ست حقائق رائعة عن النموذج القياسي

حقوق الصورة: Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha


 

تعرَّف على النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، وكيف يستخدمه علماء الفيزياء للتنبؤ بالمستقبل (دون الذري).

 

في العصور القديمة كان الإغريق المهتمون بالتنبؤ بالمستقبل يسافرون في اليوم السابع من الشهر إلى معبد أبولو في دلفي للبحث عن نظرة ثاقبة من أوراكل∗(Oracle insight). اليوم لسنا بحاجة إلى فك ألغاز رئيس كهنة؛ حيث ينشىء العلماء نماذج رياضية تتنبأ بكل شيء من الاقتصاد إلى الطقس.

 

أحد المتنبئين الرياضيين الأقوياء بشكل خاص هو النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، إذ ينتِج تنبؤات دقيقة عن العالَم دون الذري.

 

تقول توليكا بوز(Tulika Bose)، أستاذة الفيزياء بجامعة ويسكونسن: «النموذج القياسي هو مجموعة من الأفكار التي تخبرنا عن الطبيعة وكيف تتفاعل جميع الجسيمات في الكون مع بعضها البعض».

 

يصف النموذج القياسي سلوك أصغر لِبْنات البناء التي نعرفها: ستة أنواع من الكواركات، وستة أنواع من اللبتونات، وثلاث قوى أساسية (والجسيمات الأربعة المرتبطة بها)، بالإضافة إلى بوزون هيجز.

 

مثل الكهان في العصور القديمة، يتحدث النموذج القياسي بألغاز لا يمكن تفسيرها إلا من قبل الممارسين المتدربين. ولكن على عكس بيثيا أبولو∗∗، فإن النموذج القياسي عبارة عن اندماج يعتمد على عمل آلاف العلماء المستقلين، وقد نجت تنبؤاته من عقود من الاختبارات التجريبية.

اليوم في مجلة (Symmetry Magazine)، تعرف على ست حقائق رائعة عن أحد أقوى النماذج العلمية في العالًم.

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو

 

 اسم «النموذج القياسي» نائبًا لم يُستبدَل مطلقًا

بحلول الستينيات كان الفيزيائيون قد كونوا مجموعة كبيرة مما اعتبروه جسيمات أساسية —قطع منفصلة من المادة لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء أخرى. كان هناك العديد من الجسيمات المختلفة، وأشاروا إليها باسم (حديقة الجسيمات).

 

لكن في عام 1964 وضع الفيزيائيان موراي جيل مان (Murray Gell-Mann) وجورج زويغ (George Zweig) نظرية مفادها أن العديد من أعضاء حديقة حيوان الجسيمات كانوا في الواقع جسيمات مركبة مكونة من قطع أصغر، والتي نسميها الآن كواركات. كانت قائمة الجسيمات الأساسية الحقيقية أصغر بكثير، وبدأ العلماء في رؤية أنماط جديدة. كانت هذه بداية تطوير النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات.

 

ظهرت الإشارات الأولى إلى (النموذج القياسي) في الأوراق البحثية التي نُشرت في السبعينيات. في هذه المرحلة كان الفيزيائيون لا يزالون يستخدمون كلمة (قياسي) كصفة، وليس كجزء من اسم علم.

 

يقول ريتشارد رويز (Richard Ruiz)، الباحث النظري في معهد الفيزياء النووية في كراكوف، بولندا: «إذا بدأت التعمق في الأوراق البحثية، فسترى (النموذج القياسي للتفاعلات المعيارية) و(الوصف القياسي للتفاعلات الكهروضعيفة) بالحروف الصغيرة».

 

ويُكمِل: «كان هذا عصر بناء النماذج، ومن ثَّم اعتُبِرت الأفكار التي عملت بشكل أفضل معياريةً —ولكن بالمعنى التقليدي للكلمة. وبمرور الوقت -في الثمانينيات والتسعينيات- تمت كتابة الحرفين S و M بحروف كبيرة (Standard Model).

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو

 

 النموذج القياسي يقدم بعض الافتراضات

يضع النموذج القياسي بعض الافتراضات الأساسية حول الكون. وستعمل بشكل مختلف تمامًا إذا تبين أن أيًا منها غير صحيح. فيما يلي بعض هذه الافتراضات:

 

  • قوانين الفيزياء ثابتة في جميع أنحاء الكون بأسره. (الإلكترون الموجود على القمر له نفس كتلة الإلكترون على الأرض).
  • الاحتمالية محفوظة. (لذا فإن كل هؤلاء المدربين الذين يقولون: «أعطها 110%» يقترحون أن اللاعبين يخالفون بديهية متأصلة في الفيزياء).
  • علاقات السبب والنتيجة غير قابلة للكسر. (لا يمكنك أن تُولَد قبل جدك).
  • العملياتُ التي تحدث في نفس الوقت والتي لا تتقاطع مكانيًا مستقلةٌ عن بعضها البعض. (لن يؤثر شخص ما يطبخ عجة في البرازيل على أداء مصادم الهادرون الكبير).
  • هناك عدد محدود من الجسيمات والمجالات/الحقول. (لهذا السبب يمكن تلخيص أحد الأهداف الرئيسية لفيزياء الجسيمات بشعار من سلسلة الرسوم المتحركة فرانسيس بوكيمن: سأحصل عليهم جميعًا!).
  • النسبية الخاصة وميكانيكا الكم هما الركائز الأساسية. (النموذج القياسي وجميع افتراضاته مستمدة من هذه الجذور!).

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو

 

النموذج القياسي مبني من القياسات التجريبية

تشير معادلات النموذج القياسي حاليًا إلى أن كوننا يمكن أن يكون غير مستقر: مع حدوث كمي سيئ الحظ، يمكن أن ينهار.

 

لكن يعتقد العلماء أنه من غير المرجح أن يكون الكون في الواقع في خطر وجودي. ينسبون هذا التنبؤ المثير للقلق إلى البيانات التي يعمل بها النموذج القياسي— قياساتنا غير الدقيقة لكتل ​​أثقل جسيمين أساسيين معروفين: الكوارك العلوي وبوزون هيجز.

 

هذه الكتل الجسيمية مهمة للغاية لأن النموذج القياسي مشتق من القياسات التجريبية.

 

مثلما لا يمكنك استخدام نظرية فيثاغورس لمعرفة طول وتر المثلث القائم دون معرفة طول ضلعي المثلث الآخرين، لا يمكنك استخدام النموذج القياسي لعمل تنبؤات بدون مدخلات أخرى. في حد ذاته، لا يمكن للنموذج القياسي التنبؤ بكتلة الجسيمات الأساسية المختلفة، ولا يمكنه التنبؤ بمدى قوة تفاعلها مع بعضها البعض.

 

ونظرًا لأن تنبؤات النموذج القياسي تعتمد على البيانات من التجارب، فإن التنبؤات ليست ثابتة، ولكنها تتطور باستمرار مع تحسن أجهزة الكشف والطرق التحليلية.

 

وعندما تصبح التنبؤات أكثر دقة، هناك تلميحات إلى أن بعضها قد لا يكون متسقًا مع بعضها البعض. يقول رويز (Ruiz): «إنه يشبه إلى حد ما عملية البحث عن أفضل تنبؤ حيث تكون كل قيمة مقاسة دليلًا يساعدنا في الوصول إلى الخطوة التالية».

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو

 

 النموذج القياسي يحتاج إلى ما لا يقل عن 18 مدخلاً مستقلاً

يعتبر النموذج القياسي أكثر تعقيدًا من نظرية فيثاغورس. في حين احتاج فيثاغورس إلى مدخلين فقط لتحديد طول الجانب الثالث من المثلث القائم الزاوية، يحتاج النموذج القياسي إلى قيم لما لا يقل عن 18 متغيرًا مستقلاً للتنبؤ بسلوك الجسيمات دون الذرية. وهذه المدخلات تتضمن عوامل مثل كتل الجسيمات، وقوة مجال هيجز، وكيف تتقاطع القوى المختلفة مع بعضها البعض.

 

يقول بوز (Bose): «إنه مثل 18 مفتاحًا مستقلًا لكل منها قيمة ثابتة. إنها عوامل حرة غير مرتبطة ببعضها البعض».

 

يقوم النموذج القياسي بتحويل هذه القيم المستقلة إلى معادلات يمكنها التنبؤ بكيفية تشكل الجسيمات، واضمحلالها، وترابطها لتكوين كل المادة في الكون المرئي.

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو

 

 تطور النموذج القياسي

يحتاج النموذج القياسي إلى مدخلات مثل كتل الجسيمات لعمل تنبؤات، لكن بعض الجسيمات مثل الفوتونات والغلونات ليس لها كتلة.

 

افترضت نسخة مبكرة من النموذج القياسي أن نوعًا آخر من الجسيمات وهو النيوترينو كان عديم الكتلة أيضًا. ولكن عندما اكتشف العلماء أن هذا ليس صحيحًا، احتاج العلماء النظريون إلى ملاءمة هذا الاكتشاف مع معادلات النموذج القياسي. (وما زالوا يعملون على ذلك!).

 

وفقًا لبوز، فقد تطور النموذج القياسي عبر عقود من التجربة والخطأ. يقول بوز: «كان الوصف البدائي للنموذج القياسي بعيدًا عن الاكتمال أو الصحة. لقد تغير فهمنا بشكل كبير على مر السنين».

 

يأمل الفيزيائيون في أن توفر الاكتشافات المستقبلية مزيدًا من الرؤية في الأسئلة الكبيرة في الفيزياء التي فشل النموذج القياسي في معالجتها.

 

لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
لوحة فنية بواسطة إستوديو Sandbox بشيكاغو
 

 

النموذج القياسي لا يمكن شرح كل الفيزياء

النموذج القياسي هو دليل جدير بالثقة عندما يتعلق الأمر بـ 17 جسيمًا أساسيًا وثلاث قوى أساسية، لكن الملاحظات من علم الفلك وعلم الكونيات تتيح لنا معرفة أن هناك المزيد في العالَم دون الذري.

 

يقول بوز: «السؤال الكبير المفتوح هو الجاذبية. ليس لدينا أي طريقة لحساب الجاذبية على المقاييس دون الذرية».

 

حُذِفت الجاذبية، والمادة المظلمة، والعديد من الظواهر الأخرى من النموذج القياسي، ولم تؤد النتائج التجريبية حتى الآن إلا إلى تشويه سمعة الأفكار الواعدة لطرق تضمينها.

 

لكن بوز ليس قلقًا، كما يوضح تاريخ النموذج القياسي، يُعدّ مجرد معرفة مكان تكمُّن الأسئلة خطوةً مهمةً. الأسئلة المثيرة للاهتمام تؤدي إلى إجابات مثيرة للاهتمام، والإجابات المثيرة للاهتمام تؤدي إلى أسئلة أكثر إثارة للاهتمام.

 

يقول بوز: «إنها إحدى أعظم النظريات في كل العصور— وتقريبًا نظرية لكل شيء. ويسعدنا أن نرى كيف يمكن أن تؤدي النتائج التجريبية الجديدة إلى تغيير الأمور، وتمكين النموذج القياسي من الاستمرار في النمو والتطور».


 

مهمتنا هي مساعدة الناس على رؤية البيانات بطرق جديدة، واكتشاف الرؤى، وإطلاق العنان لإمكانيات لا نهاية لها.

∗∗ بيثيا هي الوسيط الروحي وكاهنة الإله أبولو، وكان مقرها في معبد أبولو في دلفي والذي يقع على مُنحدرات جبل بارناسوس. وكان لبيثيا الفضل الكبير في التحدث بنبوءات أبولو. وجدت كاهنة دلفي في القرن 8 ق.م. على الرغم من احتمالية وجودها في أواخر العصور الموكيانية.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات