أكثر الجسيمات مراوغة في الكون تثبت بأن أينشتاين كان على صواب!

تمثيل فني يُظهر حركة الجسيمات دون الذرية. وقد فحص علماء النيوترينو النيوترينوات التي اكتشفها مرصد آيس كيوب، ووجدوا بأن هذه الجسيمات تخضع لتنبؤات نظرية آينشتاين النسبية. حقوق الصورة: Shutterstock

مرةً أخرى، أظهرَ العلماء صحة النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، ويعود الفضل في ذلك لكاشف جسيمات مدفون عميقًا أسفل القارة القطبية الجنوبية.

فقد اختبر علماء من مرصد آيس كيوب غيغاتون للكشف عن النيوترينو IceCube Neutrino والواقع أسفل القارة القطبية الجنوبية، جُسيمًا دون ذري يُدعى بالنيوترينو، وهو جسيم مراوغ عديم الشحنة يبلغ حجمه حجم الإلكترونات.

تساءل الباحثون عمّا إذا كانت هذه الجسيمات الصغيرة ذات الطاقة العالية، ستنحرف عن السلوك الذي توقعته النظرية النسبية الخاصة لها. وقد اختبروا بشكلٍ خاص ما يدعى بـ"تناظر لورنتز" Lorentz symmetry، وهو المبدأ الفيزيائي الذي ينصّ على أن قوانين الفيزياء لا تتغير بغضّ النظر عن سرعتك أو اتجاهك. فسواءً كُنت رائد فضاء تسافر في الفضاء بسرعة مليون ميل في الساعة، أو حلزون يمشي ببطء على الأرض بجزء صغير من تلك السرعة، فإن القوانين نفسها ستسري عليك.

تتواجد النيوترينوات في كل مكان في الفضاء، ولكنّها تنتقل عبر الكون بعزلة ونادرًا ما تتفاعل مع المواد الأخرى. وتتذبذب النيوترينوات المحلقة في الفضاء بين ثلاث حالاتٍ مختلفة، وهو ما يطلق عليه الفيزيائيون "النكهات" (Flavors) وهي: الإلكترون والميون والتاو. وتتحول النيوترينوات عندما تتفاعل مع الجليد أسفل المرصد إلى ميونات، وهي جسيمات مشحونة، وبالتالي يمكن التعرّف عليها بواسطة الكاشف الواقع أسفل الجليد.

وإن كان مبدأ لورنتز ساريًا، فهذا يعني بأن جسيم نيوترينو ذا كتلة معيّنة يجب أن يتذبذب بمعدّلات متوقعّة، ويعني ذلك بأنّ النيوترينو يجب أن يقطع مسافة محددة مسبقًا قبل أن يتحول إلى ميون. وأي تعارض مع هذه النسبة قد يُشير إلى أن كوننا لا يعمل بالطريقة التي تنبأ بها آينشتاين. 

يقول المؤلف الرئيس في الورقة كارلوس أرغييس Carlos Argüelles، وهو عالم في فيزياء الجسيمات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT): "يُمكن أن نشبّه النيوترينوات بمسبارات دقيقة وحساسّة لرصد تأثيرات الزمكان، وهذا ينطبق على الانتهاكات التي يُمكن أن تحدث في مبدأ لورنتز".

ويصرح أرغييس لموقع Live Science: "يُمكن للنظريات أن تُهدم، ويمكن أيضاً أن تمتلك تأثيرات جديدة لدى النظر إلى قطاعات جديدة".

يُضيف أرغييس: "لطالما بحثَ العلماء عن أدلة تثبت انتهاك مبدأ لورنتر في عدد من الحالات، وذلك من الفوتونات وحتى الجاذبية. ولكنّهم دائمًا ما كانوا يخرجون خاليي الوفاض. ولكنّ يستطيع العلماء الآن باستخدام النيوترينوات استكشاف هذا النظام الجديد ذي الطاقة العالية والذي لم يُستكشف مُسبقًا".

راجع أرغييس وزملاؤه بيانات هامة جمعها مرصد آيس كيوب على مدار سنتين تتعلق بالنيوترينوات. ولكن لم يسفر عن بحثهم اكتشاف أي أدلة على انتهاك لمبدأ لورينز حول النيوترينوات ذات الطاقة العالية.

و تقول جانيت كونراد Janet Conrad الكاتبة المساعدة في الورقة، والفيزيائية في معهد (MIT) في تصريحٍ لها: "يطوي ذلك صفحة احتمالية حدوث انتهاك لمبدأ لورتنز فيما يتعلق بالنيوترينوات عالية الطاقة، وذلك لوقتٍ طويل".

وقد أتاحت هذه النتائج للباحثين حساب أي شيء يتفاعل مع النيوترينوات عند مستوى طاقة أعلى من 10 مرفوع للقوة -36 للتربيع غيغا إلكترون فولت (Gev)، وسيبدو بأنه يخضع للقواعد المألوفة لتذبذب النيوترينوات. وهذا يعني بأن مبدأ تناظر لورينز ما يزال يعمل كما هو متوقع.

ومن هذا المُنطلق، ستتفاعل جسيمات النيوترينو متناهية الصغر مع المادة في مستوى طاقة يبلغ نحو 10 مرفوعة للقوة -5 غيغا إلكترون فولت للتربيع، والذي لا يزال تفاعلا ضعيفًا جدًا، ولكنه أكبر بـ 10 نونيليون (عشرة مرفوعة للقوة 30) مرة من الحد الجديد السابق.

تقول كونراد: "لقد تمكنّا من وضع الحد الأكثر صرامة ودقة حتى الآن فيما يتعلق بمدى القوة التي يمكن أن تتأثر بها النيوترينوات بالاختراق المحتمل لحقل لورنتز".

ويقول أرغييس: "عندما توفي أينشتاين لم تكن النيوترينوات قد اكتُشِفت بعد، ولكنّه تمكّن بأي حال من الأحوال من التنبؤ بسلوك هذه الجسيمات، الأمر الذي أجده مُذهلًا! حتى هذه اللحظة لم نجد أي دليل حول إشكال في النظرية نسبية الزمكان لآينشتاين".

وعلى الرغم من ذلك، يخطط أرغييس وزملاؤه الباحثون للاستمرار في استكشاف الظواهر عالية الطاقة، كحدوث انتهاك لمبدأ لورنتز. وعلى حدّ قول أرغييس، فإنه من خلال اكتشاف شروط جديدة لهذه الظواهر، يُمكن حينها أن نجد أموراً هامة لم تكن كذلك في البداية.

نشر الفريق نتائج البحث في يوم 16 تمّوز/يوليو في مجلة "نيتشر" للفيزياء، ويمكن الاطّلاع عليها من هنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات