استخلاص خلايا دم ديناصور من مستحاثة عمرها 75 مليون سنة

حقوق الصورة: (Moviestore/REX Shutterstock)

تنبأ فيلم الحديقة الجوراسية (Jurassic Park) الشهير بأن يستطيع الباحثون إعادة الديناصورات إلى الحياة بالاعتماد على الحمض النووي الوراثي (DNA) لهذه الكائنات، والمحفوظ داخل أمعاء بعوضة مدفونة في حجر كهرمان كانت تقتات على امتصاص الدم. وقد صدقت النبوءة إلى حد ما؛ حيث عُثر الآن على ما يبدو أنه دم ديناصور حقيقي موجود داخل عظام مستحاثة متوسطة الحجم.

تقول سوزانا مايدمنت (Susannah Maidment) من الجامعة الملكية بلندن (Imperial College London) والتي كان يحاول فريقها دراسة تحجر العظام عن طريق قص أجزاء صغيرة من الحفريات: "لقد كان عثورنا على هذه الأشياء محض مصادفة". فقد عثر الفريق على ما يشبه خلايا دموية وكولاجين (collagen) داخل مستحاثة ديناصور عمرها 75 مليون سنة، أي قبل 10 ملايين سنة من ظهور التيرانوصور، والذي يُعرف اختصاراً بـ T.rex.

وتضيف المتحدثة أنه من المستبعد احتواء هذه الخلايا على حمض نووي وراثي، ولكن الخلايا المستخلصة من مستحاثات أخرى والتي حُفِظت بشكل أفضل قد تحمل بعضاً منه (أي الـ DNA). وحتى في غياب الحمض النووي الوراثي قد تساعدنا الخلايا ذات الأنسجة اللينة على معرفة المزيد عن الخصائص الفيزيولوجية والسلوكية للديناصورات. فعلى سبيل المثال؛ يكشف الحجم المادي لخلايا الدم معلومات عن عملية الأيض (التمثيل الغذائي Metabolism) لدى هذه الحيوانات، وكذلك انتقالها المحتمل من كونها ذوات دم بارد إلى ذوات دم حار.

ومثل هذه الأنسجة العضلية الناعمة وُجدت حصراً في مستحاثات مكتشفة بالصدفة، محفوظة في ظروف نادرة جداً، كتلك المتجمدة في الجليد، أو المتواجدة في أوساط جافة خالية من الميكروبات التي من شأنها تحلل اللحم على حد قول مايدمنت.

استخلصت الخلايا الدموية من هذا المخلب تصوير: (Laurent Mekul).
استخلصت الخلايا الدموية من هذا المخلب تصوير: (Laurent Mekul).

تقول مايدمنت: "لكن المستحاثات التي عاينها فريقنا لم تكن نادرة على الإطلاق"، إذ كانت عبارة عن عظام عادية سطحية جُمعت من الموقع المعروف بـ تكوين حديقة الديناصورات (Dinosaur Park Formation) في كندا.

ولدراسة عظام تلك المستحاثة، استعار الفريق تقنية بحث طبية قائمة على شعاع أيوني مركّز (Focussed ion beam)، وهذا يعني معلومات عن كيفية تكلّس الأوعية الدموية وتسبّبها في السكتة القلبية. وكان الغرض من ذلك هو دراسة الطريقة التي تتحجر من خلالها معادن العظام، ونتائج تحلل الكولاجين في عظام الديناصور. ويقول سرجيو برتازو (Sergio Bertazzo) المساهم في البحث من الجامعة الملكية بلندن: "يعمل هذا الشعاع كالسكين، بمساعدة ذراع روبوتية مجهرية تحمل إبرة، تمككنا الإبرة من قص الأجزاء المهمة للبحث".
 

ألياف كولاجين شبيهة بتلك لدى الطيور تصوير (Sergio Bertazzo)
ألياف كولاجين شبيهة بتلك لدى الطيور تصوير (Sergio Bertazzo)

 

ولدى عمل فحص ثلاثي الأبعاد للخلايا المشابهة لخلايا الدم تحت مجهر إلكتروني؛ تبين أن هذه الأخيرة تمتلك ما يسمى نُوى (nuclei)، ومنه فإن خلايا الدم البشرية ما كان لها أن تلوث تلك العينة لأنها _أي خلايا الدم البشرية_ لا تمتلك نوى.
 

وعند قيام مايدمنت بتحليل التركيبة الكيميائية لخلايا الدم عن طريق تقنية تدعى قياس الطيف الكتلي (Mass spectrometry)، كان الطيف مشابها بطريقة مدهشة لذلك الملتقط من دم طائر حي هو الإيمو Emu، مؤكداً أنها تعود لديناصور. وقد تأمل مايدمنت الآن في بحث عينات أكثر، حيث يقول: "نريد فهم آلية حدوث عملية الحفظ هذه، وإلى أي حقبة زمنية تعود، وأي نوع من الصخور تحدث فيها".
 

وقد لاقى الاكتشاف ترحيباً من جون أسارا (John Asara) من جامعة هارفرد للطب. وهذا الأخير الذي نُقل عن فريقه سنة 2007 لإيجاده كولاجين في مستحاثة تيرانوصور عمرها 68 مليون سنة، ومستحاثة براكيلوفوصور (Brachylophosaurus) عمرها 80 مليون سنة. ويؤكد أسارا أن هذا المجال العلمي بالكاد تم توثيقه.
 

كما تقول ماري شويتزر (Mary Schweitzer) من جامعة كارولاينا الشمالية التي نقلت استخلاص دم من تيرانوصور في 2009: "بحوث مثل هذه تدفع بوتيرة تقدم هذا المجال العلمي، من خلال إظهار أن الحفريات هي أكثر من (مجرد صخور)، وفتح الأبواب أمام إمكانية بقاء مواد (مثل الدم) في مستحاثات قديمة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة مضت". وتضيف: "تبين هذه البحوث _على غرار ما توصلنا إليه_ أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بحادثة نادرة الوقوع".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات