الهندسة ولغز النجوم النابضة

التقط مرصد تشاندرا للأشعة السينية Chandra X-ray Observatory التابع لناسا لقطات عميقة لنجمين نابضين مجاورين ومفعمين بالطاقة يحلقان عبر مجرة درب التبانة، ويشير شكل إصدارات الأشعة السينية الخاص بهما إلى وجود تفسير هندسي للاختلافات المحيرة في السلوكيات التي تبديها بعض النجوم النابضة.

وقد اكتُشفت النجوم النابضة (pulsar) -وهي نجوم نيوترونية عالية المغناطيسية سريعة الدوران ولدت في انفجارات المستعرات الفائقة الناتجة عن انهيار نجوم فائقة الكتلة- منذ خمسين عاماً مضى من خلال إصداراتها الإشعاعية (الراديوية) النابضة ذات الدرجة العالية من الانتظام. إذ ينتج النجم النابض حزمةً كضوء المنارة يرصدها علماء الفلك كنبضات حين يدفع النجم النابض هذه الحزمة إلى السماء أثناء دورانه. 

ومنذ ذلك الحين اكتُشفت آلافٌ أخرى من النجوم النابضة، والعديد منها ينتج حزماً من الأمواج الإشعاعية (الراديوية) وأشعة غاما، وتظهر لبعض النجوم النابضة نبضات إشعاعية فقط، وبعضها الآخر نبضات أشعة غاما فقط.


وقد كشفت عمليات رصد مرصد تشاندرا عن إصدارات مستقرة من أشعة إكس صادرة عن سحب ممتدة من جسيمات عالية الطاقة، تدعى سدم رياح النجم النابض، مصحوبة بكلا نمطي النجوم النابضة. ومن الممكن أن تفسر بيانات جديدة من المرصد سبب وجود النبضات الإشعاعية ونبضات أشعة غاما أو غيابها.

تظهر الصورة التوضيحية ذات الأقسام الأربعة النجمين النابضين الذين رصدهما تشاندرا؛ يظهر جيمنغا Geminga في أعلى اليسار، وB0355+54 أعلى اليمين. وتجتمع في كلتا الصورتين أشعة إكس التي رصدها تشاندرا والملونة بالأزرق والبنفسجي مع بيانات الأشعة تحت الحمراء لتلسكوب الفضاء سبيتزر Spitzer التابع لناسا، والذي يظهر النجوم في مجال الرؤية. وأسفل كل صورة بيانات، يصور رسم توضيحي فني المزيد من تفاصيل لما يعتقده علماء الفلك عن البنية التي يمكن أن يبدو بها كل سديم من سدم رياح النجوم النابضة.


بالنسبة لجيمينغا Geminga، فقد جرى تحليل نتائج عمليات رصد عميقة على مدار عدة سنوات وتبلغ مجتمعة ثمانية أيام تقريباً، لتُظهر أثاراً (ذيولاً) منحنية ومقوسة تمتد لمسافة نصف سنة ضوئية، إضافة إلى بنية ضيقة تقع خلف النجم النابض مباشرة. كما أظهرت عمليات رصد تشاندرا للنجم النابض الثاني B0355+54، التي تقارب مجتمعة الخمسة أيام، وجود مجال محيط (قلنسوة أو غطاء) من الإصدار الإشعاعي يتبعها أثر ضيق مضاعف (ذيل مضاعف) يمتد تقريباً نحو خمس سنوات ضوئيّة.


إنّ هذين النجمين النابضين الأساسيين متشابهان جداً، فكلاهما يدور نحو خمس مرات في الثانية وكلاهما يبلغ عمره نصف مليون عام. وفي حين يظهر جيمنغا نبضات أشعة غاما دون إصدارات إشعاعية متألقة، فإن B0355+54 من بين أكثر النجوم النابضة المشعة تألقاً ولم يُشاهد بأشعة غاما حتى الآن.

والتفسير المحتمل لصور تشاندرا هذه هو أن الذيل الضيق إلى جانب جيمنغا والذيل المضاعف لـ B0355+54 يمثلان انبعاثات صدرت عن الأقطاب الدورانية للنجم النابض. كما أنه لكلا النجمين النابضين نتوءاً مستديراً من الإصدار ينتشر من خط الاستواء الدوراني للنجم النابض. تتراجع هذه البنى قرصية الشكل وهذه الانبعاثات وتتقهقر إلى الخلف أثناء مسير النجوم النابضة عبر المجرة بسرعات تفوق سرعة الصوت.

بالنسبة لجيمنغا، يشاهد نتوءه المستدير على مقربة من حافته المرئية (من مسقطه الجانبي)، أما انبعاثاته فتتجه إلى الجانبين. ولـ B0355+54 بنية مشابهة، إلا أن نتوءه المستدير يشاهد من الوجه المقابل (مسقط جبهي) وتتجه انبعاثاته بشكل مباشر تقريباً إلى الأرض وبعيداً عنها. وتبدو انبعاثاته المرتدة كما لو أنها تتوضع تقريباً فوق بعضها، لتعطي ذيلاً مضاعفاً.


لكلا النجمين النابضين قطبان مغناطيسيان قريبان جداً من قطبي دورانهما، كما هو الحال بالنسبة لحقل الأرض المغناطيسي. والأقطاب المغناطيسية للنجوم النابضة هذه هي موقع الإصدارات الراديوية فيها، ولذا يتوقع علماء الفلك أن تتوجه الحزم الراديوية اتجاه الانبعاثات ذاتها. وخلافاً لذلك، فإن إصدارات أشعة غاما تنتج بشكل رئيس بمحاذاة خط استواء الدوران، وبالتالي تحاذي النتوء المستدير.

في حالة جيمنغا، يشاهد علماء الفلك نبضات أشعة غاما المتألقة بمحاذاة حواف النتوء المستدير، لكن الحزم الراديوية بالقرب من الانبعاثات تتجه خارجة إلى الجوانب لتبقى غير مرئية. أما بالنسبة لـ B0355+54، تتجه الانبعاثات تقريباً بمحاذاة خط بصرنا نحو النجم النابض.

 

وهذا يعني أن يرى علماء الفلك نبضات الأشعة الراديوية المتألقة، في حين يكون اتجاه النتوء المستدير وإصدارات أشعة غاما المرافقة له عمودياً على خط رؤيتنا، لذا تفوتنا مشاهدتها على الأرض. ولهذا فهذه الصور العميقة لتشاندرا تكشف اتجاه دوران هذه النجوم النابضة، لتساعد على تفسير وجود أو غياب النبضات الراديوية ونبضات أشعة غاما.

وبقي أن نقول إن عمليات رصد جيمنغا و B0355+54 هي جزء من حملة أكبر يقودها روجر روماني Roger Romani من جامعة ستانفورد، غايتها دراسة ستة نجوم نابضة شوهد إصدارها أشعة غاما. وتغطي عينة المسح مجالاً من عصور مختلفة، وخصائص تباطؤ الدوران، والانحرافات المتوقعة، مما يجعلها اختباراً قوياً لنماذج إصدارات النجوم النابضة.

وأخيراً، قُبلت ورقة بحثية عن جيمنغا بقيادة بيتينا بوسيلت Bettina Posselt من جامعة بنسلفانيا للنشر في مجلة The Astrophysical Journal ومتوفرة على الشبكة هنا.


كما نشرت ورقة بحثية عن B0355+54 بقيادة نويل كلينغلر Noel Klingler من جامعة جورج واشنطن في مجلة The Astrophysical Journal بتاريخ العشرين من كانون الأول/ديسمبر 2016، ومتوفرة على الشبكة هنا.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات