتيب الذي تلتحم فيه إرشادات الترميز هذه معًا قد يتغيّر، ولذلك بإمكان جين واحد إنتاج بروتينات متعددة. بهذه الطريقة، تستطيع الخلايا زيادة مخزونها من البروتينات بحيث تتجاوز عدد الجينات بشكل واسع.



ليس من المفاجئ إذًا أن تَحدث عملية الربط البديل بشكل خاص في الدماغ، حيث يعتقد العلماء أنَّ التنوّع الزائد للبروتين هو القوة الكامنة خلف التعقيد المذهل للدماغ.



اكتشف فريق بلينكو البروتين nSR100 مؤخرًا، وبيّنَ أنه يَقِلّ في الدماغ عند العديد من مرضى التوحد، وهو ما يقودنا إلى أنّ التوحّد قد ينجم، ولو جزئيًا، عن مجموعة من البروتينات التي اتحدت شيفرتها بشكل خاطئ ضمن خلايا الدماغ. وهذا ما يتسبب بحدوث أخطاء في شبكة الاتصالات في الدماغ وظهور السلوكيات المميزة للتوحد لاحقًا.



قرر الفريق اختبار إن كانت حقًا قلّة مستويات البروتين nSR100 هي المسؤولة عن حدوث التوحّد. أنتج الخريج ماثيو كويسنل فاليريس Mathieu Quesnel-Vallieres بإشرافٍ من البروفيسورين بلينكو وكوردس نموذجًا فأريًا تكون مستويات البروتين nSR100 منخفضة لديه، كي يتمكّنوا من دراسة سلوكه.



اكتشف الباحثون أنّ إنقاص مستويات البروتين nSR100 إلى النصف فقط عند هذا الفأر كان كافيًا لتحريض العلامات السلوكية المميِّزة للتوحّد، ومنها تجنب التفاعل الاجتماعي والحساسية المفرطة للضجة. وغيرها من خصائص مرض التوحد المُلاحظة عند الإنسان مثل التغيرات في عملية الربط البديل وشبكة الاتصالات في الدماغ.

 

 

إنقاص مستويات البروتين nSR100 إلى النصف كان كافيًا لإحداث سلوك شبيه بالتوحد عند الفئران. حقوق الصورة: ماثيو كويسنيل فاليريز Mathieu Quesnel Vallieres
إنقاص مستويات البروتين nSR100 إلى النصف كان كافيًا لإحداث سلوك شبيه بالتوحد عند الفئران. حقوق الصورة: ماثيو كويسنيل فاليريز Mathieu Quesnel Vallieres

 


تعاون الباحثون مع الخريجة زهرة دارجاي Zahra Dargaei والبروفسور ميلاني وودين Melanie Woodin من قسم بيولوجيا الخلية والأجهزة Department of Cell and Systems Biology في جامعة تورنتو والدكتور مانويل اريميا من مركز التنظيم الجينومي Centre for Genomic Regulation في برشلونة Barcelona وتمكّنوا معًا من إثبات وجود ارتباط بين مستويات البروتين nSR100 والنشاط العصبي في الدماغ.



يقول كوينسل فاليريس: "عند زيادة النشاط العصبي، كما يحدث في معظم أشكال التوحد، تتعطّل آلية ببرنامج الربط البديل التي يتحكم بها البروتين nSR100، وهذا هو السبب على الأرجح وراء السلوكيات المشاهدة في التوحّد.



يقول بلينكو البروفسور من قسم علم الوراثة الجزيئية في جامعة تورنتو :"الفائدة الكبرى من دراسة سلوك الفأر الذي يعوزه البروتين nSR100 كانت قدرتها على معرفة الأسباب الأخرى خلف التوحّد، وتأثيرها في البيولوجيا العصبية عبر تركيزنا على هذا البروتين. كما سيَخدُم نموذج الفأر بكونه أرضية مفيدة لاختبار الجزيئات الصغيرة التي تمتلك القدرة على عكس النقص الحاصل في مستويات البروتين nSR100 عند مرضى التوحّد".



يقول كوردس :"بدلًا من التركيز على الطفرات الفردية المرتبطة بحدوث التوحّد، من الأفضل تحديد المحاور المسؤولة عن عملية التنظيم مثل البروتين nSR100. ونأمل في المستقبل أن نجد وسيلة تمكّننا من رفع مستويات هذا البروتين عند مرضى التوحّد ولو قليلًا، فبذلك ستتحسّن بعض السلوكيات المضطربة لديهم."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات