يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
علماء الفلك يرصدون تفاصيل غير مسبوقة لنجم نابض يقع على بعد 6500 سنة ضوئية عن الأرض

يظهر النجم النابض PSR B1957+20 في خلفية الصورة خلال سُحب الغاز وهو يطوّق مرافقه النجم القزم البني. حقوق الصورة: Dr. Mark A. Garlick; Dunlap Institute for Astronomy & Astrophysics, University of Toronto

تمكّن فريق من الفلكيين من إجراء إحدى أكثر المراقبات دقةً في تاريخ علم الفلك، وذلك بعد رصد منطقتين في الفضاء تعجّان بالأشعة، تبعُد كل واحدة عن الأخرى مسافة 20 كيلومترًا، حول نجم يبعد عن الأرض مسافة 6500 سنة ضوئية. هذا الرصد هو من الدقة التي تعادل استخدام تلسكوب من الأرض لمراقبة برغوث يقع على سطح الكوكب بلوتو.

وقد أصبح هذا الرصد المذهل ممكنًا بفضل الهندسة النادرة وصفات زوج من النجوم يدوران حول بعضهما البعض. أحدهما هو قزم بني بارد خفيف الوزن نسبيًا، ويتميز بوجود ذيل من الغاز يشبه المذنب، والآخر هو نجم نابض غريب يدور بسرعات عالية جدًا.

ويقول روبرت ماين Robert Main، وهو الكاتب الرئيس لورقة بحثية تصف الرصد نشرت في 24 أيار/مايو في صحيفة نيتشر: "يتصرف الغاز المنبعث من القزم البني في هذه الحالة كزجاج مكبر أمام النجم النابض. نحن ننظر في الأساس إلى النجم النابض عبر مكبر طبيعي والذي يسمح لنا بصورة منتظمة من رؤية المنطقتين بشكل منفصل".

والجدير بالذكر أنّ ماين طالب دكتوراه في قسم الفلك والفيزياء الفلكية في جامعة تورنتو. يعمل ماين مع عدة باحثين لتحقيق هذا الرصد في معهد الفلك والفيزياء الفلكية التابع للجامعة، وفي المعهد الكندي للفيزياء الفلكية النظرية، بالإضافة إلى معهد بريمتر للفيزياء النظرية.

والنجم النابض في هذا الرصد هو نجم نيوتروني يدور بسرعات عالية جدًا، تصل إلى أكثر من 600 مرة في الثانية، ويُطلق أثناء دورانه أشعة منبعثة من النقطتين الساخنتين الموجودتين على سطحه. وبالتالي فإن المنطقتين المليئتين بالأشعة التي رُصدت مرتبطتان بالأشعة الصادرة من النجم.

ويصل طول قطر القزم البني نحو ثلثي قطر الشمس، ويبعد نحو 2 مليون كيلومتر عن النجم النابض (ما يعادل المسافة بين الأرض والقمر بخمس مرات). ويُكمل القزم البني دورة كاملة حول النجم النابض في غضون ما يقارب 9 ساعات فقط. إذ يرتبط القزم البني بمرافقه النجم النابض بشكل وثيق بحيث يكون أحد جانبيه مواجهًا بشكل دائم للنجم النابض، بنفس الطريقة التي تجعلنا نرى فيها دائمًا وجهًا واحدًا فقط للقمر من الأرض.

ويتعرّض القزم البني لإشعاعات قوية قادمة من النجم النابض بسبب قربه الشديد منه. ويسّخن الإشعاع القوي المنبعث من النجم النابض جهة واحدة من القزم البني (البارد نسبيًا) إلى درجة حرارة تقارب درجة حرارة شمسنا (نحو 6000 درجة سيليزيوس).

وقد تؤدي الضربات المتتالية للأشعة القادمة من النجم النابض إلى زوال نجمه المرافق في نهاية المطاف. ويُطلق على النجوم النابضة في هذا النوع من الأنظمة الثنائية بـ "الأرملة السوداء"، ويعود السبب إلى أنه عند توافر الظروف المناسبة للنجوم النابضة، فإنها قد تقوّض على الغاز من القزم البني بشكل تدريجي حتى ينفذ وقود النجم. تمامًا كما تأكل أنثى عنكبوت الأرملة السوداء شريكها بعد التزاوج.

وقد تقدم نتائج هذا الرصد، بالإضافة إلى تقديمها مراقبات عالية الدقة لهذا النظام النجمي، أدلةً لتفسير الظاهرة الغامضة المعروفة بالتدفق الراديوي السريع (اختصارًا FRBs).

ويوضّح ماين: "يمكن تفسير العديد من خصائص التدفقات الراديوية التي رُصدت حتى الآن بشكل أفضل إذا ضُخّمت عن طريق عدسات البلازما. إذ تُظهر خصائص النبضات المُعظّمة التي رصدناها تشابهات واضحة للتدفقات الراديوية السريعة المستمرة FRBs، مما يُشير إلى أنّ هذه التدفقات قد تكون محاطة بالبلازما في مجرتها المضّيفة".

وقد أطلق العلماء اسم PSR B1957+20 على النجم النابض. وتقترح الأبحاث السابقة، التي كان مؤلفها الرئيس البروفيسور مارتن فان كيركويك Marten van Kerkwijk من جامعة تورنتو، أن هذا النجم النابض هو على الأرجح واحد من أضخم النجوم النابضة المعروفة حتى الآن. وستساعد الأبحاث المستمرة التي تهدُف لقياس كتلة النجم بشكل أدّق من زيادة فهمنا للطريقة التي تتصرف بها المادة في أشد حالات الكثافة. وعلى نحو مكافئ، ستمكننا من فهم كيف تكون حالة النجم النيوتروني بالغ الضخامة قبل تحوله إلى ثقب أسود.

وقد استخدم ماين وزملاؤه المشاركون في الدراسة بيانات من مرصد أرسيبو Arecibo Observatory في بورتوريكو، وذلك قبل أن يُدمر إعصار ماريا التلسكوب في شهر أيلول/سبتمبر الماضي عام 2017. وسيستخدم المتعاونون التلسكوب في هذه الأثناء للقيام بمراقبات إضافية على النجم PSR B1957+20.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات