حواسيب خارقة تُقدم خطوطًا عريضةً للمادة المظلمة: توسيع النموذج القياسي يتنبأ بخصائص جسيمات مرشحة

استعمل الفيزيائيون عمليات حسابية حاسوبية معقدة لإيجاد خطوط عريضة لجسيمات المادة المظلمة. فعل العلماء ذلك بتوسيع نموذج فيزياء الجسيمات القياسي (Standard Model of particle) الناجح، فتمكنوا -بالإضافة لبعض الأشياء- من التنبؤ بكتلة ما تدعى بالأكسيونات (axions)، فأصبحت بذلك مرشحة لأن تكون المادة المظلمة. 


نفذ الفريق الألماني الهنغاري تجربته بقيادة البروفيسور زولتان فودور Zoltán Fodor من جامعة فوبرتال Wuppertal. وقامت جامعة إيوتفوس Eötvös في مدينة بودابست Budapest مع معهد Forschungszentrum Jülich بإجراء الحسابات على حاسوب المعهد الخارق JUQUEEN BlueGene/Q، وعرضت نتائجهم في مجلة نيتشر Nature.

يقول د.أندريس رينغولد Andreas Ringwald، وهو المؤلف المشارك الذي أقترح البحث، والذي يعمل في معهد DESY: "المادة المظلمة هي شكل غير مرئي من المادة، هذا الشكل لم يكشف لنا نفسه إلى الآن إلا عبر تأثيرها الثقالي، لذلك يبقى مُكونها لغزًا محيرًا". يأتي الدليل الذي يشير لوجود هذا النوع من المادة، بالإضافة لبعض الأشياء، من مرصودات الفيزياء الفلكية للمجرات، والتي تدور بسرعة تفوق قدرة سحب الجاذبية الخاص بالمادة المرئية.

 

محاكاة لتوزيع المادة المظلمة بعد ما يقارب الـ 3 مليار سنة من الانفجار العظيم (الصورة ليست من هذا العمل).   المصدر: The Virgo Consortium/Alexandre Amblard/ESA.
محاكاة لتوزيع المادة المظلمة بعد ما يقارب الـ 3 مليار سنة من الانفجار العظيم (الصورة ليست من هذا العمل). المصدر: The Virgo Consortium/Alexandre Amblard/ESA.

تُظهر قياسات عالية الدقة قام بها القمر الصناعي بلانك Planck أن 85% من كتلة الكون تشكلها المادة المظلمة، وكل النجوم والكواكب والسدم والأجسام الأخرى في الفضاء تتكون من المادة التقليدية المسؤولة عن 15% من كتلة الكون لا أكثر.

ويضيف رينغولد: "الصفة مظلمة' لا تعني بأنها لا تبث الضوء المرئي. إذ لا يبدو أنها تبث أي طول موجي آخر أيضًا، لابد أن تفاعلها مع الفوتونات ضعيف جدًا". لعقود من الزمن، بحث الفيزيائيون عن جسيمات هذا النوع الجديد من المادة، والواضح أن هذه الجسيمات تقع ما بعد النموذج الفيزيائي القياسي للجسيمات، وبالرغم من أن هذا النموذج ناجح للغاية، فهو يفسر حاليًا 15% من المادة فقط في الكون. 


لم يتوقع الفيزيائيون من أن تعطيهم التوسيعات النظرية الممكنة للنموذج القياسي فهمًا أعمق للكون وحسب، بل أيضًا أدلة ملموسة لمعرفة أي مدى للطاقة من المجدي البحث فيه على جسيمات مرشحة لتكون المادة المظلمة. هناك احتمالين، إما أن يكون ما يُشكل هذا النوع من المادة هو عدد قليل نسبيًا من الجسيمات الثقيلة، أو عدد كبير من الجسيمات الخفيفة. 


إن البحث المباشر عن جسيمات المادة المظلمة الثقيلة المرشحة باستخدام الكواشف الكبيرة في المختبرات في باطن الأرض، والبحث غير المباشر عنها باستخدام مسرعات الجسيمات الضخمة ما زالا مستمرين، لكن لم يكتشفا أي أجسام للمادة المظلمة إلى الآن. ويشير عدد كبير من الآراء الفيزيائية إلى أن الجسيمات الخفيفة جدًا، الملقبة بالإكسيونات، هي مرشحات واعدة جدًا. ربما من الممكن أن نرصد دليلًا مباشرًا عليها باستخدام أجهزة تجريبية ذكية. 


يقول رينغولد: "لكن، معرفة الكتلة التي نبحث عنها ستفيدنا كثيرًا في رصد دليل مباشر عليها"، ويضيف:"من ناحية أخرى، سيستغرق البحث عقودًا من الزمن، لأنه علينا البحث في مدى كبير جدًا".

تنبأ توسيع النظرية الكروموديناميكية الكمومية quantum chromodynamics أو اختصارًا QCD، بوجود الأكسيونات، وهي نظرية تحكم التفاعلات القوية المسؤولة عن القوة النووية. يُعد التفاعل القوي وقوة الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة، القوى الأساسية الأربعة في الطبيعة، المسؤولة عن النشاط الإشعاعي. 


يقول رينغولد:" تشير الآراء النظرية إلى أن هناك ما يدعى بـ "تقلبات كمومية طوبولوجية topological quantum fluctuations" في الكروموديناميكية الكمومية، والتي ستنتج انتهاك رصدي للتناظر العكسي". هذا يعني بأن عمليات معينة يجب أن تتمايز اعتمادًا على حركتها للأمام أو للخلف". لكن، لم تنجح أي تجربة في إثبات هذا التأثير.

يستعيد توسيع الكروموديناميكا الكمومية ثبات انقلابات الوقت، لكن في نفس الوقت يتنبأ بوجود جسيم ضعيف التفاعل بشكل كبير، وهو الأكسيون، والذي تعتمد خصائصه -بالأخص الكتلة- على قوة التقلبات الكمومية الطبوغرافية. لكن، يلزم الحواسيب الخارقة مثل JUQUEEN لحساب الأخيرة في مدى درجة حرارة ذو صلة في التنبؤ بالمساهمة النسبية للأكسيونات بالمادة التي تشكل الكون. 
 

ويقول قائد البحث فودور:"بالإضافة إلى هذا، كان علينا تطوير طرق جديدة للتحليل بهدف تحقيق مدى درجة الحرارة المطلوب".

وأظهرت النتائج، من بين أمور أخرى، أنه إذا كانت الأكسيونات تشكل الجزء الأكبر من المادة المظلمة بالفعل، فينبغي أن تكون كتلتها بين 50-1500 ميكرو إلكترون فولت، معبرًا عنها بالوحدات المعروفة لفيزياء الجسيمات، وبالتالي تكون أخف وزنًا من الإلكترونات بما يقارب العشرة مليارات مرة. سيتطلب هذا أن يحتوي كل متر مكعب في الكون على ما معدله 10 مليون جسيم خفيف الوزن. 


المادة المظلمة ليست منتشرة بشكلٍ متساوٍ في الكون، غير أنها تشكل تكتلات وفروع مثل الشبكة، ولهذا السبب، يجب أن تكون مجرتنا تحتوي على ما يقارب المليار أكسيون لكل سنتيمتر مكعب.

بفضل حاسوب Jülich الخارق، تزود الحسابات الآن الفيزيائيين بمدى ملموس بحيث يكون بحثهم عن الأكسيونات واعدًا أكثر. يقول فولد: "في الغالب، ستقود النتائج التي عرضناها إلى حدوث سباق لاكتشاف هذه الجسيمات".

 

لن يحل اكتشافهم مشكلة المادة المظلمة في الكون فحسب، لكن سيجيب في نفس الوقت عن سبب كون التفاعل القوي متناظرًا بشكل فجائي بالنسبة لانعكاس الوقت. يتوقع العلماء بأنه سيكون من الممكن في السنين القليلة القادمة تأكيد أو نفي وجود الأكسويونات بشكل تجريبي.

شارك في البحث معهد الأبحاث النووية في أكاديمية العلوم في ديبريسين Debrecen ومجموعة بحث Lendület Lattice Gauge Theory في جامعة إيوتفوس Eötvös وجامعة سرقسطة Zaragoza في إسبانيا، وأيضًا معهد ماكس بلانك Max Planck للفيزياء في ميونخ Munich كان له سهمٌ في ذلك.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations): في الفيزياء، يُشير الاهتزاز الكمومي إلى تغير مؤقت في كمية الطاقة المُختزنة في نقطة ما من الفضاء، ويعتمد هذا المفهوم على مبدأ الارتياب الذي صاغه عالم الفيزياء فيرنر هايزنبرغ.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات