تدخل علاجي بقيادة أحد الوالدين هو الاول من نوعه ذو فوائد طويلة الامد للأطفال المصابين بمرض التوحد الشديد، تلك هي الرسالة التي استُنتجت من دراسة تبعت اختباراً لمعرفة ما إذا كانت نتائج الخبراء يمكن أن تحسّن التواصل الاجتماعي عند الأطفال الصغار المصابين بالتوحد.
يقول جوناثان غرين Jonathan Green من جامعة مانشستر في المملكة البريطانية أن ذلك هو أول تدخّل علاجي يظهر تحسّنات متوافقة في الأعراض الأساسية على مدى فترة طويلة من الزمن.
ومع أنه تم اختبار العديد من التدخلات العلاجية لعلاج حالات التوحُّد، بما فيها تلك القائمة على العقاقير، فلم يظهر أي منها دليلاً قوياً على فعاليتها.
شملت التجربة الأساسية لنتائج الخبراء أطفالاً مشخصين بمرض التوحد تتراوح أعمارهم بين السنتين وأربع سنوات وأحد عشر شهراً، وتم قياس أعراض كل طفل وإعطاء درجة شاملة لحدّة حالته.
ومن بين 152 عائلة مشاركة في الدراسة، صوّر مختصو مرض التوحد عند الأطفال التفاعلات بين الوالدين والطفل 12 مرة لمدة ستة أشهر عند نصف عدد العائلات المشاركة، وحللوا التفاعل بين الوالدين والطفل قبل تقديم المشورة للوالدين بالطرق المختلفة التي يمكن لها أن تثير مهارات الاتصال للاستجابة لاحتياجات الطفل والتلميحات المخفية بطريقة أفضل. ثم أعقب ذلك ستة جلسات علاجية على مدى ستة أشهر من خلال برنامج أطلقوا عليه تسمية PACT أي الوالدين والأطفال سوية. أما النصف الآخر من العائلات أكمل علاجاته الموجودة.
في بداية التجربة، صُنِّف حوالي 53 بالمائة من مرضى كل مجموعة على أن لديهم أعراض في أعلى درجة من الشدة، وفِي نهاية التجربة، نصّت النتائج التي نشرت في عام 2010، أن 29 بالمائة من الأطفال في برنامج PACT كانوا لا يزالون مصنفين بأعراض حادة من التوحد مقارنة بـ 44 بالمائة من المجموعة الأخرى.
بعد ستة سنوات، قام غرين وزملاؤه بتعقب وإعادة تقييم مجموع 121 عائلة الذين شاركوا في التجربة ووجدوا أن 46 في المائة من الأطفال الذين كانوا في برنامج PACT صُنفوا بمعاناة أعراض مرض التوحد الحادة مقارنة بعدد ٦٣ طفل غير موجودين في هذا البرنامج.
يقول غرين: "لقد أظهرنا أن هذا العلاج له تأثيره في التخفيض المستمر لحدة هذا المرض حتى سنوات المراهقة تقريباً، فهو استثنائي جداً لعلاجات من هذا النوع ولم يتم إظهاره في مرض التوحد من قبل"، وأضاف: "له تأثير فعال وثابت على حدة المرض".
رقصة حساسة (علاج حساس)
تقول لويزا هاريسون Louisa Harrison التي شاركت في برنامج PACT من خارج الاختبار: "يُشبّه الأمر برقصة حساسة بين الوالد وطفله"، فقد كان النشاط المفضّل لطفلها مراقبة أضواء الشوارع وهي تشتعل. كما علمت بأن أفضل رد فعل لابنها وتعلمه لكلمات جديدة كان ناتجاً عن تعليقاتها التي لا تحرضه على التحدي. لذا فبدلاً من طرح السؤال عليه "أي من أعمدة الانارة ستشتعل قبلاً؟" تقول: "لقد اشتعل" فهي طريقة طبيعية ومحايدة وتخلو من السلطوية ولكن توفر في الوقت نفسه التواصل وعبارة من المحتمل ان يستخدمها بنفسه في المرة القادمة.
إن ابنها فرانك الذي يبلغ عشر سنوات الآن في مدرسة معينة له قابلية التوحد، وتقول أيضاً: "إن أشرطة الفيديو مساعدة للفهم بشكل لا يصدق وبطريقة موضحة وبناءة جداً وكان المعالجون جيدين جداً في طرح الاسئلة". مضيفةً: "شعرتُ بأن مهاراتي كانت تنمو في استخدام طرق التواصل متيحةً وقتاً لنكون سوية ولكن بدون أي ضغط على الطفل للتواصل".
تقبّل باحثون آخرون في حالات التوحد تلك النتائج ولكنهم حذّروا من أن التحسُّنات لم تكن مثيرة واختلفت بين الأطفال المتلقين للعلاج، تقول اوتا فريث Uta Frith من جامعة لندن: "إنها قصة إيجابية وملحوظة لأن التدخل العلاجي لم يكن مكثفاً ولا باضعاً أو عدوانياَ، ولكن مازلنا بعيدين عن برامج مخصصة للفرد قد تنتج تحسينات سلوكية دائمة عند جميع الأطفال الذين يعانون من التوحد".
يقول غرين وزملاؤه أن النتائج جيدة بما يكفي لتستحق التطبيق على نطاق أوسع في أنظمة الرعاية الصحية، فيقول: "نعتقد أن هذا قد يكون بل يجب أن يكون جزءاً من الأحكام العامة الأساسية لحالات التوحد". ولكنه يُقِرُّ بأن التدخل العلاجي هذا لم يجر اختباره في الأطفال الذين يعانون من التوحد متوسط الحدة أو الرضع الأصغر سناً.
يعمل الفريق الآن على اسكتشاف ما إذا كان برنامج PACT مكنه أن يكون عوناً لمساعدي التعلم المتخصصين في تعليم الأطفال المصابين بالتوحد، فإذا استخدم الوالدان والمعلمون المتخصصون برنامج PACT فسيقدم هذا "فائدة مزدوجة" للأطفال حسب قول غرين.
يعمل الفريق أيضاً على جمع أدوات التعلّم والتعليم الالكتروني على الانترنت ليكون موظفو الرعاية الصحية والوالدان على مقدرة وإمكانية لتعلم كيفية تطبيق برنامج PACT بأنفسهم.