قياس سرعة ومسافة المدار الشمسي حول مركز المجرة

في عام 2013، نشرت وكالة الفضاء الأوروبية المرصد الفضائي غايا الذي طال انتظاره، باعتباره واحداً من عدد قليل من المراصد الفضائية للجيل القادم والتي ستصعد نحو الفضاء قبل نهاية العقد الحالي، واستغرقت هذه المهمة السنوات القليلة الماضية في فهرسة أكثر من مليار جسم فلكي. وباستخدام هذه البيانات، يأمل علماء الفلك والفيزياء الفلكية إنشاء أكبر وأدق خريطة ثلاثية الأبعاد لطريق درب التبانة حتى الوقت الحاضر.

وعلى الرغم من أنها اوشكت على إنهاء مهمتها، فالكثير من معلوماتها الأولية لا تزال تؤتي ثمارها. فعلى سبيل المثال، باستخدام البيانات الأولية الصادرة للبعثة، تمكن فريق من علماء الفيزياء الفلكية من جامعة تورونتو حساب سرعة دوران الشمس بالنسبة لدرب التبانة. ومن هنا، أصبحوا قادرين ولأول مرة على الحصول على تقدير المسافة بين شمسنا ومركز المجرة بدقة.

ولبعض الوقت، لم يكن علماء الفلك متأكدين من مقدار بعد نظامنا الشمسي عن مركز مجرتنا، والكثير من هذا له علاقة بحقيقة أنه من المستحيل مشاهدته مباشرة، وذلك بسبب مجموعة من العوامل (مثل: المنظور، وحجم مجرتنا، وحواجز الرؤية). ونتيجةً لذلك، فمنذ عام 2000، قد تفاوتت التقديرات الرسمية بين 7.2 و 8.8 كيلومتر في الثانية الواحدة (ما يقرب من 23،483 إلى 28،700 سنة ضوئية).

مفهوم فني لخلفية صورة فوتوغرافية مأخوذة من التلسكوب غايا Gaia لمجرة درب التبانة، مأخوذة من المرصد الجنوبي الأوروبي.  المصادر: ESA/ATG medialab; background: ESO/S. Brunier
مفهوم فني لخلفية صورة فوتوغرافية مأخوذة من التلسكوب غايا Gaia لمجرة درب التبانة، مأخوذة من المرصد الجنوبي الأوروبي. المصادر: ESA/ATG medialab; background: ESO/S. Brunier


ومن أجل دراستهم، الفريق الذي كان يقوده جيسون هانت Jason Hunt، وهو زميل في معهد دنلاب Dunlap لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية في جامعة تورونتو، جمعوا بين إصدارات غايا الأولية والبيانات من تجربة السرعة الدورانية RAVE.

قاس هذا المسح، الذي أجري بين عامي 2003 و 2013 من قبل المرصد الفلكي الأسترالي AAO، المواقع والمسافات والسرعات الدورانية والأطياف من 500،000 نجم.

وقد تمت ملاحظة أكثر من 200،000 من هذه النجوم من قبل المرصد غايا وأُدرجت معلومات عن هذه النجوم في إصدارها الأولي للبيانات، كما أوضحوا في دراستهم، والتي قد نشرت في مجلة Journal of Astrophysical Letters في نوفمبر عام 2016، واستخدموا البيانات لفحص السرعات التي تدور بها هذه النجوم حول مركز المجرة (بالنسبة للشمس)، وفي هذه العملية اكتشفوا وجود اضطراب واضح في السرعات النسبية.

وباختصار، تتحرك شمسنا حول مركز مجرة درب التبانة بسرعة 240 كم/ثانية (ما يقرب 149 ميلاً/ثانية) أو 864،000 كم/ساعة (ما يقارب: 536،865 ميلاً في الساعة). وبطبيعة الحال، فإن أكثر من 200،000 من النجوم المرشحة تتحرك أسرع أو أبطأ، ولكن بالنسبة للبعض، لا يوجد هناك زخم أو عزم زاوي angular momentum واضح، وما يعزى إلى كون هذه النجوم مبعثرة على شكل هالة فوضوية تدور عندما تمر عبر نواة المجرة.

صورة بالأشعة تحت الحمراء من تلسكوب سبيتزر الفضائي، تظهر النجوم في وسط مجرة درب التبانة.  المصادر: ناسا / مختبر الدفع النفاث، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا/ S. Stolovy (SSC/ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا)
صورة بالأشعة تحت الحمراء من تلسكوب سبيتزر الفضائي، تظهر النجوم في وسط مجرة درب التبانة. المصادر: ناسا / مختبر الدفع النفاث، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا/ S. Stolovy (SSC/ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا)

وكما أوضح هانت في بيان صحفي صادر عن معهد دنلاب Dunlap قائلاً: "إن النجوم القريبة جداً بعزمها الزاوي من درجة الصفر هبطت باتجاه مركز المجرة، حيث تأثرت بشدة بقوى الجاذبية الشديد المتواجد هناك، والتي بعثرتهم إلى مدارات غريبة ونقلتهم بعيداً فوق مستوى المجرة، وأبعد من النظام الشمسي المجاور. ومن خلال قياس السرعة التي تدور بها النجوم المجاورة حول مجرتنا بالنسبة للشمس، يمكننا ملاحظة انعدام النجوم التي لديها سرعة نسبية سلبية معينة، ولأننا نعرف هذا الانخفاض يناظر 0 كم، يخبرنا بدوره عن مدى السرعة التي نتحرك بها".

وكانت الخطوة التالية الجمع بين هذه المعلومات مع حسابات الحركة الصحيحة لمنطقة رامي القوس أ Sagittarius A، فيعتقد أن يكون الثقب الأسود الهائل في مركز مجرتنا. وبعد تصحيح حركته بالنسبة للأجرام الخلفية، كانوا قادرين بشكل فعال على تثليث مسافة الأرض من مركز المجرة، ومن هذا استخرجوا مسافة مضبوطة مقدرة بـ 7.6 إلى 8.2 KPC، والتي تقدر بحوالي 26،745 إلى 24،788 سنة ضوئية.

الكشف عن توهج غير اعتيادي للأشعة السينية في المنطقة Sagittarius A، ثقب أسود هائل في مركز مجرة درب التبانة. المصادر: NASA/CXC/Stanford/I. Zhuravleva et al.
الكشف عن توهج غير اعتيادي للأشعة السينية في المنطقة Sagittarius A، ثقب أسود هائل في مركز مجرة درب التبانة. المصادر: NASA/CXC/Stanford/I. Zhuravleva et al.

وتستند هذه الدراسة على الأعمال السابقة التي أجراها مؤلفو الدراسة -البروفيسور راي كالبيرج prof. Ray Calberg، الرئيس الحالي لقسم الفلك والفيزياء الفلكية في جامعة تورنتو.

قبل سنوات قام هو والبروفيسور كيمو إنانن Prof. Kimmo Innanen من قسم الفيزياء والفلك في جامعة نيويورك بإجراء دراسة مماثلة، باستخدام قياس السرعة الدورانية من 400 نجم من نجوم مجرة درب التبانة.

ولكن من خلال دمج البيانات من مرصد غايا، أصبح فريق جامعة تورونتو UOFT قادراً على الحصول على مجموعة بيانات أكثر شمولاً، وتضيق المسافة إلى مركز المجرة بمقدار كبير، واستند هذا فقط على البيانات الأولية الصادرة من مهمة غايا. واستشرافاً للمستقبل، يتوقع هانت أن المزيد من البيانات الصادرة سوف تسمح لفريقه -وفلكيون آخرون- من صقل حسابتهم أكثر من ذلك.

وآخر إصدارات غايا ستكون في أواخر عام 2017، وسوف تمكننا من زيادة دقة حسابتنا لسرعة الشمس في ما يقرب من واحد كم/ثانية كما قال، الذي بدوره سوف يزيد بشكل ملحوظ من دقة قياسنا للمسافات لدينا من مركز المجرة، وأكثر من ذلك، سيتم نشر تلسكوبات ومراصد فضائية في الجيل القادم، ونتوقع أن يمدونا بثروة من المعلومات الجديدة عن عالمنا. ومن هذا، يمكن أن نتوقع أن علماء الفلك والفيزياء الفلكية سيبدأون بتسليط الضوء على عدد من الأسئلة الكونية التي لم تحل بعد.
 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الزّخم الزاوي (كمية الحركة الزاوية) (angular momentum): هي كمية فيزيائية تساوي حاصل ضرب كتلة جسم ما يدور في مدار ما بسرعته ونصف قطر مداره. وطبقا لمبدأ حفظ الزخم الزاوي، يجب أن يبقى الزخم الزاوي لأي جسم دائر ثابتا في جميع نقاط المدار، بمعنى أنها كمية محفوظة فيزيائيا فلا يمكن أن تفنى أو تنشأ من العدم. وإذا كان المدار اهليلجيا فإن نصف القطر سيتغير، وبما أن الكتلة ثابتة، وحسب المبدأ السابق، فان السرعة ستتغير، هذا يعني أن الكواكب في المدارات الاهليلجية ستكون أسرع عند الحضيض وأبطأ عند الأوج، وتمتلك الأجسام التي تدور حول نفسها أيضا زخما زاويا مغزليا.

اترك تعليقاً () تعليقات