يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
اليد الآلية المزودة بجهاز عصبي: هل سينعم فاقدو الأطراف بحاسة اللمس؟

كما في أطراف الأصابع البشرية، هذه اليد الآلية مجهّزة بالعديد من مستقبلات الحس التي تستجيب للتغيُّرات في البيئة. حقوق الصورة: جامعة فلوريدا أتلانتيك Florida Atlantic University.

ملخص


يطوّر الباحثون يداً آلية بالاعتماد على الهندسة الحيويّة ستكون الأولى من نوعها، حيث سيمكنها الإحساس والتأقلم مع الوسط المحيط. هذا الروبوت "الحي" يمتلك جهازاً عصبيّاً محيطيّاً خاصّاً به يصل بشكلٍ مباشر بين الحسّاسات والمشغِّلات الآلية.

إنّ حاسّة اللمس هي من الأمور التي لا نقدّرها غالباً، فبالنسبة لشخصٍ فقد أحد أطرافه أو يده فإنّ خسارة حاسّة اللمس هي شيءٌ صعبٌ جداً. وعلى الرغم من توفّر الأطراف الصناعية عالية التقنية ذات الأصابع المتحرّكة والمفاصل المعقدة المصمّمة لتحاكي جميع حركات اليد تقريباً، إلا أنّها تبقى غير سلسة وصعبة الاستخدام بشكلٍ كبير بالنسبة للمستخدم. يعود ذلك إلى عدم امتلاكها للخبرات اللمسية التي تقود كل حركة. انعدام الإحساس هذا يؤدي إلى الاستخدام المحدود أو الترك الكلي لهذه الأجهزة الصناعية باهظة الثمن. إذاً لما لا نصنع طرفاً صناعياً قادراً على "الشعور" ببيئته؟

هذا بالضبط مايهدف إلى تحقيقه فريق العلماء متعدّد الاختصاصات في جامعة فلوريدا أتلانتيك Florida Atlantic University بالتعاون مع كلية الطب في جامعة يوتاه University of Utah School of Medicine، حيث إنهم يطوّرون يداً آلية ستكون الأولى من نوعها بإمكانها أن تتطوّر وتتأقلم مع بيئتها. هذا الروبوت "الحي" يمتلك جهازاً عصبياً محيطياً خاصاً به يصل بشكلٍ مباشر بين الحسّاسات والمشغلات الآلية. تقود كلية الهندسة وعلوم الحاسب College of Engineering and Computer Science الخاصّة بجامعة فلوريدا أتلانتيك ذلك الفريق متعدد الاختصاصات والذي حصل على منحة بقيمة 1.3 مليون دولار مدتها أربع سنوات من المعهد الوطني للتطبيقات الطبية الحيوية والهندسة الحيوية National Institute of Biomedical Imaging and Bioengineering التابع للمعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health، وذلك لمشروع "الأطراف الصناعية العصبية الافتراضية Virtual Neuroprothesis: إعادة استقلالية الحركة للأشخاص الذين يعانون من أذيّة عصبية".

يضم فريق البحث خبراتٍ في مجالات علم الروبوت، والهندسة الحيوية، وعلم السلوك، وتجديد الأعصاب، والفيزيولوجيا الكهربائية، وأجهزة السوائل المكروية، والجراحة العظمية. يقوم الفريق بإنشاء ممرٍّ حيوي ممتد من مستشعرات الحس الخاصة بالروبوت إلى دماغ المُستخدِم لمساعدة الأشخاص مبتوري الأطراف على التحكّم باليد الآلية، حيث ستسمح لهم منصّةٌ عصبية صناعية باستكشاف كيف يمكن للخلايا العصبية أن تعمل مع السلوكيات من أجل إعادة توليد الشعور باللمس في الطرف الصناعي.

في محور هذا المشروع هناك يد وذراع آلية عالية التقنية طُورِت في مختبر الروبوتات الحيوية BioRobotics Laboratory في كلية الهندسة وعلوم الحاسب التابعة لجامعة فلوريدا أتلانتيك. جُهِز هذا الروبوت بالعديد من مستقبلات الحس التي تستجيب للمتغيّرات البيئية كالموجودة في الأصابع البشرية، وعند وضعها تحت تحكّم الإنسان تستطيع الإحساس بتغيرات الضغط وتفسير المعلومات التي تتلقّاها، ثم التفاعل مع الأشياء على اختلاف أنوعها، وذلك عن طريق ضبط القبضة اعتماداً على وزن الجسم وقابليته للكسر. ولكن التحدي الأكبر كان في إيجاد طريقة لإرسال تلك المعلومات إلى الدماغ باستخدام بقايا الممرات العصبية الحية و ذلك لاستبدال ما تضرر أو تدمر منها بسبب الأذية.

يقول الدكتور إيريك إنجبيرغ Erik Engeberg مشرف البحث الأول وأستاذ مساعد في جامعة فلوريدا أتلانتيك قسم الهندسة الميكانيكية والبحرية ومدير مختبر الروبوتات الحيوية في الجامعة: "عند تعرُّض العصب المحيطي للقطع أو الأذى، فإنّه يستخدم النشاط الكهربائي المكثّف الذي تولّده المستقبلات الحسية من أجل ترميم نفسه. نريد استكشاف كيف يمكن للمستشعرات الموجودة في أطراف الأصابع أن تساعد في إعادة تجديد الأعصاب المقطوعة".

"من أجل تحقيق ذلك، سنصل هذه الأعصاب الحية مباشرة في المخبر (بمعزل عن الجسم الحي) ومن ثم تحفيزها كهربائياً بشكلٍ يومي بوساطة حسّاسات من اليد الآلية لنرى كيف تنمو الأعصاب وتجدّد نفسها عندما يستخدم هذه اليد الأشخاصُ فاقدو الأطراف".

في هذه الدراسة، لن تُحفَظ الخلايا العصبية في أطباق بيتري التقليدية، بل ستوضع بدلاً من ذلك في حجراتٍ حيوية خاصة تحتوي سوائل مكرويّة ستؤمن بيئةً داعمة تحاكي الوظائف الأساسيّة للخلايا الحية.

الدكتورة سارة إي ديو Sarah E. Du هي أحد الباحثين الرئيسيين وهي أستاذة مساعدة في قسم الهندسة الميكانيكية والبحرية في جامعة فلوريدا أتلانتيك وخبيرة في مجال السوائل الميكروية، وقد طوّرت تلك الحجرات الاصطناعية الصغيرة ذات المواصفات الخاصّة والمتضمنة أقطاب كهربائية ميكروية. وبهذا سيكون فريق البحث قادراً على تحفيز الخلايا العصبيّة باستخدام نبضاتٍ كهربائية من اليد الآلية للمساعدة في إعادة توليد الأعصاب بعد الإصابة، حيث سيتمكنون من قياس مدى نمو النسيج العصبي من الناحيتين الكهربائية (الوظيفية) والبنيوية وذلك في الزمن الحقيقي.

يشمل ذلك تحضير الخلايا العصبية في المخبر (بمعزل عن الجسم الحي) ومراقبة نموها وكيفيّة تطورها وإعادة توليدها عقب الإصابة، حيث ستجري هذه العملية الدكتورة جيانينغ وي Jianning Wei، من الباحثين الرئيسيين وأستاذة مساعدة في علم الطب الحيوي في كلية تشارلز إي شميت للطب Charles E. Schmidt College of Medicine التابعة لجامعة فلوريدا أتلانتيك وخبيرة في مجال تلف الأعصاب وإعادة تجديدها. ستقدّم هذه الطريقة "الافتراضية" لفريق الباحثين فرصاً مضاعفة لاختبار الأعصاب مراراً وتكراراً من دون التسبُّب بأيّ أضرارٍ للأجسام التي ستخضع للعلاج.

يلي ذلك استخدام تخطيط الدماغ الكهربائي Electroencephalogram (EEG) لمراقبة النشاط الكهربائي في الدماغ، حيث ستقوم بذلك الدكتورة إيمانويل توغنولي Emmanuelle Tognoli، من الباحثين الرئيسيين وباحثة وأستاذة مساعدة في مركز الأنظمة المعقّدة وعلوم الدماغ Center for Complex Systems and Brain Sciences في كلية تشارلز إي شميت للعلوم Charles E. Schmidt College of Science التابعة لجامعة فلوريدا أتلانتيك وخبيرة في الفيزيولوجيا الكهربائية والعلوم العصبيّة والسلوكية والإدراكية، حيث تشمل هذه العملية مراقبة كيفية تمرير المعلومات الحسيّة القادمة من الحسّاسات الآلية إلى الدماغ للتمييز بين المواقف المختلفة وتحديد نجاح أو فشل التعويض الوظيفي لحاسّة اللمس، حيث إنّ هدفها فهم كيف يمكن للسلوك أن يؤثّر على تجديد الأعصاب، وبالمقابل كيف يؤثّر تجديد الأعصاب على السلوك.

بمجرّد أن تمر الدوافع العصبية القادمة من الحسّاسات اللمسية للروبوت من خلال حجرة السوائل الميكروية، ستُرسل إلى المستخدم البشري المتحكّم باليد الآلية. وتتحقق هذه العملية بواسطة جهاز خاص يحول الإشارات القادمة من حجرات السوائل الميكروية إلى ضغط يمكن التحكم به، يطبّق على قطعةٍ خاصة توضع على الجزء المتبقي من ذراع الشخص المبتورة، وبهذا سوف يعلم المُستخدِم هل يضغط على الجسم بقوّة أو أنه يفلته من قبضته.

يعمل إنجيبيرغ أيضاً مع الطبيب دوغلاس تي هوتشينسون Douglas T. Hutchinson، من الباحثين الرئيسيين وأستاذ في قسم العظام Department of Orthopedics في كلية الطب التابعة لجامعة يوتاه University of Utah School of Medicine، متخصّص في جراحة اليد والجراحة العظمية. سوياً، يطوّر الباحثان مجموعةً من المهام والمؤشرات العصبية السلوكية للأداء التي ستوضِّح في النهاية كيفيّة تحفيز إحساسٍ صحيّ باللمس لدى الأشخاص المبتورين وفاقدي الأطراف الذين يستخدمون أطرافاً صناعية. بالإضافة إلى ذلك، يبحث الفريق عن باحث يمتلك شهادة الدكتوراه ذي خبراتٍ بحثيّة متعددة للعمل في هذا المشروع المتقدِّم.

صرّحت الدكتورة ستيلا باتالاما Stella Batalama عميدة كلية الهندسة وعلوم الحاسب في جامعة فلوريدا أتلانتيك: "منحة المعاهد الوطنية للصحة هذه ستساعد فريق علمائنا متعدّد الخبرات على مواجهة تحدٍّ مهم يؤثّر في ملايين الناس حول العالم".

"من خلال تقديم فهمٍ أفضل لكيفية معالجة إصابات وأذيات الأعصاب سنتمكّن من مساعدة المرضى على استعادة التحكُّم الوظيفي بعد البتر. يمتلك هذا البحث أيضاً مجالاً واسعاً من التطبيقات بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أنواعٍ أخرى من الأذيات العصبية كالإصابات الناتجة عن التجلط أو إصابات النخاع الشوكي".

دعمت هذا المشروع في مراحله الأولى مؤسسةُ الاستشعار والنظم الشبكية المضمّنة (Institute for Sensing and Embedded Network Systems (I-SENSE التابعة لجامعة فلوريدا أتلانتيك، ويعمل الباحثون بالتعاون مع I-SENSE ومعهد الدماغ Brain Institute التابعان للجامعة نفسها، حيث يُعدان من روّاد الأبحاث في الجامعة، والتي تركّز على مبدأ القوة المؤسساتية (القوة المؤسساتية: إجراء عمليات الدراسة والبحث كافةً ضمن فروع العمل التابعة للمؤسسة ذاتها).

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات