تظهر سلسلة الصور المتحركة من مركبة ناسا الفضائية (دون Dawn) تضاريس الجزء الشمالي على الجانب المضاء بالشمس من الكوكب القزم سيريس.
حقوق الصورة: NASA/JPL-CALTECH/UCLA/MPS/DLR/IDA
أعلن علماء الفضاء الأسبوع الفائت عن اكتشاف الكوكب القزم المحتمل دي دي DeeDee، وتعني التسمية "كوكب قزم" أنه مثل بلوتو، كبير بما فيه الكفاية لافتراض وجود شكل كروي له نتيجةً لقوة الجاذبية خاصته، لكنه ليس بالكبر الكافي ليسيطر على المنطقة التي يقع فيها من الفضاء، كما أنه يدور أيضاً حول الشمس لكن على مسافة أبعد بكثير من بلوتو، فدورة واحدة له تأخذ 1100 عام، مما يجعل دي دي ثاني أبعد كوكب قزم اكتشفه علماء الفلك حتى الآن.
وقد أظهرت المجتمعات العلمية المنتشرة على الإنترنت حماسة كبيرة فيما يخص دي دي، فالعوالم الجديدة ذات خصوصية ولو كانت صغيرة، وإن كانت في النهاية لن تبدو حتماً بتلك الأهمية. يعد دي دي علمياً نقطة بيانات تضاف إلى قائمة من الأجسام الأخرى المماثلة، وهو مثل إحصاء السكان، كلما زادت القائمة كلما قلت أهمية الأفراد التي تشملها، الأمر الذي قد يبدو محزناً حقاً، لكنه دليل على أن علم الفلك يحقق النجاحات.
وكما أن تسمية الكوكب القزم أُنشأت كتصنيف منذ عقد مضى، فالأمر مسألة وقتٍ قبل أن يأتي زمنٌ لا يهم فيه إذا اكتشف أحدهم كوكباً قزماً جديداً.
الطاقة المظلمة تؤتي ثمارها
عندما بدأ عالم الفضاء ديفد غيردس David Gerdes من جامعة ميتشيغان بحثه الذي نتج عنه في النهاية هذه الصخرة الكبيرة التي يمكن أن تكون كوكباً صغيراً، إلا أن هدفه كان وما زال أكبر، فقد أراد استخدام البيانات الناتجة عن مسح للطاقة المظلمة لإيجاد "أجسام ما وراء نبتون"، وهي أي شيء يدور ما وراء نبتون، ليس كوكباً تماماً أو مذنباً. وقد بدأ بجمع نتائج عمليات الرصد من أداة مقرها في تشيلي، تدعى "كاميرا الطاقة المظلمة".
إن الكاميرا -كما قد تخمن- معنية بدراسة الطاقة المظلمة، لكن غيرديس يقول: "إن ما نقوم به بشكل أساسي هو صناعة خريطة كبيرة ومفصلة"، وفي تلك الخريطة، بحث فريق غيرديس عن نقاط من الضوء غيرت أماكنها من ليلة إلى أخرى، وهذا يشير إلى أنها أجسام صغيرة تدور حول الشمس أكثر من كونها أجسام ضخمة لامعة تتحرك بسرعة لا تصدق عبر جزء بعيد من الكون.
وفي بحث أولي لجزء يشكل واحداً بالمئة من المنطقة الممسوحة من السماء، وجدوا خمسة أجسام جديدة ما وراء نبتون، ومع هذا الدليل على فكرتهم، قرروا توسيع البحث ليشمل 2000 درجة مربعة من السماء (إذا مددت ذراعك بأكملها، فإن طرف الخنصر يغطي تقريباً درجة واحدة مربعة من السماء فقط)، وتلك الرقعة الأكبر احتوت مئات قليلة من الأجسام التي يرشح أنها أقزام، حيث برز أحدها وهو الجسم 2014 UZ22، الذي سمي باسم "دي دي" بدلاً من "القزم البعيد Distant Dwarf".
وقد رصد غيرديس وفريقه دي دي عندما كان على بعد يزيد عن 90 وحدة فلكية (90 ضعفاً لمتوسط المسافة بين الأرض والشمس)، وليظهر من ذلك البعد كان يجب أن يكون إما صغيراً ولامعاً جداً أو كبيراً وقليل الانعكاسية، وبافتراض هذه المقاييس، فعرض دي دي يقع بين 350 كيلومتراً (لامع جداً)، و1200 كيلومتر (باهت جداً).
هذا ويجب أن تساعد البيانات الجديدة -التي ما تزال في طور المعالجة والقادمة من تلسكوب ألما ALMA في تشيلي الذي يمكنه رصد الأشعة تحت الحمراء- في تحديد حجم القزم ونسبة لمعانه. كل هذا رائع، لكن الأروع هو أن الكواكب القزمة مثل دي دي يوماً بعد يوم تصبح أكثر قابلية للاكتشاف بشكل عام.
وفرة في النظام الشمسي الخارجي
لم يخفض العلماء تصنيف بلوتو لضغينة ما، إنما كانوا يضعونه في سياقه الصحيح، فعندما مكنتهم التلسكوبات ذات الإمكانات الهائلة من رؤية المزيد خارج النظام الشمسي، أدرك العلماء أن بلوتو واحد من الأجسام الجليدية والصخرية العديدة التي تستتر بعيداً عن الشمس.
في عام 2004 اكتشف علماء الفلك "سيندا" Senda، وهو بعرض 40% من بلوتو، وبعد ذلك بعام اكتشفوا "إيريس" Eris وهو جسم أكبر من بلوتو، وهذا الاسم الذي يعود لآلهة الصراع والنزاعات الإغريقية كان مناسباً له، وبدلاً من أن يقوم العلماء بتصنيف إيريس ككوكب عاشر، قام علماء الفلك في المؤتمر السجالي للاتحاد الدولي لعلم الفضاء عام 2006 بإنشاء تصنيف جديد للأجسام ألا وهو "الكوكب القزم"، وبهذا أصبح كل من بلوتو وإيريس كوكبان قزمان.
واليوم يقر الاتحاد الدولي لعلم الفضاء بخمسة كواكب قزمة هي: بلوتو، إيريس Eris، سيريس Ceres، هوميا Haumea، وميك ميك Makemake. يصرح مايك براون Mike Brown الذي يلقب نفسه بـ "قاهر بلوتو"، بوجود ستة أجسام أخرى "من المؤكد تقريباً" أنها كواكب قزمة، وموقعه على الشبكة يضع قائمة بألف جرم آخر تقريباً بحالة كوكب قزم، تتراوح بين "مرشح بدرجة عالية" إلى "محتمل" أن يكون قزماً.
لذا، فإن كان إيجاد كوكب قزم جديد محتمل كدي دي فعلاً جديراً بالثناء، فإضافته إلى قائمة الكواكب القزمة الآن فقط عبارة عن: إضافة إلى القائمة.
الإحصائيات هامة
إن الانتقال من حب الاستطلاع إلى مجرد قائمة تصنف الأشياء ليس شيئاً يستوجب الاستياء، وهو ما يوافق عليه غيرديس (ففي النهاية وجد الجسم أثناء بحثه عن غيره).
فالجسم المنعزل يمكن أن يكون منفصلاً بعيداً، لكنه إن وجد مع مجموعة، يمكن للعلماء دراسة التجمع والتمكن من تعميم النتائج. ولهذا السبب، تقوم الحكومة بأخذ إحصاء للسكان بدلاً من نشر 350 مليون سيرة حياة، وأيضاً لهذا السبب لا تضم التجربة الطبية مشاركاً واحداً فقط. وبالتحول إلى شيء يمكن قياسه ضمن تجمع، تشترك الكواكب القزمة بشكل كبير مع باقي الأجسام الفضائية مهما كانت.
كم من النجوم يمكنك أن تسمي؟ وكم من المجرات؟
يقول عالم الفلك وليام كيل willian keel: "من المتعارف عليه في علم الفضاء أن الجرم الوحيد من نوعه هو أمر مميز، أما وجود عشرة منه فإنها مجرد عينة إحصائية متينة".
وقد أعلن العلماء لتوهم الشهر الفائت بأن الكون يحوي عشرة أضعاف المجرات التي كانوا يعتقدون وجودها سابقاً، وصولاً إلى الحد الذي يتراوح بين 200 مليار إلى 2 تريليون مجرة. ولفعل ذلك، لم يقم العلماء حقيقة باكتشاف مليارات المجرات الجديدة، لكنهم قاموا ببساطة بالنظر بعمق في السماء والاستنباط، فالعلماء يعرفون بما فيه الكفاية عن المجرات، ويعرفون ما يكفي من المجرات ليتعاملوا معها رياضياً.
إن الأجسام الفضائية -من الصخور الفضائية إلى الأنظمة النجمية- هي أكثر قابليةً للملاحظة كأجسام مفردة عندما لا يتوقع العلماء وجودها، ووجب عليهم ممازجة البيانات للوصول إلى تفسير، والممازجة هنا تعني البحث عن المزيد من الأمثلة للوصول إلى حالة "عينة إحصائية متينة"، ومن ثم تطبيق العلم الإحصائي عليها.
الكواكب القزمة تفسر الكون
دي دي لوحده كوكب لامع يقبع بعيداً جداً، لكنه -برفقة كواكب قزمة أخرى وأجسام ما وراء نبتون- يمكنه أن يعيد تحديد العناصر التي نشأ منها النظام الشمسي. إن دي دي وبلوتو وهوميا Haumea وميك ميك Makemake وسيريس Ceres، وكل الكواكب القزمة المستقبلية التي ستحصل على تسمية على شكل رقم، كلها عبارة عن بقايا مكونات النظام الشمسي، فهي مع ما يرافقها شبيهة بغبار السكر والطحين الذي يبقى على منضدة العجن بعد صنع رقائق البسكويت من العجينة.
يقول غيرديس: "إنها نوع من المزيج الأولي من الأشياء التي شكلت بقية الكواكب"، ويكمل: "ولذا، فبدراستهم ودراسة كيفية توزعهم وما هي أحجامهم ومكوناتهم وديناميكية مداراتهم، يمكننا أن نعرف عن ذاك السديم الشمسي الأولي الذي نشأ منه كوكبنا والكواكب الأخرى".
وحتى الآن لم تنته المفاجآت بعد، فالعلماء حتماً سيجدون كواكب قزمة وتحت قزمة ستدفعهم للقول متسائلين: "ماذا؟"، وسيجتمعون وسيشمل اجتماعهم مجموعة من السجالات، وفي النهاية سيتفقون على إنشاء تصنيفات فرعية أخرى لتفسير واحتواء هذه العوالم الصغيرة، الجديدة والغريبة.
يقول غيرديس إن دي دي اكتشاف مبهج بحد ذاته، لكنه أيضاً إثبات استدلالي، فلأنهم وجدوا دي دي فبإمكانهم إيجاد المزيد من الأشياء مثل دي دي، المزيد مثل بلوتو وميك ميك وكل هذه الأجسام -التي هي بمثابة الطحين والسكر المتناثرين- قد تكشف لنا يوماً ما عن أسرار النظام الشمسي.