اكتشاف جين مختلف قد يقلل من خطورة الملاريا

إنه في انتشار عالٍ في دولة كينيا Kenya. التاريخ: 18 أيار/مايو 2017

قام الباحثون بالكشف عن جين مختلف بسيط مرتبط بخلايا الدم الحمراء البشرية التي تساعد في حماية أشخاص معينين من الملاريا. ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على كيفية تطور أجسامنا للمحاربة ضد مرض مُهلك أصاب البشرية قبل آلاف السنين، وبإمكان هذا الاكتشاف فتح المجال أمام علاجات جديدة.

فقد جمع فريق عالمي من الباحثين بقيادة The Wellcome Trust Centre for Human Genetics في إنكلترا England آلاف التسلسلات الجينية من مجموعة عرقية متأصلة من جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، وذلك للتفتيش عن وجود ارتباطٍ بين واسمات خلايا الدم والمرض.

وكانت العوامل خلف مرض الملاريا خمسة أصناف من كائن وحيد الخلية، مصنفة اعتمادًا على التركيب الجيني للبلازموديوم Plasmodium، وهو كائن ينتقل بواسطة لدغة البعوض، ومن ثم يجتاح خلايا الدم الحمراء للعائل أو كريات الدم الحمراء erythrocytes للتكاثر. ويعدُّ النمو المتسارع والمُقلق للخلايا الحمراء هو السبب وراء أعراض المرض التي تتضمن حمى حادّة، وتعرّق، وقشعريرة، وآلام، والموت أحيانًا.

ويتمكّن هذا المتطفل من الدخول إلى الخلايا عبر تطويره طرقًا للتعرف على مستقبلاتٍ كيميائيةٍ محددةٍ على سطح كريات الدم الحمراء، ويرتبط بها من خلال إنتاج جسور معقدة من البروتينات. وإنّ جسرًا واحدًا من الخمسة جسور هو حاليًا محطّ أنظار مشروع بحث واحد على الأقل عن احتمالية تطوير لقاحاتٍ للملاريا (researching potential malarial vaccines).

ولدينا حرفيًا حزم عديدة من مستقبلات كريات الدم الحمراء هذه، اثنان منها قد سمعت عنهما بلا شك A وB حيث يعطيان لأنماط زمر الدم مثل AB وA، أو O إذا كنت تفتقد كلتا العلامتين الكمياويتين. ويوجد نوعٌ آخر ربما أنت على دراية به، وهو العامل الرايزيسي Rhesus Factor الذي نعرّفه على أنه الشحنة الموجبة أو السالبة التي تعطينا أنواع الدم مثل O+ أو AB-.

ولا تستهدف كل أنواع البلازموديوم Plasmodium نفس المستقبل، فعلى سبيل المثال يبحث نوع Plasmodium vivax عن مستقبلٍ يدعى Duffy، والذي يرتبط به باستخدام بروتين يدعى Duffy-binding protein.

وتعني طفرة بسيطة متوارثة أنّه لا يُعبَّر عن مستقبل Duffy بنسبة 95% عند سكان غرب إفريقيا، وهذا ما ساعد في تفسير السؤال المطروح دومًا: ما سبب عدم شيوع صنف Plasmodium vivax في هذا الجزء من العالم كجنوب أمريكا South America، وآسيا Asia.

إنّها أصناف Plasmodium flaciparum التي نحتاج للانتباه لها، والتي تُعدّ حتى الآن الأكثر نقلًا للعدوى وإحداثًا لأعلى معدل وفيات مقارنةً بالأصناف الأخرى.

وفي عام 2015 كانت الملاريا مسؤولةً عن وفاة نصف مليون بشري تقريبًا على سطح الكرة الأرضية، وكان الصنف P.flaciparum سبب معظم هذه الوفيات. حيث يمتلك هذا الصنف تحديدًا عائلةً كاملة من الجسور التي تنظّم الارتباط مع مجموعة متنوعة من المستقبلات.

والآن، وقد جذب انتباه الباحثين اثنان من مستقبلات خلايا الدم التي يستهدفها هذا الصنف حسب أنواع الجلايكوفورين Glycophorin، والتي أُنتجت بواسطة الجينات GYPA وGYPB.

وبالعودة إلى عام 1977 حين أعلن باحثون أن خلايا الدم الحمراء المأخوذة من أناسٍ تندر عندهم الطفرة GYPA mutation تقاوم غزو P.flaciparum. ومنذ ذلك الحين درس العلماء التنوع في مستقبلات كريات الدم الحمراء وعلاقته بعينات العدوى الملارية على أملِ تطوير أفكارٍ جديدة من الممكن أن تقود إلى علاجات أفضل أو طرق لمنع العدوى.

في هذه الدراسة الأخيرة تم تتبع تسلسل الجينوم لـ 765 فرد من سكان Gambia,Burkino faso,Cameron,Tanzania، و مقارنتها مع بعض الجينوم الأخرى المأخوذة من مشروع 1000Genome project، بالإضافة إلى 4500 جينوم نُشرت سابقًا لأفراد يعانون من ملاريا حادّة، و5300 تعود للمجموعة المُسيطَرة.

وانطلاقًا من هذه العينة الضخمة للمعلومات الجينية، أعرب الباحثون عن مناطق تحيط بجينات الجلايكوفورين glycophorin genes المتكررة، والتي أدلت بـ27 تنوعا في الأجزاء المنسوخة. وعكس انتشار هذه النسخ المتنوعة عبر سكان جنوب الصحراء الكبرى بشكلٍ أكثر أو أقل نتائج دراسات سابقة وجدت اختلافات في الجلايكوفورين الخاص بخلايا دمهم. وارتبطت نسخة واحدة بالتحديد وهي المكررة رقم 4 (أو ببساطة DUP4) بالمقاومة لعدوى الملاريا الحادّة، مقللةً من خطر تطور المرض بنسبة 40%.

يقول الباحثون في تقريرهم: "يقلل هذا الاختلاف من خطر الملاريا الحادة بنسبة 40%، وارتفع هذا التكرار حديثًا في كينيا، في حين بدا لاحقًا و كأنه غائب عن منطقة غرب إفريقيا".

ومن غير الواضح تمامًا كيف يُصعِّب هذا التنوع للمتطفل السيطرة على الوضع، ولكن يعتقد الباحثون أنه ربما للأمر علاقة بكيفية مقايضة GYPB مع مستقبل GYPB-A الهجين، ومن المحتمل أن يغير خصائص غلافه أو التداخل مع جسر P.flaciparum المصنوع مع الخلية. وقد كان DUP4 موجودًا لدى بعض السكان الأفارقة، وهذا ما أثار السؤال التالي: هل كانت الطفرة حديثة ولم تحظَ بالفرصة للانتشار بعد، أم أنها فقط تحمي سلالات محددة من P.flaciparum؟

يجمع البشر والملاريا تاريخٌ طويل مع بعضهما، لذا فإن الأمر لا يدعو للمفاجأة حين نعلم أن خلايانا انخرطت في سباق للتسلح ضد المتطفلين، حيث كل منهما يطوّر باستمرار عمليات اجتياح واختفاء جديدة. وأحيانًا في هذا القتال كما في انتشار فقر الدم المنجلي (sickle-cell anaemia) لم يكن الثمن التطوّري الذي دفعناه للحماية من الأمراض المميتة رخيصًا.

والآن، وبعد ملايين السنين تبيّن أخيرًا أننا فزنا في الحرب ضد الملاريا، والفضل يعود لتوافر واسع النطاق لشباك صيد البعوض، والمبيدات الحشرية، واللقاحات الرخيصة في الأفق. ومن الممكن لمعرفتنا بكيفية مشاركة جيناتنا في هذا القتال أن يمنحنا حسنة واحدة أخرى ثمينة ضد هذا العدو المميت القديم.

نُشِر هذا البحث في المجلة الدورية Science.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات