الاصطدام عند السرعات العالية، الرياضيات تخالف التوقع

عند اصطدام جسم مقذوف بسرعة –مثل صاروخ- بجسم اخر –مثل سطح جبل- سينتج عن عملية الاصطدام هذه اختراق -أو محاولة اختراق- أحد الجسمين –الصاروخ- للآخر -سطح الجبل-. و كلما زادت سرعة الجسم المقذوف كلما زادت قدرته على اختراق الجسم الاخر. هذا بديهي جدا، أليس كذلك؟ نعم. أنا أيضا كنت أظن ذلك، لكن للرياضيات قول آخر، فتعالوا نرى. 


خلصت دراسة قام بها البروفيسور لو كونديك Lou Kondic، من معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا –شعبة العلوم الرياضية و الزميل النابع بجامعة دوك– شعبة الفيزياء و مركز الأنظمة اللاخطية و المعقدة، إلى أن زيادة سرعة جسم مقذوف لا تعني بالضروره زيادة في قدرته على الإختراق. و هو ما يناقض الفكرة البديهية التي أشرنا اليها في بداية هذه المقالة.


ليس هذا فحسب، بل على النقيض مما توقعنا تماما، إذ عند اصطدام جسم مقذوف بسطح حُبيبي (granular)، فإن زيادة سرعة الجسم المقذوف ستعيق عملية الإختراق بدلاً عن تدعيمها، كما ورد في تقرير باحثين نشر كمقالة بعنوان: "تصاعد القوة غير الخطية عند الاصطدام باجسام حُبيبة"، التي نشرت في Physical Review Letters 


يشرح كونديك الفكرة قائلا: "فكر فيما يحدث عادة عندما تمشي على شاطئ رملي، إن الحبيبات الرملية التي تعبر بسهولة بين اصابع قدمك، بوسعها أن تغدو جسما صلبا مكثفا تحت قدميك، بسبب وزنك". وبناءً عليه، فكلما زدنا قوة الضغط على الرمل لإختراقه زادت مقاومة الرمل ضد الإختراق. 


وقد تم تبني وتمويل نتائج بحث البروفيسور كونيدك و شركائه، أبرام هـ كلارك Abram H. Clark وأليك ج. بِترسون Alec J. Petersen وروبرت ب. بيهرينغر Robert P. Behringer، من قبل وكالة الدفاع الأمريكية للحد من التهديد -وهي إحدى وكالات وزارة الدفاع الامريكية- بسبب إمكانية تطبيق نتائج البحث للزيادة من كفاءة الأسلحة المخصصة لاختراق التحصينات -كالأهداف المخبأة داخل الارض-. أو التطبيق المعاكس عن طريق تطوير مواد محصنة ضد الإختراق للإستخدام العسكري و المدني. 


إن مساهمة كونديك في هذا المجهود البحثي كانت عبارة عن نموذج محاكاة رقمي للظاهرة. وقد عكست الأدوات التحليلة التي قدمها البيانات التجريبية التي توصل إليها في جامعة دوك. وتمثلت التجربة في إسقاط قطعة معدنية صغيرة من إرتفاع 7 أقدام نحو طبقة من الحبيبات الكهروضوئية، ذات درجات صلابة مختلفة، مما أتاح محاكاة سرعة اصطدام من 67 الى 670 ميل في الساعة. 


صورت التجربة باستخدام تقنية التصوير البطيء، الأمر الذي سمح برؤية رد فعل السطح الحُبيبي تجاه الجسم المقذوف. و كانت النتيجة: أن زيادة سرعة الجسم المقذوف تخلق شبكة من القوى الكثيفة المتسلسلة عبر الحبيبات. ونتيجة لذلك تعمل الحبيبات كجسم واحد قوي يحد من عملية الاختراق إلى حد كبير. و يكمن سبب ذلك في أن طاقة الإصطدام إنتقلت إلى الحبيبات التي قامت بنقلها بعيدا عن نقطة الاصطدام و بددتها بشكل مخالف للمتوقع.


إن معرفة الكيفية التي تنتقل بها قوة الإصطدام من نقطة الإصطدام و تبددها في تكوينات جيولوجية بعينها، قد تساعد في تحديد و معرفة خصائص المواقع التي تعرضت لاصطدام النيازك. مثل هذه الأماكن قد تُظهر أدلة على حالات اصطدام عنيف من النوع الذي أثر على الطقس أو على تطور الحياة خلال الماضي السحيق للأرض.


ومنذ العام 1999، إهتم كونديك بالمحاكاة ثنائية و ثلاثية الأبعاد للأنظمة الحُبيبية، و عمل لسنوات عديدة في هذا المجال بجامعة دوك قبل أن يلتحق بمعهد نيوجيرسي للتكنولوجيا. و كما هو معروف، فإن للمواد الحبيبية أهمية تجارية لعدد من الصناعات من مثل صناعة الدواء والزراعة وإنتاج الطاقة. و تعتبر المواد الحبيبية في المرتبة الثانية بعد الماء من ناحية الاستخدام الصناعي. 


كما يهتم كونديك، أيضا، بديناميكا الموائع، وتحديداً فيما يخص التحليل الرقمي لسريان الموائع عند مستويات النانو. و هو ما يدخل في صناعة الإلكترونيات الدقيقة وفي صناعة الخلايا الشمسية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات