هل المادة المظلمة مصنوعة من جسيمات الإكسيونز الأولية؟ الثقوب السوداء قد تكشف الجواب

تخيّل العلماء للمادة المظلمة التي تحيط بمجرة درب التبانه. حقوق الصورة: ESO/L. Calçada


ممّا مصنوعة المادة المظلمة؟ إنه واحد من أكثر الأسئلة المربكة في علم الفلك الحديث. نعلم بأن المادة المظلمة موجودة هناك حيث يمكننا أن نلاحظ تأثيرها الجذبوي الظاهر على كل شي من المجرات إلى تطوّر الكون بأسره. لكننا لا نعلم ما هي. وأفضل تخمين لدينا هو أنها نوع من الجسيمات الغريبة الجديدة التي لا ترغب في التعريف عن نفسها كما تفعل المادة العادية (وإلا كنا قد كشفناها بحلول الآن). أحدى الاحتمالات هي أنها نوع افتراضي غريب من الجسيمات يعرف باسم الإكسيون. يستخدم فريقٌ من علماء الفلك الثقوب السوداء لمحاولة الحصول على لمحة داخل هذا المخلوق الكوني الغريب.


الإكسيون


سأكون صادقاً معك بأنّنا لانعرف إذا كان الإكسيون موجوداً أم لا، فقد تم افتراضه لتفسير لغز في فيزياء الطاقة العالية. وهناك نوع معين من التماثل في الطبيعة حيث يؤدي تبديل الشحنات الكهربائية لجميع الجسيمات إلى تفاعل عشوائي وتشغيل العملية في "المرآة" – أي بشكلٍ معكوس - يُنتج نفس النتيجة بالضبط، وهذا معروف باسم تماثل الشحنات charge والتكافؤ parity أو تناظر CP اختصاراً.


هذا التماثل موجود في كل مكان في الطبيعة، إلا عندما لا يكون هذا هو الحال، كما في حالة القوة النووية الضعيفة القادرة على انتهاك هذا التماثل في حالات معينة.


والمفارقة بكل حق هي أنّ القوة النووية القوية يجب أن تنتهك هذا التماثل أيضاً، هناك مصطلحات في الرياضيات تفسّر بوضوح كسر تناظر CP، وحتى الآن لا نرى أية علامات تدلّ على كسر التماثل بالقوة النووية القوية في أي من تجاربنا، لذلك يجب حدوث شيء ما لاستعادة هذا التماثل عندما يتم كسره.


الإجابة -أو إجابة واحدة ممكنة على الأقل- هي نوع جديد من الجسيمات يُدعى الإكسيون axion، يستعيد الإكسيون نوعاً معيناً من التوازن في القوة لذلك يتم الحفاظ على تناظر CP. طبعاً لم تكشف التجارب حتى الآن عن وجود الإكسيون بشكل مباشر، وهناك مجموعة من الكتل والخصائص المحتملة التي يمكن أن يتميز بها الإكسيون.


داخل هذه المجموعة من الكُتل والخصائص للإكسيون يظهر شيء رائع، إذا أردنا أن نملأ الكون بالمادة المظلمة، فعلى المادة المظلمة أن يكون لها خصائص معينة، لا يمكنها أن تتفاعل مع المادة الطبيعية في أغلب الأحيان وحتى أنها لا تستطيع التفاعل مع نفسها، وأيضاً يجب أن يكون هناك الكثير منها كما يجب أن تكون مستقرة ولها عمر طويل، وقد اتضح أنه بعض خصائص الإكسيون المحتملة تجعل هذا الجسيم الافتراضي مرشحاً للمادة المظلمة.


الإكسيون المُظلم



إذا اعتبرنا أنّ الإكسيون هو المادة مظلمة، يمكنه عموماً تفسير جميع ملاحظات المادة المظلمة المعتادة. يمكنه تفسير الانحناءات المدارية داخل المجرات، وتفسير حركة المجرات ضمن عناقيد المجرات، ويمكن تصنيع هذا النوع من الجسيمات بوفرة في الكون المبكر لتلائم ما نرصده من إشعاع الخلفية الميكروي الكوني وما إلى ذلك.


إضافة لذلك، يمكن للإكسيونات الموجودة في قلب المجرات أن تُجمّع مع بعضها البعض بإحكام كافي لتشكيل كرة ضخمة تبدو في المقام الأول أكثر احمراراً وتشبه كثيراً الثقب الأسود الهائل، كما أنها ستكون صغيرة ولن تتفاعل مع الضوء وكبيرة الكتلة بشكل لا يصدّق. بالرغم من عمليات الرصد الأخيرة لتلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope الذي أعطانا صورة واقعية لثقب أسود عملاق في مجرة أخرى، إلا أنّه لا يُستبعد بالضرورة أن تظل نوى الإكسيون هذه مختفية في أعماق المجرات عبر الكون، ومن خلال نوى الإكسيون المحتملة ربما نتمكن من كشف خصائصها.

 

صورة فنية تُظهر أبعد ثقب أسود هائل تم اكتشافه حتى الآن، وهو جزء من كوازار يعود تكونه إلى 690 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. حقوق الصورة: axionRobin Dienel/Carnegie Institution for Science
صورة فنية تُظهر أبعد ثقب أسود هائل تم اكتشافه حتى الآن، وهو جزء من كوازار يعود تكونه إلى 690 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. حقوق الصورة: axionRobin Dienel/Carnegie Institution for Science

 

الثقوب السوداء هي المفتاح



بغضّ النظر عن تلسكوب أفق الحدث، فنحن ليس لدينا أي مشاهدات مباشرة للثقوب السوداء الهائلة، يمكننا أن نرى فقط المواد التي تحوم وتدور حولها، ومن خصائص هذه المادة يمكننا تقدير حجم وكتلة الثقوب السوداء. وباستخدام هذه التقنية اكتشفنا علاقة غريبة جداً على مرّ العقود، تستضيف المجرات الهائلة ثقوباً سوداء أكبر في مراكزها، هذه العلاقة في الواقع محكمة نسبياً وتُخبرنا بأن الثقوب السوداء تتطوّر بطريقةٍ ما مع المجرات المُضيفة لها.


ولكن كما أسلفت سابقاً، لا يمكننا مشاهدة الثقوب السوداء مباشرةً، لذلك قد لا تكون ثقوب سوداء إطلاقاً، وقد تكون نوى إيكسيون مختفية في مراكز هذه المجرات، في هذه الحالة فلم تتطوّر الثقوب السوداء مع مجراتها المضيفة، وإنّما نوى الإكسيون قد تطوّرت مع مجراتها المُضيفة، وكلما كانت المجرة اكبر كلما كانت نوى الإكسيون أكبر في مركزها.


وهذا يعني انه يمكننا استخدام العلاقة بين المادة المظلمة المركزية (سواء كانت ثقب أسود أو نواة الإكسيون) وبين المجرة نفسها لتوثيق خصائص الإكسيون، وهذا مفيد لأنك إذا بدأت بالعبث بكتلة جسيم الإكسيون، فإنه يؤثر على مدى سهولة تجمُّع الإكسيون لتشكيل نواة، ممّا يغير العلاقة بالنسبة للمجرة المضيفة.


وقد قام فريق من العلماء مؤخراً باستخدام العلاقة بين الثقوب السوداء والمجرات، وتمكنوا من وضع بعض الحدود العليا لكتلة جسيمات الإكسيون، مما يُساعد في توجيه التجارب المستقبلية والأبحاث المباشرة. هل الإكسيون هو المسؤول عن المادة المظلمة في الكون؟ نأمل بأن نلقي الضوء على هذه الحالة في يوم من الأيام.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا
  • التعادلية (parity): مُصطلح يُستخدم في فيزياء الجسيمات ويشير إلى خاصية تناظر لكميات فيزيائية، أو العمليات العكوسة مكانياً. وهناك التعادلية الزوجية (even parity)، والتعادلية الفردية (odd parity).

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات