يعدُّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة إثارةً للجدل في الساحة العلمية.
فيما مضى، تمَّ التأكيد على أن الجينات الوراثية لا تلعبُ أيَّ دورٍ في تشكيل السلوك الإجرامي المُعادِي للمجتمع، إلَّا أنَّ دراساتٍ حديثة مُدعمَة بأدلة أثبتت أن العوامل الوراثية لا تَقِــلُّ أهميةً عن الظروف البيئية في تطوير بعض أنماط السلوك الإجرامي.
ركزت إحدى الدراسات على احتمالية قدرة الجينات في التسبب بجعل الشخص مُجرِماً "عدائياً " مدى الحياة؛ أي يتسم بالعدائية تجاه المجتمع أثناء الطفولة؛ الأمر الذي يمكن أن يتطور لاحقاً لأعمالٍ إجرامية عنيفة أو خطيرة.
تستند هذه الدراسة إلى التصنيف التطوري للسلوك المٌعادِي للمتجمع؛ حيث تمَّ من خلال هذا التصنيف، الذي استخلصته الدكتورة تيري موفيت، تقسيم مجتمع الدراسة لثلاث مجموعات أو مسارات هي:
1- المجرمين الدائمين منذ الطفولة life-course persistent offenders.
2-المجرمين خلال فترة المراهقة adolescent-limited offenders.
3-الممتنعين عن الجريمة abstainers.
أشارت موفيت إلى أن العوامل البيئية والبيولوجية الحيوية وحتى الوراثية يمكن أن في تقود الفرد في إحدى هذه المسارات.
تشير نتائج الدراسة إلى أن العوامل الوراثية تلعبُ دوراً أكبر لدى المجرمين الدائمين مقارنةً بالمجرمين خلال المراهقة، إذ يُظهِر المجرمون المراهقون بعض السلوكيات، مثل:
تعاطي الكحول، والمخدرات، وجرائم ثانوية أثناء المراهقة، في حين نرى الممتنعين عن الجريمة بأعدادٍ قليلة، وهم لا يشاركون في أي سلوك مُنحرِف.
كما توضح النتائج أن تأثير العوامل الوراثية على المجرم الدائم منذ الطفولة أكبر من تأثير العوامل البيئية عليه، في حين كانت النسبة متساوية تقريباً لدى الممتنعين عن الجريمة؛ حيث لعبت كُـلاً من العوامل الوراثية والبيئية دوراً كبيراً، أما بالنسبة للمجرمين خلال فترة المراهقة فقد بدا أنَّ البيئة المحيطة هي الأكثر أهمية.
أظهرت دراسة أخرى أن بعض الأطفال يولدون ولديهم ميول وراثية للإساءة، ومع ذلك فإن هذه النتيجة لا تدعم كون تأثير الجينات الوراثية قدرٌ محتومٌ لإحداث السلوك الإجرامي.
يطور العديدُ من الأطفال الذين يحملون عدداً قليلاً من الأليلات الوراثية alleles المرتبطة بالتعليم تحكماً جيداً في سلوكياتهم، كما أنهم يتابعون دراستهم، ولا يُقحِمُونَ أنفسهم في أي سلوكٍ إجراميٍّ، في حين يُطوِّر آخرون مشاكلَ سلوكيةٍ، ويتسربون من المدرسة، ويشاركون في الجرائم.
يهدف مؤلفو هذه الدراسة إلى جعل كل من يقرأها ويقرأ نتائجها أن يأخذ القضية على محمل الجدِ ويسعى لمناقشتها مع الآخرين ،لأن ذلك يثبت اهتمام الأفراد بهذه القضية المهمة ويؤكد على تفكيرهم الجدي بها.