الباحثون يتعرفون على مدارات دائرية لأربعة وسبعين كوكباً خارجياً

تبدو مدارات كواكب نظامنا الشمسي عند النظر إليها من الأعلى أثناء دورانها حول الشمس كحلقات تحيط بنقطة الهدف في لعبة رمي السهام، حيث أن جميع الكواكب، بما فيها الأرض، تحافظ على مدار دائري تقريباً، مبقيةً على مسافة دائمة ثابتة بينها وبين الشمس.

تكون النظام Kepler-444 عندما كانت مجرة درب التبانة يافعة حيث كان عمرها ملياري سنة. اكتُشِفت الكواكب بسبب الخفوت الذي يحدث عندما تعبر قرصَ نجمها الأصلي، كما يظهر هنا في هذا الرسم التخيلي. المصدر: ناسا
تكون النظام Kepler-444 عندما كانت مجرة درب التبانة يافعة حيث كان عمرها ملياري سنة. اكتُشِفت الكواكب بسبب الخفوت الذي يحدث عندما تعبر قرصَ نجمها الأصلي، كما يظهر هنا في هذا الرسم التخيلي. المصدر: ناسا


تساءل علماء الفلك لعقود عن إمكانية كون المدارات الدائرية لنظامنا الشمسي من المدارات النادرة في كوننا هذا، وبهذا الصدد أشارت دراسة جديدة إلى أن هذا النسق من المدارات هو الوضع الطبيعي، على الأقل بالنسبة للأنظمة ذات الكواكب الصغيرة بحجم الأرض.

يشير باحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT وجامعة آرهوس Aarhus University في الدنمارك في تقرير نُشر في مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal إلى أن 74 كوكباً خارجياً (exoplanet)، موجودةً على بعد مئات السنوات الضوئية، تدور حول نجومها الخاصة بنمط دائري، وذلك بشكل قريب جداً من كواكب نظامنا الشمسي.

وهذه الكواكب الأربعة والسبعون، والتي تدور حول ثمانية وعشرين نجماً، يقارب حجمها حجم الأرض، وبذلك فإن مساراتها الدائرية تختلف بشكل صارخ عن مدارات الكواكب الخارجية الأكبر كتلة منها، والتي يقترب بعضها بشكل كبير جداً من نجومها قبل أن تندفع بعيداً في مدارات ممتدة منحرفةٍ مدارياً [1] (eccentric).

يقول ڤنسنت ڤان إيلين Vincent Van Eylen، وهو طالب دراسات عليا زائر في قسم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT: ”لم نكن نعرف قبل عشرين سنة من الآن عن أي نظام غير نظامنا الشمسي، وكان كل شيء بالنسبة لنا دائرياً، وعليه فقد توقعنا وجود مدارات دائرية في كل مكان، ثم بدأنا بالعثور على كواكب خارجية عملاقة، وفجأة وجدنا مجالاً كاملاً من الانحرافات المدارية (eccentricities)، ثم تساءلنا فيما إذا كان هذا ينطبق أيضاً على الكواكب الأصغر، وما وجدناه كان أن المدارات الدائرية تُعتبر الحالةَ الطبيعيةَ للكواكب الصغيرة“.

ويقول ڤان إيلين في النهاية إن هذه المعطيات تعتبر أخباراً جيدة بالنسبة للبحث عن الحياة في مكان آخر، ذلك أنه حتى يكون الكوكب قابلاً للسكن فيتوجب أن يكون بحجم الأرض، صغيراً، ومضغوطاً بما يكفي ليكون مكوناً من الصخور وليس من الغاز. وإذا حافظ كوكب صغيرٌ ما على مدار دائري، فإنه سيكون أكثر تقبلاً للحياة، كما أنه سيدعم مناخاً ثابتاً على مدار السنة "على النقيض من ذلك، فإن الكواكب التي تبدي انحرافاً مدارياً أكبر قد تواجه تقلبات دراماتيكية في المناخ، حيث تقترب تارة من نجومها وتبتعد عنها تارة أخرى".

يقول ڤان إيلين: ”إذا كانت المدارات المنحرفة للكواكب القابلة للحياة هي حالة شائعة، فإن ذلك سيكون مصدر تهديد كبير للحياة، وذلك ﻷنها ستبدي تقلباً مناخياً كبيراً، ولكننا وجدنا أنه لا داعي على الأغلب للكثير من القلق، فالمدارات الدائرية شائعة بشكل مقبول“.



الأرقام المكتوبة في النجوم [2]


قام الباحثون قديماً بحساب الانحرافات المدارية للكواكب الخارجية "العمالقة الغازية" مستخدمين السرعة المتجهة الشعاعية (radial velocity)، وهي تقنية تقيس حركة النجم، فكلما دار كوكب حول نجمه تعمل قوة جاذبيته على سحب النجم متسببة في تحريك النجم بنمط يعكس مدار الكوكب. وعلى كل حال فإن هذه التقنية تحقق نجاحاً أكبر مع الكواكب الأكبر، وذلك ﻷنها تمارس سحباً تثاقلياً كافياً ليؤثر في نجومها.

يتمكن الباحثون عادة من العثور على الكواكب باستخدام طريقة تحري العبور (transit - detecting method)، والتي يدرس فيها الباحثون الضوء الصادر عن نجم ما لتحري الخفوت العابر في ضوء النجم، والذي يدل على مرور كوكب ما، أو "عبوره"، أمام النجم، مما يؤدي إلى خفوت ضوئه بشكل مؤقت. وهذه الطريقة تكشف وجود كوكب ما، ولكن دون أن تحدد مداره. ولكن ڤان إيلين Van Eylen وزميله سيمون ألبريكت Simon Albrecht من جامعة آرهوس ابتكرا طريقة لجمع المعلومات المدارية من بيانات العبور النجمية.

وقد فكرا في البداية أنهما لو عرفا كتلة وقطر النجم الذي يدور حوله كوكب ما، فسيكون بإمكانهما حساب الوقت الذي يحتاجه الكوكب ليدور حول ذلك النجم، فيما لو كان مداره دائرياً، فكتلة النجم ونصف قطره يحددان سحبه التثاقلي، والذي يؤثر بدوره في سرعة حركة الكوكب حول النجم.

ولدى حساب السرعة المدارية لكوكب ما في مدار دائري، فبإمكانهما تقدير فترة العبور "كم من الزمن يحتاج الكوكب ليعبر أمام النجم". وحين يتبين بأن العبور المحسوب يساوي العبور الحقيقي فيمكن للباحثين الاستنتاج أن مدار الكوكب يجب أن يكون دائرياً، أما حين يكون العبور أطول أو أقصر فإن المدار يجب أن يكون متطاولاً، أي منحرفاً مدارياً.



ليس على هذه الدرجة من عدم التراكز


ليحصل الفريق على معلومات العبور الفعلية فقد قام بالبحث في البيانات التي تم تجميعها خلال السنوات الأربعة الماضية بواسطة تلسكوب كِبلر (Kepler's telescope) التابع لناسا، وهو مرصد فضائي يمسح شريحة من السماء باحثاً عن كواكب قابلة للسكن، وقد رصد التلسكوب سطوع أكثر من 145٫000 نجم، رغم أنه لم يتم تحديد خصائصها المفصلة إلا في نزر يسير منها.

اختار الفريق أن يصب تركيزه على 28 نجماً كانت كتلها وأنصاف أقطارها قد قيست مسبقاً باستخدام علم الزلازل النجمية (Asteroseismology) وهي تقنية تقيس النبض النجمي، والذي يعكس كتلة النجم ونصف قطره.

تمتلك هذه النجوم الثمانية والعشرين أنظمةً عديدة الكواكب "تضم جميعها 74 كوكباً خارجياً إجمالاً"، والتي حصل الباحثون على معلومات عن جميع كواكبها من خلال أرصاد تلسكوب كبلر. وهم لم يبحثوا عن حالات العبور فحسب، وإنما درسوا أيضاً أزمنة هذه العبورات. قام الفريق بحساب فترة العبور لكل كوكب، مفترضين أن المدار دائري ومستخدمين معلومات عن كتلة ونصف قطر كل نجم مركزي، ومن ثم قارنوا أزمنة العبور المتوقعة بأزمنة العبور الفعلية التي تم الحصول عليها من بيانات كبلر.

وقد وجد ڤان إيلين وألبركت أن العبور المحسوب يتطابق مع العبور الفعلي للكواكب في جميع الحالات، ما يعني أن الكواكب الخارجية الأربعة والسبعين تمتلك مدارات دائرية، وليس مدارات منحرفة مدارياً.

يقول ڤان إيلين: ”لقد وجدنا بأن معظمها تطابق بشكل قريب جداً، الأمر الذي يعني أنها قريبة جداً من أن تكون دائرية. نحن متأكدون جداً أنه لو كان المدارات المنحرفة كثيرة الشيوع لكنا رأينا ذلك، إلا أن هذا لم يحصل“.

يقول ڤان إيلين إن النتائج المدارية لهذه الكواكب الأصغر قد تساعد في النهاية في تفسير سبب كون الكواكب الأكبر تمتلك مدارات متطرفة.

يقول ڤان إيلين: ”نريد أن نفهم لماذا يكون لبعض الكواكب الخارجية مدارات منحرفة شديدة التطرف، بينما تدور الكواكب في حالات أخرى في مدارات دائرية تقريباً، كما هو الحال في النظام الشمسي“، ويضيف: ”إن هذه الفرصة قد تكون هي المرة الأولى التي نقيس فيها الانحرافات المدارية للكواكب الصغيرة، ومن المثير أن نرى بأنها تختلف عن الكواكب العملاقة ولكنها تشابه النظام الشمسي“.

ويشير داڤيد كيبينج David Kipping، وهو فلكي في مركز هارفارد - سميثسونيان للفيزياء الفلكية Harvard - Smithsonian Center for Astrophysics إلى أن عينة ڤان إيلين المؤلفة من 74 كوكباً خارجياً تعتبر شريحة صغيرة نسبياً، إذا أخذنا بالاعتبار مئات آلاف النجوم في السماء.

ويقول كيبينج، والذي لم يكن مشاركاً في البحث: ”أظن أن الدليل على امتلاك الكواكب الصغيرة مداراً أكثر دائرية يعتبر دليلاً غير نهائي في الوقت الحالي“. ويضيف: ”إن ذلك يحفزنا على البحث في هذا الموضوع بمزيد من التفصيل لنر فيما إذا كانت هذه النزعة هي فعلاً خاصة شاملة أم أنها ميزة للعينة الصغيرة المدروسة هنا“.

وفيما يتعلق بنظامنا الشمسي فإن كيبينج يتوقع أن دراسة عينة أكبر من الأنظمة الكوكبية "ستتيح لنا استقصاء العلاقة بين الانحراف المعياري وبين تعدد الكواكب، وتحديد فيما إذا كان وجود ثمانية كواكب في النظام الشمسي هو أمر نموذجي أم لا".

 

ملاحظات:


  1. الانحراف المداري (orbital eccentricity)، أو اللاتراكز المداري، هو انحراف المدار عن الشكل الدائري. تكون المدارات على شكل قطع مخروطي بأشكاله الثلاثة المعروفة، ويزداد انحرافها عن الدائرة بالترتيب: القطع الناقص "الدائري والإهليجي"، ثم القطع المكافئ، ثم القطع الزائد.
     
  2.  مكتوب في النجوم  (Star - crossed) : وهي عبارة إنجليزية تعني "سيء الطالع"، ذلك أنه كان يُعتقد أن أماكن النجوم تتحكم بأقدار الناس، وتستخدم مع المتحابين، فيقال star - crossed lovers، وقد ظهرت في أحد مسرحيات شكسبير ليعني بها أن علاقة المتحابين مشؤومة من بدايتها، أما استخدامها هنا فقد كان بلاغياً لا أكثر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السرعة القطرية أو الشعاعية (Radial velocity): هي سرعة حركة الجسم اتجاه نصف القطر.

اترك تعليقاً () تعليقات