هل بإمكان مصادم الهادرونات الكبير إثبات نظريّة الأوتار؟

عامل صيانة يفحَص نفق مُصادم الهادرونات الكبير في مركز أبحاث سيرن (المنظّمة الأوربيّة للأبحاث النوويّة) في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 في جنيف، سويسرا.


حقوق الصورة: VLADIMIR SIMICEK/ISIFA/GETTY IMAGES


عندما تمّ تشغيل مُصادم الهادرونات الكبير للمرَّة الأولى عام 2008، راجت العديد من الإمكانيّات -والأفكار- حول ما يمكن أن يُقدمه للعلماء. ربما سيكشف وجود بوزون هيغز صعب المنال، الذي سيساعد العلماء على إثبات كيفيّة اكتساب الجُسيمات الأخرى للكتلة. أو ربما سيكشف عن العديد من الجسيمات الجديدة التي ستمنح العلماءَ ليس إثباتًا على التناظر الفائق فحسب، بل أيضاً منجماً كاملاً من العلوم الجديدة للدراسة.

 

حيث من الممكن خلق كون جديد يكون فيه أكل التشيتوس على العشاء أمراً مقبولاً، وتبدو البروتونات كحلقات فروت (حلقات حبوب ملونة). بعض هذه الإمكانيّات بدت محتملة أكثر من الأخرى. بينما بدا البعض الآخر في الحقيقة خارج مجال إمكانيات مُصادم الهادرونات الكبير.

 

في حين تنبأ المعارضون بأن الانفجارات العظيمة Big Bangs المصغّرة الخاصّة بمُصادم الهادرونات الكبير ستخلق ثقوبًا سوداء تدمّر العالم وتلتهم الكون كالكثير من التشيتوس على العشاء، الحقيقة هي أنّه لم يكن هناك العديد من النظريات التي يمكن لمصادم الهادرونات الكبير إثباتها أو دحضها.


وبالحديث عن هذا: لا، لن يثبت مُصادم الهادرونات الكبير نظريّة الأوتار، ولكنه يستطيع منح أدلة يدعم بها الأفكار الجوهريّة لهذه النظريَّة.
 

فكّر في الأمر على هذا النَّحو: أنا أمشي على طول الطريق ثم أرى نفقًا. أعتقد أنّ هذا النفق يحتوي على جدول يجري بداخله، فأرمي كرةً وأرى ما يحدث عند خروجها من الجهة الأخرى. إذا خرجت مبتلة، أستطيع القول أنّها تدعم نظريتي -بالكامل- بأنّ النفق يحوي بداخله جدولًا. ولكن يمكن لشخص آخر أن يقول إنّها بذلك تدعم النظريّة القائلة بأنّ هنالك مِرشّة بداخله. ويمكن لآخر القول بأنها تمطر داخل النفق، وما الكرة المبتلة إلا دليل على ذلك.


الأمر الوحيد الذي يمكن قوله هو إنّ الكرة المبتلة تدعم كل تلك النظريّات، وتلغي نظريّة أن النفق جاف تمامًا. في مُصادم الهادرونات الكبير، يبحث الفيزيائيون، وبأفكار متفاوتة تماماً، عمّا تشير إليه "الكرة المبتلة" لدعم أو دحض النظريات حول كيفيّة عمل الجُسيمات والكون. إحدى تلك النظريّات هي نظريّة الأوتار.


تنص نظريّة الأوتار بشكل أساسي على أنّ الجُسيمات مُركّبة من طاقات تشبه الأوتار المهتزة. الاهتزازات المميزة لتلك الأوتار تشكّل كل الجسيمات والقوى المختلفة. لذلك، وبشكل أساسي، تتكوّن كل المادة والقوى في الكون من تلك الأوتار المهتزّة. ولكن هناك حقيقة مضحكة: نظريّة الأوتار لن تكون نظريّة موحّدة – أي نظريّة يمكن لها أن تفسر تكوين كل القوى والجسيمات في الكون – إلا في حالِ تبيّن أنّ الكون أيضاً يملك أكثر من ثلاثة أبعاد. وهو كما تعلم أمر يختلف معه الكثير من الفيزيائيين.


ولسبب وجيه، نحن لا نعيش في هوغوورتس، وبالتالي فلا يمكننا الانتقال إلى بعد آخر عبر تعويذة هاري بوتر (apparition) لتفحّص فيما إذا كان هذا البُعد فعلاً موجودًا، كل ما نستطيع القيام به هو النظر حولنا ورؤية ثلاثة أبعاد قابلة للرصد أمامنا، ولكن قد يمكنك إقناع نفسك فيما لو فكرت بالأبعاد أنّها صغيرة حقاً وربما هي فقط أصغر من أن نراها.


وهذا بدوره يخلق مشكلة: إذا كانت الأبعاد الضرورية صغيرة جدًا لرؤيتها، فكيف يمكننا توقع رصد أو حتى اختبار فرضيّة ما حول نظرية الأوتار؟

 

هنا يتجلى دور مصادم الهادرونات الكبير. تم اقتراح بعض الأفكار لاختبار ثلة من خصائص نظريّة الأوتار. وهنا إحداها: يتنبأ أبسط نماذج نظريّة الأوتار بوجود جُسيمات ذات اقتران فائق. في الأساس، هذه الجُسيمات هي قرائن أثقل بكثير من الكواركات والليبتونات في النموذج القياسي التي تمكّن الفيزيائيون من رصدها بالفعل، والتي يمكنها توحيد القوة والمادة. توقّع الفيزيائيون إيجاد نظير فائق له نفس كتلة هيغز، ولكنهم لم ينجحوا بعد.

 

لذا، يقوم مصادم الهادرونات الكبير بالعمل الأكثر تعقيداً في محاولة لإيجاد هؤلاء النُّظراء الفائقين، في كلّ من الاصطدامات البروتونية الأخيرة، وفي التجارب المستقبليّة عند مستويات طاقة أعلى. إن "الكرة المبتلة" في هذه الحالة – الجُسيمات القرينة الفائقة – قد تدعم أيضاً نظريّة التناظر الفائق، والتي هي مرتبطة، ولكن منفصلة عن نظريّة الأوتار.


يمكن أيضاً لمصادم الهادرونات الكبير أن يقتحم مجال البحث عن الأبعاد الصغيرة جدّاً والتي يتوجّب وجودها لتجعل نظريّة الأوتار تعمل كنظريّة موحّدة. إذا كانت تلك الأبعاد موجودة، فعلى الأرجح أننا نسبح فيها. يمكن لمصادم الهادرونات الكبير أن يصادم البروتونات ببعضها لإنتاج جُسيمات جديدة.

 

تماماً كما يفعل دوماً، وبجمع طاقة الجسيمات المتشكّلة عن الاصطدامات وطرحها من طاقة الجُسيمات قبل الاصطدام، يمكننا أن نعلم فيما إذا كان جزء من الطاقة مفقودًا. وإذا كان كذلك، يمكننا القول حينها: "نحن لا نعلم أين ذهبت تلك الطاقة – ولكن ربما هي في بُعدٍ ما آخر."


هذه المرّة الكرة المبتلة هي وجه الاختلاف بين الطاقة قبل وبعد الاصطدام. ومرّة أخرى، لن يكون هذا "إثباتًا" لنظريّة الأوتار أو حتى لأي بُعد إضافي. ولكن يمكن لها أن تكون اكتشافًا علميّاً يدعم بعض الأشياء المهمّة لعمل نظريّة الأوتار.


ما لا يمكننا التنبؤ به هو ما إذا كانت نظريّة الأوتار ستنمو لتصبح فرضيّة علميّة قابلة للاختبار أو الملاحظة. أما الآن، فهي تظل محط جدل بسببب اعتقاد العديد من الفيزيائيين عدم إمكانية اختبارها، والأهم من ذلك أنّهم يعتقدون أنّه من غير الممكن إثبات عدم صحتها.

 

البعض في المجتمع الفيزيائي مرتاحون لقول أنّ نظريّة الأوتار لا يمكن اختبارها أو رصدها تجريبيّاً. (وهذا يعني أنّه عليك أن تكون قادراً على نقض الفرضيّة، وليس إثباتها فقط).


لذلك، وبينما نحن واثقون بعقلانيّة أنّ مصادم الهادرونات الكبير لن يثبت صحة نظريّة الأوتار باستخدام الاصطدامات البروتونيّة، يمكن للفيزيائيين إيجاد بعض الأدلة التي لا تثبت خطأها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات