ظاهرة شديدة الإضاءة قد تكون نتيجة ابتلاع ثقب أسود دوار لأحد النجوم

رسم تعبيري يمثل نجما شبيها بالشمس قريبا من ثقب أسود فائق الكتلة يتحرك مغزليا وبسرعة، تقدر كتلته ب 100 مليون ضعف كتلة الشمس، ويقع في مركز مجرة بعيدة، تسبب كتلته الكبيرة انحناء الضوء القادم من النجوم والغازات خلفه. وبصرف النظر عن كونه أكبر كتلة من النجم، لهذا الثقب الأسود فائق الكتلة أفق حدث (وهو المكان الذي تؤثر فيه الثقوب السوداء في كل جسم ضمن هذه الحدود عبر جذبها الثقالي) أكبر بـ 200 مرة من حجم النجم، وقد غير الدوران السريع شكله إلى كرة مفلطحة. يمزق الجذب الثقالي للثقب الأسود الفائق الكتلة النجم بشدة في حدث التشتت الموجي. وفي هذه العملية، يأخذ النجم شكل المعكرونة (يتطاول)، وتؤدي الصدمات في الحطام المتلاطم بالإضافة إلى الحرارة المتولدة عن الالتحام إلى انفجار ضوئي. 


حقوق الصورة: ESO, ESA/Hubble, M. Kornmesser.


رصدت عمليات المسح الآلي للسوبرنوفا (ASAS-SN) في عام 2015 حدثا سُمي ASASSN-15lh، سُجل على أنه  ألمع مستعر أعظم (سوبرنوفا) إشعاعا حتى الآن، وصُنف بأنه سوبرنوفا فائق التألق، وهو عبارة عن انفجار نجم فائق الكتلة في نهاية حياته. بلغ إشعاعه ضعفي الرقم الذي سُجل سابقا، وكان عند ذروته أكثر إضاءة بعشرين مرة من إجمالي الضوء الصادر عن درب التبانة بأكملها!

أجرى فريق دولي بقيادة جيورجوس ليلوداس Giorgos Leloudas من معهد وايزمان للعلوم Weizmann Institute of Science في اسرائيل، ومركز علم الكونيات المظلم Dark Cosmology Centre في الدنمارك، عمليات رصد إضافية لمجرة بعيدة حدث فيها الانفجار، تبعد حوالي 4 مليار سنة ضوئية عن الأرض، وطرحوا تفسيرا جديدا لهذا الحدث غير الاعتيادي.

يوضح ليلوداس:"رصدنا المصدر لمدة 10 أشهر تلت الحدث واستنتجنا بأنه من غير المرجح أن يكون تفسير ذلك مستعر أعظم يتألق بشكل غير اعتيادي، تشير نتائجنا إلى احتمال أن يكون سبب الحدث ثقب أسود فائق الكتلة (supermassive black hole) يتحرك حركة مغزلية سريعة أثناء تدميره لنجم منخفض الكتلة".


تقوم في هذا السيناريو قوى الجذب الشديدة للثقب الأسود فائق الكتلة، والواقع في مركز المجرة المضيفة، بتمزيق شديد للنجم المشابه للشمس والذي يطوف على مقربة شديدة منه، يدعى هذا الحدث التشتت الموجي (tidal disruption)، وهو الأمر الذي رُصد حتى الآن عشر مرات فقط.

في هذه العملية، يتطاول النجم ليشبه المعكرونة، وتؤدي الصدمات الحاصلة في الحطام المتلاطم بالإضافة إلى الحرارة المتولدة عن التلاحم إلى ومضة ضوئية، مشابهة لانفجار شديد التألق للسوبرنوفا، مع أنّ النجم لم يصبح سوبرنوفا إذ أنه لا يملك الكتلة الكافية لذلك.

بنى الفريق استنتاجاته الجديدة على عمليات رصد بوساطة مجموعة من التلسكوبات، في الفضاء وعلى الأرض، ومن بينها كان التلسكوب الفائق الحجم الموجود في مرصد بارانال التابع للمرصد الأوربي الجنوبي ESO، وتلكسوب التكنولوجيا الجديدة في مرصد لاسيلا التابع للمرصد الأوربي الجنوبي ESO أيضا، وتلسكوب هابل الفضائي المشترك بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، وأجريت عمليات الرصد مع مجموعة NTT كجزء من المسح الطيفي العام الذي يجريه المرصد الأوربي الجنوبي للأجسام العابرة PESSTO .


يوضح المؤلف المشارك مورغان فريزر Morgan Fraser من جامعة كامبردج في المملكة المتحدة والآن جامعة دبلن في ايرلندا: "هناك العديد من الجوانب المستقلة عن المشاهدات تشير إلى أنّ هذا الحدث كان عبارة عن تشتت موجي وليس سوبرنوفا شديد السطوع".


وقد كشفت البيانات بشكل خاص أنّ الحدث مر بثلاثة أطوار متمايزة على مدار 10 أشهر من الأرصاد المتتابعة، ويشير إجمالي البيانات أنّ الأمر يشبه ما يتوقع أنه تشتت موجي أكثر من كونه سوبرنوفا شديد الإضاءة، إذ قلل الرصد لأشعة فوق بنفسجية متكررة و زيادة درجة الحرارة بشكل كبير من احتمالية كونها سوبرنوفا متألقة بشدة. وعلاوة على ذلك، فإنّ موقع هذا الحدث هو مجرة حمراء فائقة الكتلة و خاملة (لا تولد نجوما)، وهو ليس المكان الاعتيادي لانفجار السوبرنوفا فائقة التألق، التي تحدث عادة في المجرات القزمة الزرقاء المشكلة للنجوم.


رسم تخليلي لثقب أسود يتحرك حركة مغزليه سريعة ويحيط ببقايا نجم تمزق بشدة بواسطة القوى الموجية للثقب الأسود.
رسم تخليلي لثقب أسود يتحرك حركة مغزليه سريعة ويحيط ببقايا نجم تمزق بشدة بواسطة القوى الموجية للثقب الأسود.


وعلى الرغم من استبعاد الفريق للسوبرنوفا لهذه الأسباب كمصدر للحدث، إلا أنهم يعتقدون أيضا بأنّ تشتتاً موجيا تقليديا لن يكون تفسيرا مقبولا للحدث أيضا. ويوضح ذلك عضو الفريق نيكولاس ستون Nicholas Stone من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية: "لا يمكن لثقب أسود غير دوار تفسير هذا التشتت الموجي الذي نفترضه، ونعتقد بأنّ ASASSN-15lh كان تشتتاً موجيا نشأ من نوع خاص جدا من الثقوب السوداء".

وتدل كتلة المجرة المضيفة على أنّ الثقب الأسود فائق الكتلة في مركزها ذي كتلة تقدر بـ 100 مليون ضعف كتلة الشمس على الأقل، والثقوب السوداء ذات تلك الكتلة عادة لا تكون قادرة على تمزيق نجوم خارج أفق الحدث الخاصة بها، وهي الحدود التي لن يكون بإمكان أي شيء ضمنها أن ينجو من جذبها الثقالي. ومع ذلك، إذا كان هذا الثقب الاسود من نوع خاص يدور مغزليا وبسرعة، وهو ما يسمى بثقب كير الاسود (Kerr black hole) حينها يتغير الوضع ولا تطبق هذه الحدود أبدا.


يلخص ليلوداس: "وبالرغم من جميع البيانات التي تم جمعها إلا أنه لا يمكننا التأكد 100% بأن حدث ASASSN-15lh كان تشتتاً موجيا، إلا أنه الاحتمال الأكثر ترجيحا".

ملاحظات


[1] Event horizon: هي الحدود التي تجذب بها المجرات ثقاليا أي جسم ضمنها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات