يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
اكتشاف العلاقة بين المذنبات وغلاف الأرض الجوي 

تبين القياسات الصعبة والناجحة للعديد من نظائر الغاز النبيل "زينون" على المذنّب تشوري 67 67P/Churyumov-Gerasimenko باستخدام أداة بيرن روزينا Bernese instrument ROSINA (الأداة تابعة لجامعة بيرن) المركَّبة على مسبار روزيتا Rosetta أن بعض المواد وصلت إلى الأرض نتيجة اصطدامات المذنّبات. وكما أثبتت دراسات بيرن الإضافية لنظائر السيليكون، في أن نظامنا الشمسي اتسم بتنوع كبير جدًا في البداية. كذلك تظهر الكمية الكبيرة مما يسمى الماء "الثقيل" أن جليد المذنبات أقدم من نظامنا الشمسي.

الزينون غاز لا لون له ولا رائحة يشكل أقل بكثير من جزء من المليون من حجم غلاف الأرض الجوي. وبما أنه غاز نبيل فقلما يتفاعل مع العناصر الكيميائية الأخرى لذا يتمتع بحالة ذرية مستقرة نسبيًا. وبالتالي فهو يشكل تمثيلًا دقيقًا نسبيًا للظروف التي تواجدت خلال تشكل نظامنا الشمسي. ويمكن للزينون أن يساعد في الإجابة عن السؤال القديم حول المذنّبات: هل تُعد اصطدامات المذنبات مصدر المواد الموجودة على الأرض، وإن كان الحال كذلك، فإلى أي حد؟

وفي ذلك، تمكن فريق بحثي في مركز الفضاء والصلاحية للسكن Center for Space and Habitability التابع لجامعة بيرن University of Bern من إظهار أن تركيب الزينون الموجود على المذنّب تشوري67 قريبٌ جدًا من تركيب "الزينون المحلي" (indigenous xenon) الذي حُدد للمرة الأولى قبل 40 عامًا والواصل إلى كوكبنا من خارجه بعد تشكل نظامنا الشمسي بقليل. تُظهر هذه القياسات التي ستُنشَر في مجلة ساينس Science أن المذنّبات تشكل مصدر نحو خُمس الزينون المحلي، ويعني ذلك أنه يمكننا استنتاج ارتباط كمي بين المذنّبات وغلاف الأرض الجوي للمرة الأولى.

بصمة نجمية


يتشكل الزينون في العديد من العمليات النجمية المختلفة، بما فيها انفجارات المستعرات العظمى. وتؤدي كل ظاهرة من هذه الظواهر إلى انتشارٍ نمطيٍ لنظائر الزينون يُشكِّل "بصمةً" محددة. ونظرًا لنظائره العديدة الناتجة عن مختلف العمليات النجمية، يقدم الزينون دلالة مهمة على هوية المواد المحلية التي تؤلف نظامنا الشمسي.

 

وقُدِّرت نظائر الزينون في الغلافين الجويين للمريخ والأرض وفي أحجار نيزكية (meteorites) منشؤها الكويكبات. وكذلك على المشتري وفي الرياح الشمسية (solar wind) والأخيرة هي تدفق الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس. ويمتاز تركيب الزينون الموجود في غلاف الأرض الجوي بتفوق كمية النظائر الثقيلة للزينون فيه على كمية نظائره الخفيفة، إذ بإمكان النظائر الخفيفة الإفلات من حقل جاذبية الأرض نحو الفضاء.

 

وحسب الباحثون في سبعينيات القرن الماضي تركيب هذا الغاز المسمى بالزينون المحلي الذي هيمن ذات يوم على الغلاف الجوي للأرض عبر تصحيح التأثير الآنف الذكر. يحتوي هذا الزينون المحلي على كمية أقل بكثير من النظائر الثقيلة كما أن تركيبه من النظائر الخفيفة مساوٍ لذلك الموجود في الزينون الآتي من الكويكبات والشمس. ولذلك كان يُعتقَد أن أصل الزينون المحلي في غلاف الأرض الجوي المبكر يختلف عن أصل الزينون في الأجسام المرصودة في النظام الشمسي حينذاك. وجاء تأكيد ذلك من القياسات التي قامت بها أداة روزينا المركّبة على مسبار روزيتا على المذنّب 67P/تشيريوموف-جيراسيمينكو الذي يُعتبر "أحفورة" ثلجية من النظام الشمسي المبكر.

مهمة صعبة


تقول قائدة مشروع روزينا كاثرين ألتويغ Kathrin Altwegg العاملة من مركز الفضاء والصلاحية للسكن في جامعة بيرن: "يمكن اعتبار البحث عن الزينون في المذنّبات كأحد أهم القياسات التي قامت بها روزينا وأصعبها. وما يجعل ذلك مجزيًا حقيقة نجاحنا في حل جزء من لغز عمره 40 عامًا". ويُعد الزينون نادرًا للغاية في غلاف المذنّب الجوي الرقيق فعليًا.

 

لذلك اضطر مسبار روزيتا إلى التحليق لأسابيع عديدة على مقربةٍ شديدةٍ من المذنّب، على بعد تراوح بين 7 و10 كيلومترات من المركز، حتى أصبح بمقدور روزينا التقاط إشارة كافية لأخذ قياس واضح للنظائر السبعة الأكثر شيوعًا. وكان الخطر في ذلك يكمن في إمكانية أن تعطل سحب الغبار الكثيف المحيطة بالمذنّب نظام ملاحة المسبار.

 

وقد استطاعت روزينا تحديد سبعة نظائر للزينون بالإضافة إلى تشكيلة من الغازات النبيلة الأخرى. وأظهر تحليل البيانات أن زينون المذنّب الذي تجمد خلال تشكيله يختلف من حيث تكوينه عن الزينون الذي نجده في النظام الشمسي وكذلك عن تكوين الزينون الموجود في غلاف الأرض الجوي اليوم.

 

كما من المرجح أن يكافئ تركيب زينون المذنّب تركيب الزينون المحلي المفترض في غلاف الأرض الجوي المبكر، ومع ذلك هناك فروق معينة بين التركيبين، الأمر الذي يحمل الباحثين على الاعتقاد بأن الزينون الأصلي يأتي جزء منه من المذنّبات وآخر من الكويكبات، فتلخص ألتويغ الأمر قائلة: "للمرة الأولى استطعنا تأسيس ارتباط كمي بين المذنّبات وغلاف أرضنا الجوي، وفقًا له 22% من زينون الأرض الأصلي الذي نجده في الغلاف الجوي منشأه المذنّبات وما يتبقى من الكويكبات".

لا تناقض مع الماء


لا تتناقض هذه الاستنتاجات مع قياس روزينا للنظائر في مياه المذنّب التي اختلفت بدرجة كبيرة عن مثيلتها في المياه المحلية. بما أن الزينون لا يتوفر إلا بكميات ضئيلة في غلافنا الجوي بينما تحتوي الأرض على كميات ضخمة من الماء في المحيطات والغلاف الجوي، فمن الممكن أن المذنبات تحديدًا قد ساهمت في إجمالي الزينون على الأرض دون تغيير يُذكر على الماء الأرضي.

 

تقول ألتويغ: "كذلك تدعم الاستنتاجات حول الزينون فكرة أن موادَّ عضوية جاءت إلى الأرض عن طريق المذنّبات، من مثل الفوسفور والحمض الأميني غليسين اللذين عثرت روزينا على كليهما على المذنّب، الأمر الذي يُحتمَل أنه لعب دورًا حاسمًا في تطور الحياة على الأرض". خلاصة الأمر أن الفرق بين زينون المذنّبات والزينون الموجود في النظام الشمسي يدل على أن ما يسمى السديم السابق لتشكل الشمس (protosolar nebula) الذي أدى إلى تشكل الشمس والكواكب والأجسام الصغيرة كان مكانًا اتسم بتنوع لا بأس به من الناحية الكيميائية. وتضيف ألتويغ: "يدعم ذلك قياسات سابقة قامت بها روزينا مثل الاكتشاف غير المتوقع للأكسجين الجزيئي (O2) والكبريت الجزيئي (S2)".

منشور ثانٍ يؤكد الاستنتاجات


هناك منشور آخر استطاعت فيه مجموعة بحث أخرى يقودها مارتن روبين Martin Rubin من المركز للفضاء والصلاحية للسكن إظهار أن السيليكون المتواجد على المذنّب لا يظهر متوسط نسبة النظائر الموجود في نظامنا الشمسي، فتظهر بيانات روزينا أن بعض المواد من النظام الشمسي المبكر تأتي من نجوم سابقة متعددة.

 

كما في حالة الزينون يعني ذلك أن التكوين الكميائي للنظام الشمسي المبكر كان غير متجانس، وبالتالي لم يُخلَط "بشكل موحد" كما كان يُعتقَد سابقًا. يظهر المنشور الثاني في مجلة أسترونومي أند أستروفيزيكس Astronomy and Astrophysics. قد اكتشفت روزينا ذرات سيليكون في غلاف المذنّب الغازي في وقت مبكر من البعثة. قذفَت الرياحُ الشمسية المصطدمة ذراتِ السيليكون هذه عن سطح المذنّب (المصطلح الإنكليزي لظاهرة القذف المشار إليها هنا هو Sputtering).

 

والآن قد أظهر تحليل دقيق أجراه مارتن روبين من المركز للفضاء والصلاحية للسكن وجود نظائر سيليكون تظهر شذوذًا أيضًا عند مقارنتها مع السيليكون الشمسي. نظائر السيليكون الثقيلة أقل شيوعًا مقارنة مع الخليط الذي نجده بالقرب من الشمس وفي الأحجار النيزكية، ويدل ذلك على أن تشكل المذنّبات حصل في منطقة من السديم السابق لتشكل الشمس اتسمت بتكوين كميائي غير شمسي، ولذا يُحتمَل أنها استوعبت موادَّ من نجم آخر أو مستعر أعظم في المناطق المجاروة.

حتى ماء المذنّبات يأتي من الخارج


يثبت منشور حديث ثالث وبشكل قاطع من خلال استخدام نظائر الهيدروجين أن ماء المذنّبات الذي يسمى الماء "الثقيل" (D2O) قد تشكل قبل تشكل النظام الشمسي وتجمد ذلك الماء على شكل جليد في المذنبات سابق لتشكل الشمس. نُشِرت هذه الاستنتاجات في إصدار خاص لمجلة Philosophical Transaction of the Royal Society, London.

تقول ألتويغ: "حققت استنتاجاتنا في جميع الدراسات الثلاث هدف بعثة روزيتا الرئيس، وهو العثور على دلالة كمية للمرة الأولى عن تشكل الأرض ونظامنا الشمسي".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السديم (Nebula): عبارة عن سحابة بين نجمية مكونة من الغبار، والهيدروجين، والهليوم وغازات مؤينة أخرى.

اترك تعليقاً () تعليقات