تنشأ زخات من الجسيمات عالية الطاقة عندما تضرب الأشعة الكونية النشطة قمّة الغلاف الجوي للأرض. وتتكون معظم هذه الأشعة ااكونية من نويّ ذرية: أغلبها نويّ الهيدروجين والبعض منها هيليوم والبقية عبارة عن عناصر أثقل. ورغم أنّ الكثير من الأشعة الكونية منخفضة الطاقة تأتي من شمسنا، إلّا أنّ الأصول للأشعة الكونية ذات الطاقة العالية لاتزال غير معروفة وموضوع للبحث الحثيث. يوضّح هذا الرسم أنّ الهواء يتعرّض للأشعة الكونية عالية الطاقة.
حقوق الصورة: Simon Swordy (U. Chicago), NASA).
الأشعة الكونية هي فُتات جسيمات تُمطَر على الأرض من خارج المجموعة الشمسية. تتألّق هذه الأشعة عند سرعة الضوء وهي المسؤولة عن الأعطال الإلكترونية في الأقمار الصناعية وآلات أخرى.
وقد اُكتشفت في عام 1912، ولكنّ بقيت الكثير من الأشياء حول الأشعة الكونية لغزاً حتى بعد أكثر من قرن، والمثال الجوهري على ذلك هو من أين أتت هذه الأشعة. يشتبه معظم العلماء بأنّ أصولها تعود إلى انفجارات المستعرات العظمى Supernovas (انفجارات النجم)، إلا أن التحدي في أنّ أصول الأشعة الكونية لسنوات عديدة قد بدت موحدة للمراصد الفلكية التي تراقب السماء بأكملها.
وفي عام 2017 حدثت قفزة كبيرة للأمام في علم الأشعة الكونية، عندما درس مرصد بيير أوجير Pierre Auger Observatory (والذي يمتد على مساحة أكثر من 3000 كيلومتر مربع أو 1160 ميل مربع) مسارات وصول 30000 جسيم كوني. وأنهى ذلك بأنه يوجد اختلافاً في عدد مرات وصول هذه الأشعة الكونية إلى الأرض اعتماداً على المكان الذي تنظر إليه. قال الباحثون بأنه على الرغم من أنّ أصولهم ما تزال غامضة فإن الخطوة الأولى في سبيل معرفة المكان الذي جاؤوا منه هي معرفة المكان الذي تنظر إليه. وقد نشرت النتائج في مجلة العلوم Science.
يمكن أن تستخدم الأشعة الكونية في تطبيقات خارج علم الفلك، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2017 اكتشف فريق بحثي خرقاً محتملاً في الهرم العظيم في الجيزة Great Pyramid of Giza والذي قد بُني عام 2560 قبل الميلاد، وذلك باستخدام الأشعة الكونية. وقد وجد الباحثون هذه الثغرة باستخدام التصوير المقطعي بالميون muon الذي يبحث في الأشعة الكونية واختراقها عبر الاجسام الصلبة.
تاريخ الأشعة الكونية
حينما تمّ اكتشاف الأشعة الكونية في بدايات القرن العشرين، علم العلماء بأن شيئاً غامضاً كان يحدث في ثمانينيات القرن السابع عشر، وذلك عندما لاحظ الفيزيائي الفرنسي شارل أوجستين دي كولوم Charles-Augestin de Coulomb - الذي اشتهر بوجود شحنة كهربائية تحمل اسمه - كرة مشحونة كهربائياً فجأةً وبشكل غامض تفقد شحنتها بشكل نهائي.
في ذلك الوقت كان يُعتقد بأن الهواء عازلاً وليس ناقلاً للكهرباء، وبالمزيد من العمل اكتشف العلماء بأنّ الهواء يمكن أن يكون ناقلاً كهربائياً في حال كانت جزيئاته مشحونة أو متأيّنة، ويحدث ذلك بشكل شائع حيث تتفاعل جزيئات الهواء مع الجسيمات المشحونة أو الأشعة السينية.
ولكن كان اللغز هو من أين أتت تلك الجسيمات المشحونة. وحتى محاولات منع شحنها بكميات كبيرة من الرصاص قد باءت بالفشل. في 7 آب/أغسطس عام 1912، جعل الفيزيائي فيكتور هيس Victor Hess بالون كبير يطير على ارتفاع 17400 قدم (5300 متر)، وقد اكتشف أن الإشعاعات المؤيّنة أكبر بثلاثة أضعاف منها على الأرض، الأمر الذي يعني أن الإشعاع يجب أن يكون آتياً من الفضاء الخارجي.
ولكن تقفّي أثر الإشعاع الكوني "قصص الأصل" استغرق أكثر من قرن من الزمن، في سنة 2013، عرض تلسكوب فيرمي لأشعة غاما Fermi Gamma-ray التابع لناسا نتائج من مراقبة بقايا انفجار نجمين من المستعر الأعظم الموجود في مجرة درب التبانة وهما: IC 433 و W44.
ومن بين بقايا هذه الانفجارات النجمية فوتونات أشعة غاما والتي (على عكس الأشعة الكونية) لا تتأثّر بالمجالات المغناطيسية، ومن دراسة أشعة غاما تبيّن أنها تحمل نفس دليل الطاقة التي تحملها الجسيمات دون الذرية والتي تدعى البيونات المتعادلة neutral pions. وتنتج البيونات عندما تتعثر البروتونات بمجال مغناطيسي داخل يحدث انفجار المستعر الاعظم وتتصادم مع بعضها البعض.
بعبارة أخرى، أظهرت دلالات الطاقة المتطابقة أن البروتونات يمكنها التحرك بسرعة كافية داخل المستعرات العظمى لتوليد الأشعة الكونية.
العلوم الحالية
ونعرف اليوم بأنّ الأشعة الكونية القادمة من المجرات هي عبارة عن شظايا ذرية مثل البروتونات (جسيمات موجبة الشحنة) والإلكترونات (جسيمات سالبة الشحنة) ونويّ الذرات. وعلى الرغم بأنّنا نعرف بأنها تتولّد في انفجارات المستعر الأعظم إلا أنه ربما هناك مصادر أخرى يمكنها توليد الأشعة الكونية. كما أنه ليس واضح تماماً كيف تملك المستعرات العظمى القدرة على صنع الأشعة الكونية بهذه السرعة.
وتتساقط الاشعة الكونية باستمرار على الأرض، وبينما تصطدم الاشعة الكونية عالية الطاقة "الأولية" بالذرات في قمة الغلاف الجوي للأرض ونادراً ما تصل إلى الأرض، فإنه تخرج هذه الجسيمات "الثانوية" من منطقة التصادم هذه وتصل إلينا في الأرض.
ولكن ومع مرور الوقت عندما تصل هذه الأشعة الكونية إلى الأرض فإنه لمن المستحيل معرفة مصدرها، وذلك لأنّ مساراتها قد تغيّرت على طول طريق انتقالها عبر العديد من المجالات المغناطسيسة (المجال المغناطيسي للمجرة، والمجال المغناطيسي للنظام الشمسي، والمجال المغناطيسي للأرض نفسها).
يحاول العلماء تتبُّع أصول الأشعة الكونية من خلال معرفة المكونات التي تكوّن الأشعة الكونية. ويمكن للعلماء معرفة ذلك من خلال البحث في الدليل الطيفي الذي تطلقه كل نواة خلال عملية الإشعاع، وكذلك من خلال وزن النظائر المختلفة (الأنواع) للعناصر التي تصطدم بكاشفات الأشعة الكونية.
وتضيف ناسا بأنّ النتيجة تُبيّن أنّ الأشعة الكونية مكوّنة من عناصر شائعة جداً في الكون، حوالي 90% من نِوى الأشعة الكونية هي الهيدروجين (بروتونات) و9% هي هيليوم (جسيمات ألفا). إن الهيدروجين والهيليوم هما العنصران الأكثر وفرةً في الكون، وهما أصل كل من النجوم والمجرات والمكونات الكونية الأخرى. وتتشكل الكمية المتبقية (1%) من جميع العناصر، ومن هذه ال 1% يمكن للعلماء القيام بأفضل بحث عن العناصر النادرة لإجراء مقارنة بين الانواع المختلفة للأشعة الكونية. وقد وجد مجمّع مرصد بيير أوغر The Pierre Auger Observatory بعض الاختلافات في مسارات وصول الاشعة الكونية في عام 2017. ممّا يؤمّن بعض التلميحات حول المكان الذي يمكن أن تنشأ فيه هذه الأشعة.
ويمكن للعلماء أيضاً تحديد تاريخ الأشعة الكونية هذه من خلال البحث في النشاط الإشعاعي للنِوى الذي يتناقص بمرور الوقت، وبحساب عمر النصف لكلّ نواة يعطينا تقديراً لمدة بقار الأشعة الكونية في الفضاء.
في عام 2016، وجدت مركبة فضائية تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، أنّ معظم هذه الاشعة الكونية تأتي على الأرجح من التجمّعات القريبة (نسبياً) للنجوم الضخمة. وقد رصدت مركبة مستكشف التكوين المتقدم Advanced Composition Explorer التابعة للوكالة الأشعة الكونية نشاط إشعاعي يتشكّل من الحديد، والمعروف ب الحديد-60. ونظراً لأن هذا الشكل من الاشعة الكونية يتحلّل بمرور الوقت، فيُقدر العلماء أنه يجب أن تكون قد نشأت على بعد لا يزيد عن 3000 سنة ضوئية عن الأرض، وهي المسافة المساوية لعرض الذراع الحلزونية المحلية لمجرة درب التبانة.
وقد أُطلقت تجربة سُمِّيت بتجربة كتلة وطاقة الأشعة الكونية Cosmic Rays Energetics And Mass Experiment (يطلق عليها اختصاراً CREAM) إلى محطة الفضاء الدولية عام 2017. ومن المتوقع أن تعمل التجربة لمدة ثلاث سنوات لتجيب عن أسئلة جدلية مثل ما إذا كانت المستعرات العظمى تولّد معظم الأشعة الكونية، ومتى تنشأ الأشعة الكونية، وما إذا كان يمكن تفسير جميع أطياف الطاقة للأشعة الكونية بآلية واحدة. وتستضيف محطة الفضاء الدولية تلسكوب الالكترون المسعري CALorimetric Electron Telescope الذي يبحث عن الأشعة الكونية ذات أعلى أنواع الطاقة، وقد أُطلق هذا التلسكوب في العام 2015.
ويمكن الكشف عن الأشعة الكونية ايضاً عن طريق المنطاد. وذلك من خلال تجربة مٌكتشف تحويل العناصر المجرية الكبير Super Trans-Iron Galactic Element Recorder والتي تتضمّن مشاركة من مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لوكالة ناسا ولجامعات أخرى. وقد طار المنطاد مرات عدة بما فيها رحلة نموذجية مدتها 55 يوم فوق القارة القطبية الجنوبية، انتاركتيكا، ما بين شهر كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى شهر حزيران/يونيو 2013، ويقول موقع التجربة: "ندرس أصل الأشعة الكونية من خلال بيانات هذه الرحلة، وبشكل خاص اختبار النموذج الناشئ لأصول الاشعة الكونية في تجمعات من نجوم OB (وهي نجوم شديدة السخونية) OB associations، وكذلك نماذج لتحديد الجزيئات التي ستُسرَّع".
مخاوف الإشعاعات الفضائية
يحمي الحقل المغناطيسي للأرض والغلاف الجوي الكوكب من 99.9% من الإشعاعات من الفضاء، ورغم ذلك بالنسبة للأشخاص خارج مجال حماية الحقل المغناطيسي للأرض، فإن الإشعاع الفضائي يصبح خطر جدّي، وقد كشفت أداة على متن المركبة المريخية كوريوسيتي Curiosity Mars خلال رحلتها التي استمرت 253 يوم باتجاه كوكب المريخ أنّ جرعة الإشعاع التي يتعرّض لها رائد الفضاء حتى على أقصر رحلة ذهاباً وأياباً ستكون حوالي 0.66 سيفرت، وهذا المقدار يشابه الذي يتلقّاه الجسم خلال فحص شامل بالأشعة المقطعية CT كل خمس أو ستة أيام.
تزيد جرعة 1 سيفرت نسبة الإصابة بالسرطان المُميت بنسبة 5.5%، بينما تبلغ جرعة الإشعاع المتوسطة التي يتلقاها شخص عادي يعيش على سطح الأرض هي 10 ميكروسيفرت (0.00001 سيفرت).
وبما أن القمر ليس له غلاف جوي بالإضافة لكَوْن حقله المغناطيسي ضعيف جداً فسيتعيّن على رواد الفضاء الذين يعيشون هناك تامين الحماية الخاصة بهم، من خلال جعل مستوطناتهم مدفونة تحت الأرض على سبيل المثال.
لا يوجد لكوكب المريخ مجال مغناطيسي، وقد جرّدت جسيمات الشمس المريخ من معظم غلافه الجوي ونتج عن ذلك حماية ضعيفة جداً ضد الإشعاع على السطح، أعلى ضغط هوائي على المريخ يكافئ الضغط على ارتفاع 22 ميل (35 كيلومتر) فوق سطح الأرض، وعلى ارتفاعات منخفضة، يؤمّن الغلاف الجوي للمريخ حماية أفضل قليلاً من الإشعاعات الفضائية.
عام 2017، أجرت ناسا بعض التحديثات لمختبر الإشعاعات الفضائية Space Radiation Laboratory، (الواقع في مختبر بروكهافن الوطني Brookhaven National Laboratory في نيويورك) لإجراء دراسات أكثر حول كيفية تأثير الإشعاعات الكونية على رواد الفضاء خلال الرحلات الطويلة. وكان من ضمنها التوجه إلى كوكب المريخ، حيث سمحت هذه التحديثات للباحثين بتعديل أنواع التأيين، وكثافة الطاقة بشكل أسهل بفضل إمكانية التحكم في البرامج.