هل الفوتونات المظلمة هي القوة الخامسة التي تحكم كوننا؟

 حقوق الصورة: Shutterstock.



مهما كانت ماهيتها، فإنها جيدة بالتخّفي.


حوّل الفيزيائيون الباحثون عن اليد الخفية التي تشكّل كوننا وتشكل فيه المجرات اهتمامَهم نحو الجانب المظلم. بالتحديد، يوجد فريقٌ واحدٌ يبحث خلف كل صخرةٍ كونية عمّا يُدعى الفوتونات المظلمة، والتى يمكن أن تكون ناقلة لقوى طبيعية لم تكن معروفة سابقاً.

يمكن لهذه الفوتونات أن تتدخل في التفاعل ما بين المواد الطبيعية والمواد غير المرئية المعروفة باسم المادة المظلمة.

ولكن أدرك العلماء منذ زمن بعيد أنّ الطبيعة قد تمدّدت وسُحبت وسُحقت وتمزقت بفعل أربع قِوى أساسية معروفة، فكيف يمكن لقوةٍ أُخرى أن تختبئ عنا كل هذه الفترة؟ إذ تُعتبر هذه القوى المعروفة بحجر الأساس لوجودنا: "القوة النووية القوية قصيرة المدى" التي تربط الأنوية الذرية ببعضها، و"القوة النووية الضعيفة الغامضة" التي تتحكم بالتحلل الإشعاعي وتدرس الجسيمات دون الذرية التي تسمى النيوترونات، و"القوة الكهرومغناطيسية الساطعة والبارزة" التي تسيطر على حياتنا اليومية، "وقوة الجاذبية الخفية" التي تُعتبَر الأضعف في هذه التشكيلة الرباعية.

باستخدام هذه القِوى الأساسية الأربع، استطاع العلماء رسم تصوّر لعالمنا دون الذري والمجهرى (الماكروسكوبي)، إذ لا يوجد تفاعل لا يتضمن أحد هذه القوى الأربعة. وحتى الآن، لا تزال الألغاز كثيرة فيما يتعلق بالتفاعلات في كوننا، وخاصة عند المقاييس الكبيرة. فعندما نتعمق برؤيتنا في مستوى المجرات وما ورائها، نرى أنّ هناك شيئاً غامضاً يحدث، وقد أعطينا لهذا الغموض اسم المادة المظلمة.

هل المادة المظلمة بسيطة وعادية، أو هل تخفي حشداً من قوة غير معروفة سابقاً؟


حالياً يوجد فريق عالمي من الفيزيائيين، يصفون عملهم المبدئي على الإنترنت في مجلة arXiv، قد فرّغوا بيانات LHC مصادم الهادرونات الكبير- أكبر مصادم ذرات في العالم- للبحث عن مثل هذه القوة، وللآن فإن بحثهم قد ذهب سدىً، والذي يُعد جيداً نوعاً ما حيث إنه يعني أن قوانيننا الفيزيائية المعروفة ما زالت صامدة. إلا أننا ما زلنا لا نستطيع تفسير ماهيّة المادة المظلمة.

الضياع في الظلام


إنّ المادة المظلمة هي شكل افتراضي من المادة التي يُقال بأنها تشكّل نحو 80% من كتلة الكون الكلية، إنها مهمة جدًا، ولكننا لا نعرف من المسؤول عن هذه المواد غير المرئية الإضافية، لكننا نعلم بأنها موجودة، والدليل الأقوى لدينا هو الجاذبية، باختبار حركة النجوم في المجرات وحركة المجرات في العناقيد المجرية، بالإضافة لتطوّر أكبر البُنى في الكون، توصّل العلماء إلى استنتاج يقول بأنّ هناك شيئاً أكبر مما نراه بأدواتنا الكونية.

ربما هنالك اسم أفضل من المادة المظلمة هو المادة غير المرئية، فبينما يمكننا كشفها من خلال تأثير جاذبيتها (لأنه لا شيء يهرب من رؤية أينشتاين الشاملة)، ببساطة المادة المظلمة لا تتفاعل مع الضوء، إذ نعلم لو أنها تفاعلت مع الضوء (أو على الأقل، إذا فعلت بطريقة مماثلة لتفاعل المادة العادية معه)، لكنّا قد كشفنا عن جوهر هذا المادة بحلول هذا الوقت. ولكن كلّ ما يمكننا قوله أنّ المادة المظلمة- أيّاً كانت ماهيّتها- فلا يمكنها أن تمتص الضوء، أو تعكسه، أو تتسبب فى انكساره، أو تبعثره أو حتى أن تُصدره، فبالنسبة للمادة المظلمة، يُعتبَر الضوء ببساطة شخصية غير مرغوب فيها لأنها ربما تعتبره غير موجود.

بالإضافة إلى أنّ هناك فرصةً راسخةً لتدفّق حزم من جسيمات المادة المظلمة عبر جسدك في هذه اللحظة، إنّ الكتلة المجتمعة لذلك التدفق اللانهائي يمكنه أنّ يشكّل مصائر المجرات من خلال التاثيرات الجذبوية، إلا إنه يمرّ عبر المادة العادية دون حتى أن يقول مرحباً (دون الشعور بمروره)، أنا أعلم أنّ هذه هي حقيقة المادة المظلمة بالنسبة لك.

استحضار الضوء


لأننا لا نعرف ممَّ صنعت المادة المظلمة، فإننا أحرار في وضع كلّ أنواع السيناريوهات، المنطقية والخيالية.
الصورة الأبسط للمادة المظلمة تقول بأنها كبيرة وأساسية، نعم، فإنها تشكّل الغالبية العظمى من كتلة الكون، لكنها تحتوي على جسيم واحد مفرد عالي الإنتاج والذي ليس لديه شيء إلا الكتلة، هذا يعني أنّ المادة المظلمة يمكنها جعل نفسها معروفة من قِبل الجاذبية لكنها لا تتفاعل أبدًا مع القوى الأُخرى، ولن نلتقط على الإطلاق لمحة عن أي شيء آخر تفعله المادة المظلمة.

السيناريوهات الخيالية أكثر متعةً.

عندما يشعر الفيزيائيون بالملل يُكوِّنون أفكاراً عمّا يمكن أن تكون المادة المظلمة، والأكثر أهمية، كيف يمكننا اكتشافها، إذ يقول المستوى الأعلى لمقياس نظريات المادة المظلمة المثيرة للاهتمام، أنه يمكنها أن تتحدث أحيانًا مع المادة العادية عن طريق القوة النووية الضعيفة، تحفز هذه الفكرة للقيام بتجارب المادة المظلمة وأدوات كشفها حول العالم اليوم.

ولكن لا يزال يفترض هذا السيناريو بأنه لا يوجد أكثر من أربع قوى للطبيعة فقط. إذا كانت المادة المظلمة نوع من الجسيمات غير المرئية سابقاً، فإنه من المنطقي تماماً اقتراح (طالما ليس لدينا فكرة عن كوننا محقِّن أم لا) بأنها تأتي بحزم مع قوةً غير معروفة من الطبيعة، أو ربما زوج منها، فمن يعلم؟ ربما تسمح هذه القوة المحتملة للمادة المظلمة أن تتحدث فقط مع المادة المظلمة، أو ربما تتشابك المادة المظلمة والطاقة المظلمة (والتي لا نعرفها أيضاً)، أو ربما تفتح قناة اتصال جديدة بين المادة العادية والمظلمة من كوننا.

نهوض الفوتون المظلم


إحدى بوابات الاتصال المحتملة بين العوالم المعروفة والمظلمة هو شيء يُدعى الفوتون المظلم، والمشابه لفوتون (الضوء)، وهو الجسيم الحامل للقوى الكهرومغناطيسية المعروفة.
لا يمكننا رؤية أو تذوق أو شم رائحة الفوتون المظلم بشكلٍ مباشر، ولكن يمكنها الامتزاج مع عالمنا. في هذا السيناريو، تصدر المادة المظلمة الفوتون المظلم، والتي هي جسيمات كبيرة نسبياً، ما يعني وجود تأثيرات على المدى القصير فقط، على عكس نظائرها الحاملة للضوء. ولكن أحياناً، يمكن أن يتفاعل الفوتون المظلم مع الفوتون العادي مغيّراً طاقته ومساره.

وهذا يبدو حدثاً نادر الحدوث، من جانب آخر، سنلاحظ شيئاً غير مألوف يحدث مع القوة الكهرومغناطيسية من وقت طويل مضى.

لذلك، وحتى مع الفوتونات المظلمة، لن نكون قادرين على رؤية المادة المظلمة بشكلٍ مباشر، ولكن يمكننا ملاحظة وجود الفوتونات المظلمة من خلال اختبار شظايا التفاعلات الكهرومغناطيسية، حيث يمكن للفوتونات المظلمة في جزء صغير من ذلك الفتات أن تسرق الطاقة من الفوتون العادي من خلال التفاعل معه.

ولكن كما قلت، نحتاج إلى كثير من التفاعلات. وقد حدث أن قمنا ببناء آلات العلوم العملاقة بهدف إنتاج ذلك بالضبط، لذلك فنحن محظوظون.

في الورقة العلمية المنشورة في مجلة  arXiv، أعد الفيزيائيون تقريراً لنتائجهم بعد اختباراتهم لمدة ثلاث سنوات لبيانات Super Proton Synchrotron، ثاني أكبر مُسرِّع للجسيمات في مركز سيرن CERN.
بالنسبة لهذه التجربة، سحق العلماء بروتونات في مكافئ دون ذري من حائط قرميدي، وبحثوا في جميع الفتات الناتج بعد حدوث هذا التحطم، وضمن هذا الحطام، وجد الفيزيائيون إلكترونات، الكثير من الإلكترونات.

على مدار اختبار ثلاثة سنوات، عدّ الفيزيائيون ما يزيد عن 20 مليار إلكترون في الطاقات الأعلى من 20 غيغا إلكترون فولت. (غيغا إلكترون فولت = ألف مليون إلكترون فولت)، ولأن الإلكترونات تشحن الجسيمات وتميل إلى التفاعل مع بعضها البعض، الإلكترونات عالية الطاقة في هذه التجربة أنتجت الكثير من الفوتونات، وإذا وجدت الفوتونات المظلمة، فإنه ينبغي عليها التفاعل مع شيء ما وسرقة الطاقة من الفوتونات العادية، وستظهر هذه الظاهرة في التجربة كانخفاض في الضوء.

تبين أن هذا البحث عن المادة المظلمة فارغًا- فجميع الفوتونات العادية كانت موجودة ومعتبرة- ولكن هذا لا يستبعد احتمال وجود الفوتونات المظلمة. بدلًا من ذلك، تضع حدوداً على الخصائص المسموح بها لهذه الجسيمات، وإذا كانت موجودة، فإنها ستكون منخفضة الطاقة (أقل من غيغا إلكترون فولت، اعتماداً على نتائج تجربتهم)، ونادراً ما ستتفاعل مع الفوتونات العادية.

رغم كل ذلك، يستمر البحث عن الفوتونات المظلمة، مع تفعيل التجارب المستقبلية وحتى على المدى البعيد في هذا الكائن المفترض في العالم دون الذري.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات