عاد مُسرّع الجسيمات الكبير التابع لسيرن، أو المعروف اختصاراً بـ (LHC) إلى العمل على قدمٍ وساق ولمدة 24 ساعة يومياً، بعد أن تم تجديد شبابه، ففي يوم الأربعاء 3 يونيو/حزيران 2015، بدأ مصادم الهادرونات الكبير طوراً جديداً من التجارب بعد توقفٍ دام عامين بغرض صيانته وإصلاحه، ومن المهم الإشارة إلى أنه تم تصوير واكتشاف بوزون بروت-انغليرت-هيغز قبل عمليات الصيانة، عند أربع نقاط موجودة في هذا المجمّع العلميّ العملاق.

 
  • ما هو LHC؟
أو "مصادم الهادرونات الكبير"، هو حلقة محيطها 27 كيلومتر، مدفونة على عمق 100 متر تحت سطح الأرض على الحدود الفرنسية-السويسرية، وقد قامت منظمة الأبحاث النووية الأوروبية، المعروفة اختصاراً بسيرن (CERN)، ببناء هذا المصادم، وأدخلته إلى الخدمة في العام 2008.
 
وفي داخل هذا المصادم، تدور البروتونات (Protons) في اتجاهين متعاكسين بسرعة جنونية، تجعلها تُنجز 11,000 دورة داخل المصادم كل ثانية، وتدخل هذه البروتونات في تصادمات مع بعضها البعض عند أربع نقاط لتؤدي إلى حصول ما يقرب من مليار تفاعل، وعند نقاط الاتصال تلك، تقوم مجموعة من التجارب بتصوير وتحديد الجسيمات الناتجة عن التصادمات، سعيًا وراء كشف أسرار المادة.
 
  • ما الذي اكتشفه مصادم الهادرونات الكبير؟
في يوليو/تموز 2012، قادت تجربتان تضمّان أكثر من ألف باحث، إلى اكتشاف جسيم لم يُشاهد في السابق، وهو بوزون بروت-انغلرت-هيغز (BEH) الذي تمت تسميته نسبةً لعلماء الفيزياء الثلاثة الذين خمّنوا وجوده في العام 1964.
 
حصل كلٌ من انغلرت وهيغز على جائزة نوبل للفيزياء عام 2013، ولم يحصل عليها روبرت بروت (Robert Brout) لأنه توفي في العام 2011، ويُكمل هذا الجسيم الجدول الذي يصف الجسيمات العنصرية وتفاعلاتها والمعروف بالنموذج القياسي (le modèle standard)، كما يلعب دوراً أساسياً في شرح السبب الكامن وراء حصول الأشياء على كتلها.
 
  • لماذا توقف LHC لأغراض الصيانة؟
على مدار عامين تقريباً، طوّرت فرق من المهندسين والتقنيين المُسرّع العملاق للبروتونات عن طريق إكسابه المزيد من الطاقة، بمعدل يفوق تلك التي حصل عليها بين العامين 2009 و2013 بحوالي 60%.
 
وفي الواقع، فإن الطاقة الجديدة التي حصل عليها المصادم هي نفسها التي تمَّ بناؤه من أجلها، لكن وبسبب حادث حصل في العام 2008، أُجبر العلماء على اختيار تجارب ذات شدة أقل بكثير، حيث أكدت أنظمة الأمان والتحكم على قدرة المصادم حينها على المقاومة.
 
وفي مارس/آذار 2015، أصبح الجهاز جاهزاً، وبعد ذلك، أنجزت أولى البروتونات رحلتها على طول مساره، وفي نهاية مايو/أيار، بدأت عملية رصد التصادمات، ومنذ 3 يونيو/حزيران، صارت أشعة الجسيمات مستقرة وتُنجز تصادمات على مدار 24 ساعة وستستمر بذلك للأعوام الثلاث القادمة.
 
  • ما الذي نأمل اكتشافه؟
إنّ مجال الطاقة الذي يمسحه المصادم غير معروف بالكامل، ومن ثم فنحن نأمل اكتشاف جسيمات جديدة، والوصول إلى فيزياء جديدة تقع خلف النموذج القياسي. حيث إن هناك نظريات متوقَّعة ومحتملة، إذ تمّ التنبؤ بها بواسطة نظرية تعود إلى سبعينات القرن الماضي، تُعرف بـ"التناظر الفائق" (La supersymétrie)، حيث تتنبأ بامتلاك كل جسيم معروف لنظير له علينا اكتشافه.
 
ومن بين تلك الجسيمات، هناك جسيمان اثنان مرشحان ليكونا المادة المظلمة (La matière noire)، التي يفترض أنها تُشكّل ما يصل إلى ربع الكون وتشرح هندسة بنائه، إلا أن أحداً لم يرصد هذه المادة حتى الآن.
 
وفي الوقت نفسه، يسعى الباحثون إلى الحصول على صورٍ أدقّ لبوزون BEH سعياً وراء فهم كيفية تشكّله، وتفكّكه، فإذا كانت معدلات الإنتاج والتدمير مختلفة عن تلك التي تنبّأت بها النظرية، عندها يجب شرح هذا الأمر مثلاً، عن طريق اعتماد واستخدام نظريات جديدة.
 
على أية حال، ليس من المستحيل اكتشاف أي شيء استثنائي، إذ يُمكن لخواص الطبيعة أن تكون ظواهر جديدة لا يُمكن رصدها إلا عند طاقات أعلى بكثير. وفي الحقيقة، فإن تلك الطاقات غير متاحة للإنسان، إلا أنه ومع ذلك، يجب شرح تلك الخواص وتفسيرها.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات