التغيّرات في عالم البطاريات

توسعت أسواق الأجهزة الكهربائية في العقود الأخيرة بشكل كبير، مما أحدث ثورةً في مجال التكنولوجيا التي تزودها بالطاقة.

 

"التغيير هو الشيء الوحيد الثابت في الحياة"، اتضح أن هذا القول صحيح تماماً، لذلك لا زلنا نسمعه مراراً وتكراراً، ويبدو أن عالم البطاريات يخضع لهذه المقولة أيضاً، فالتقنية التي تزود الأجهزة الإلكترونية بالطاقة ما زالت تتطور باستمرار بفضل توسع أسواق تلك الأجهزة.

 

يمكننا تلخيص التغيرات التي تطرأ على عالم البطاريات في نوعيين أساسيين


  1. النوع الأول: التغيّرات التطورية، وهي التحسينات المستمرة للتقنيات الحالية. وهي التغييرات التي من المرجح حدوثها في غضون السنوات الخمس المقبلة.
     
  2. النوع الثاني: التغيرات الثورية، وهي التحسينات الكبيرة التي غالباً ما تختلف بشكل كبير عن التقنيات الحالية. وهي التغييرات التي ستستغرق وقتا أطول لتتطور وتصبح ذات جدوى تجاري، فمن غير المرجح أن يتم تسويقها في 10 سنوات القادمة على الأقل.
     

التغيرات التطورية


أدى الطلب المتزايد على الطاقة إلى زيادة الطلب على البطاريات وهذا ما جعل الشركات المصنعة لهذه التقنية تدفع بها إلى حدودها القصوى، فقد نمت الحاجة لاستخدام البطاريات بسبب اعتماد الآليات المتزايد على الكهرباء كمصدر لتشغيل نظامها، وازدياد أنواع وسائط النقل العاملة بالكهرباء. فزيادة التسارع تتطلب كمية أكبر من الطاقة، وبزيادة كثافة الطاقة يزداد عمر البطارية.

 

كما أن الزيادة الكبيرة في التعداد السكاني العالمي سيؤدي إلى زيادة الطلب على وسائل النقل الكهربائية وسيارات النقل الكهربائية الشخصية، مما يفرض حاجة دائمة إلى تطوير بطاريات ليثيوم-أيون لتلبية الاحتياجات المعيشية.

 

تتوجه الأنظار في يومنا هذا إلى المواد الكيميائية ذات كثافة طاقة أعلى. فقد بدأت بعض الشركات التي كانت تستخدم مركبات كيميائية منخفضة كثافة الطاقة مثل مركبات ليثيوم-حديد فوسفات (LFP) باستخدام مركبات كيميائية عالية كثافة الطاقة مثل مركبات ليثيوم نيكل-منغنيز-كوبالت (NMC)، كما بدأت الشركات المصنعة لهذه المواد بتحسين كثافة الطاقة وذلك بإنتاج صيغ تحوي المزيد من النيكل.

 

يعمل العديد من مصنعي الخلايا على حل المشاكل التي تواجههم والتي تتعلق بدرجة الحرارة وبصيغ المحاليل الكهربائية (الالكتروليتية). هذه هي التغيرات التي سوف نلحظها في السنوات القليلة القادمة.

 

وبالإضافة إلى التطورات التي طرأت على المهبط cathode، ما زال العمل قائماً لتطوير المواد التي يصنع منها المصعد anode، كما تتوجه الأنظار اليوم إلى تطوير المصعد العامل بالسيليكون المخلوط، وقد أظهرت السنوات السابقة تطوراً مفاجئاً في دورة حياة البطارية، حيث ارتفعت إلى 1000 دورة بعدما كانت لا تتجاوز الـ 100.

 

على الرغم مما سبق، مازال عامل الأمان هو الهاجس الأكبر، فقد استحضر الفشل الذريع لبطارية ليثيوم-أيون في جهاز Samsung Galaxy note7 عامل الأمان إلى أذهان المستخدمين، لذلك يعمل مصنعوا البطاريات جاهدين على تطوير تقنيات الحماية للتقليل من المخاطر الناجمة عن تعطل البطارية، حيث يعمل البعض على الانتقال لاستخدام المحاليل الكهربائية غير القابلة للاشتعال، بينما يعمل الآخرون على استخدام السيراميك وبعض المواد العازلة الأخرى لزيادة الحماية.

 

التغير التطوري النهائي الذي سنناقشه هو التكلفة. قد شهدت هذه الصناعة انخفاضاً في التكاليف بوتيرة سريعة جداً خلال السنوات العشر الماضية، حيث بدأ دمج خلايا الليثيوم-أيون في مزيد من التطبيقات. وبازدياد كثافة الطاقة، تقل التكلفة لكل واط-ساعة. في الواقع، هذا العامل الأخير هو أحد أكبر العوامل التي تؤثر على التكلفة لكل واط-ساعة ويتم تحقيقه أساساً من خلال الانتقال إلى المهابط ذات محتوى النيكل العالي، الذي يزيد من مستوى الطاقة.

 

التغيرات الثورية


كانت أولى التقنيات الثورية في عالم البطاريات هي دمج بطاريات الحالة الصلبة. وتتمثل فوائد هذا النوع في كثافة الطاقة والسلامة. فلدى بطارية الحالة الصلبة كثافة طاقة عالية جداً في مساحة صغيرة جداً. ولا يوجد مواد قابلة للاشتعال في هذه البطارية.

 

يستخدم هذا النوع من البطاريات في الوقت الراهن في تطبيقات صغيرة، إلا أننا سوف نرى هذه البطاريات في الأجهزة الطبية والالكترونيات الاستهلاكية على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومع نضوج هذه التقنية وإمكانية تصنيع خلايا كبيرة، يمكننا توقعها في السيارات والتطبيقات الكبيرة، ولكن هذا لا يزال بعيداً.

 

وثمة توجه آخر في تطور البطاريات يتمثل في بطاريات الليثيوم-الكبريت. ومن مميزات بطاريات الليثيوم-الكبريت أنها ذات تكلفة منخفضة جداً بسبب استخدام الكبريت بدلاً من العناصر الأخرى عالية التكلفة مثل النيكل، والكوبالت، والألومنيوم، والمعادن الأرضية النادرة الأخرى المستخدمة في خلايا الليثيوم-أيون الحالية.

 

بالإضافة إلى انخفاض التكلفة، فإنها قد توفر كثافة طاقة في حدود 500 واط-ساعة/كجم. لذلك قد تكون خلايا الليثيوم-الكبريت بدائل لبطاريات ليثيوم-أيون الحالية. ومع ذلك، وحتى اليوم، لا يوجد سوى عدد قليل من الشركات التي تعمل بنشاط على تطوير خلايا الليثيوم-الكبريت.

 

إلى أي مدى يمكن لهذه التقنية الوصول ؟ ربما سنعرف الجواب في السنوات القادمة. قام بعض العلماء بوضع حد أقصى لبطاريات الليثيوم-أيوم، حيث حددوا القيمة العظمى لكثافة الطاقة للبطارية بحوالي 300 واط-ساعة/كغم، لعلّ هذا الرقم ليس بعيد المنال، فحالياً تتراوح كثافة بعض الخلايا منخفضة إلى متوسطة الكثافة إلى 200 واط-ساعة/كغم.

 

وما زال هناك العديد من التقنيات الجديدة قيد التطوير في العديد من الجامعات والمخابر الوطنية في جميع أنحاء العالم لم يتم الحديث عنها بعد، لعل واحدة أو أكثر ستتكلل بالنجاح لتشكل ثورةً تقنية جديدة تفتح لنا آفاق المجهول.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات