خطوة أقرب إلى الديناصور الدجاجة

بما أن الطيور هم الأفراد الوحيدون الناجون من شجرة عائلة الديناصورات، لماذا لا نجري تعديلاً على الشيفرة الوراثية ونعيد الدجاجة إلى أمجادها السابقة كديناصور؟ المصدر: Karl Tate، LiveScience.com Contributor

 
أشعل الحديث عن "تشكنوسوروس" chickenosaurus العالم العلمي الأسبوع الماضي عندما أعلن الباحثون أنهم قاموا بتعديل منقار جنين دجاجة ليشبه أنف أجداده من الديناصورات، لكن على الرغم من إشادة بعض الخبراء بهذا الإنجاز، إلّا أن تعديل المنقار هو فقط أحد التعديلات العديدة اللازمة لتحويل دجاجة إلى ديناصور.
 
بالنظر إلى هذه العوائق، ما مدى قرب العلماء من خلق ديناصور دجاجة أو دينو-تشكن dino-chicken؟
 
قال جاك هورنر Jack Horner بروفيسور علم الأحافير في جامعة ولاية مونتانا، وأمين الأحافير في متحف الروكيز: "من وجهة نظر كمية نحن هناك بنسبة 50 بالمئة".
 
دعم هورنر لوقت طويل فكرة تعديل دجاجة لتبدو كديناصور، لكنه بخلاف الباحثين في آخر دراسة، يريد أن يربي دجاجة حيّة. ولماذا نتوقف هناك؟ بفهمنا كيف ومتى نقوم بتعديل بعض الآليات الجزيئية، يمكننا الحصول على تغيرات لا حصر لها كما أشار هورنر، فإن حصان وحيد القرن الذي يتوهج في الظلام ليس مستحيلاً.
 
قال هورنر أن هناك أربعة تعديلات رئيسية ضرورية لخلق التشكنوسوروس لتحويل دجاجة إلى وحش شبيه بالديناصورات، إذ سيكون على العلماء إعطاؤها أسناناً وذيلاً طويلاً، وتحويل أجنحتها إلى ذراعين ويدين. كما سيحتاج المخلوق أيضاً لفم معدل، وهو الإنجاز الذي أتمه الباحثون الذين قاموا بهذه الدراسة الأخيرة حسب قوله.
 
وقد أخبر هورنر Live Science: "بإمكاننا مقارنة مشروع دينو-تشكن بمشروع القمر، نحن نعلم أننا قادرون على فعل ذلك، لكن توجد فقط... بعض العقبات الضخمة".
 
التحديات المقبلة
أُزيلت إحدى تلك "العقبات الضخمة" في آخر دراسة نشرت في 12 أيار/مايو في مجلة Evolution، حيث حوّل الباحثون مناقير الدجاج إلى أنوف ديناصورات، ولكن حتى هذه الخطوة الصغيرة ظاهرياً استلزمت سبع سنوات من العمل، فأولاً درس الباحثون تطور المنقار في أجنة الدجاج وفي طيور الإمو، وتطور الأنف في أجنة السلاحف والتماسيح والسحالي.
 
أداء فنان للديناصور غير الطائر أنشيورنيس (على اليسار)، وطائر التينامو وهو طائر حديث بدائي (على اليمين)، مع جعل الأنوف شفافة لإظهار عظام مقدمة الفك العلوي والحنك.  المصدر: John Conway
أداء فنان للديناصور غير الطائر أنشيورنيس (على اليسار)، وطائر التينامو وهو طائر حديث بدائي (على اليمين)، مع جعل الأنوف شفافة لإظهار عظام مقدمة الفك العلوي والحنك. المصدر: John Conway
 
ويقول الباحثون أنه من المرجح منذ ملايين السنين أنه كان لدى الطيور والزواحف مسارات تطور متشابهة أعطتها أنوفاً، ولكن مع مرور الوقت أدت التغيرات الجزيئية إلى نشوء مناقير للطيور.
 
من الصعب على العلماء الحصول على أجنة من الحيوانات الحالية كالتماسيح للمقارنة لأنهم يجب أن يجدوا المزارع التي تربيها. وبعد ذلك يحدد العمل الجزيئي أي من المسارات التطورية مختلفة بالضبط، وطريقة اختلافها وما يسيطر عليها، وهو ما قد يستغرق حسب قول بارت أنجان بولار Bhart-Anjan Bhullar الباحث الرئيسي في الدراسة وعالم المستحاثات وعالم الأحياء التطوري حالياً في جامعة شيكاغو، والمعين مستقبلاً في جامعة ييل، حيث أنه سوف يبدأ العمل في هيئة التدريس بدوام كامل: "ساعات لا تحصى ومئات من التجارب للحصول على بضع التجارب الناجحة، وهو ما يشبه اكتشاف الأحافير نوعاً ما"، لأن الباحثين يحتاجون لسجل كامل من مستحاثات الطيور وأسلافها لرؤية ما كانت تبدو عليه الطيور في مراحل تطورها المختلفة.
 
كما قال بولار للايف ساينس Live Science: "يجب أن تفهم ما تتبع قبل محاولة تتبعه".
 
يركز بولار ومستشاره للدكتوراه أركات أبزانوف Arkhat Abzhanov عالم الأحياء التطوري في جامعة هارفارد وزملاؤهما على جينين اثنين يؤثّران في تطور الوجه، إذ وجد الباحثون أن كل جين يصوغ بروتيناً، لكن البروتينات التي تقوم بعمل الجينات أظهرت نشاطات مختلفة في التطور الجنيني لدجاجات وزواحف العصر الحديث، فعندما عطل الباحثون نشاط هذين البروتينين في الدجاج، طورت الطيور هياكل تشبه الأنوف لا المناقير.
 
نتائج غير متوقعة
وهناك أيضاً النتيجة غير المتوقعة التي كشفت عن المهمة المعقدة في متناول اليد: عندما حولت المجموعة مناقير أجنة الدجاج إلى أنوف، فقد غيروا أيضاً عن غير قصد حنك أو سقف فم الدجاج.
 
أفاد بولار بما يلي: "على النقيض من ذلك، كانت أحناك أجنة الطيور عريضة ومسطحة ومتصلة ببقية الجمجمة كما هي الحال في أحناك الزواحف القديمة وليس أحناك الطيور، ففي الطيور عظمة الحنك طويلة ورقيقة حقاً، وهي غير مرتبطة كثيراً بعظام الجمجمة الأخرى، في الواقع بإمكان الطيور رفع فكها العلوي بشكل مستقل عن الفك السفلي، وهي قدرة لا نراها عند معظم الفقاريات الأخرى".
 
لذا بتغيير المنقار، غير الباحثون الحنك أيضاً، فعندما عاد الباحثون إلى السجل الأحفوري وجدوا أن الأنف والعظم الحنكي يتغيران معاً خلال التطور، فعلى سبيل المثال أحفور بعمر 85 مليون سنة لمخلوق شبيه بالطيور كان لديه أسنان ومنقار بدائي كما كان لديه حنك كالطيور، حسب قولهم، لكن قال بولار أنه في أحفور أقدم، لم يتغير الحنك ولا المنقار.
 
وقال بولار أيضاً: "جزء من ذلك هو التحقق تجريبياً ما إذا كانت التغيرات الجزيئية التي نراها قادرة فعلاً على تغيير التشريح بالطرق التي توقعناها، وبطريقة تلخص التغيير الذي نراه في سجل الأحافير".
 
ولكن هدف بولار حسب قوله: "هو ببساطة أن نفهم بأعمق طريقة ممكنة الآليات الجزيئية وراء التحولات التطورية الرئيسية." فهو غير مهتم بخلق "طائر لا يطير أكثر شبهاً بالديناصورات".
 
هل سينجح هذا الأمر؟
لكن هورنر مهتم بخلق التشكنوسوروس، وتعمل مجموعته حالياً على إعطاء الدجاج ذيلاً طويلاً، وهو ما يحتمل كونه الجزء الاكثر تعقيداً لخلق الدينو-تشكن حسب قوله، فعلى سبيل المثال قاموا بفحص الجينات في الفئران لتحديد ما هي أنواع المسارات الجينية التي تعرقل نشوء الذيل. وقال إن هذه المعرفة يمكن أن تساعدهم على معرفة كيفية تغيير النمو الذيل.
 
وقال بولار أنه يبقى أن نرى كيف سيتفاعل الدجاج مع الذيل والأذرع والأصابع والأسنان.
 
مسح تصوير مقطعي لجماجم جنين الدجاج المسيطر، وجنين الدجاج المعدّل، وجنين التمساح. يُظهر جنين الدجاج الذي عُدّل البروتين فيه أنف الأسلاف.  المصدر: Bhart-Anjan S. Bhullar
مسح تصوير مقطعي لجماجم جنين الدجاج المسيطر، وجنين الدجاج المعدّل، وجنين التمساح. يُظهر جنين الدجاج الذي عُدّل البروتين فيه أنف الأسلاف. المصدر: Bhart-Anjan S. Bhullar
 
ولكن بالطرف المقابل، قد يكون الدجاج مخلوقاً لدناً، فقد قال أيضاً: "بمجرد تغيير جزء واحد لا يعني أن الحيوان سوف يتمكن من استخدامه، أو أنه سيكون قادراً على استخدامه بشكل صحيح، فربما يمكنك أن تمنح أصابعاً للدجاج، ولكن إذا لم يتوفر في الأصابع العضلات المناسبة، أو إذا لم يتم برمجة الجهاز العصبي والدماغ بشكل صحيح للتعامل مع يد ذات أصابع منفصلة، قد تضطر عندها للقيام بقدر كبير من الهندسة الإضافية، فالناس أيضاً يقللون أحياناً من أهمية مطاوعة (مرونة) الجسم، فمن المذهل مقدار التعويض الذي يحصل، والجهاز العصبي على وجه الخصوص شديد المطاوعة".
 
وقال بولار أنه إن كان من الممكن استعادة الملامح الشبيهة بالديناصورات كالأنف والأسنان، ولكنه يتساءل: "ما إذا كان الدماغ لن يعيد برمجة نفسه بطريقة تسمح لهذه الحيوانات باستخدام هذه الملامح".
 
شبّه هورنر إعطاء دجاجة ذيلاً كالديناصورات بتهجين ذئب ليصبح كلب تشيواوا، إلا إنه على مقياس زمني أسرع، وقال: "لقد حصلنا مسبقاً على جميع أنواع الحيوانات المحوّرة وراثياً فقط من التهجين، فيمكننا صنع دينو-تشكن، ويمكننا صنع حصان وحيد قرن يتوهج في الظلام، فأساساً أعتقد أنه يمكننا أن نصنع أي شيء نريده عندما نفهم الجينات. السؤال هو: لماذا يهتم أي شخص إن لم يكن مهتماً بالتشيواوا؟".
 
بالنسبة له التشكنوسوروس هو بصدد الإجابة عن السؤال الأهم.
 
وقال هورنر: "كل من لديه فضول منّا عن كيفية وصولنا جميعاً إلى هنا، ومن أين جاء كل شيء، يجب أن يهتم بالبيولوجيا التطورية، إنها أساساً مخطط الحياة على هذه الأرض".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات