تجسيد حالات غريبة في الحواسيب الفائقة

الحواسيب الفائقة هي حواسيب قادرة على معالجة كم هائل من البيانات بسرعة كبيرة جداً. يحاول العلماء  وباستخدام هذه الحواسيب الكشف عن خواص المواد التي سوف تستخدم لاحقا في تصنيع ترانزستورات  مناسبة لعصر الحوسبة الكمومية.


استخدم العلماء حواسيب فائقة بهدف إيجاد نوع جديد من المواد، التي تمتلك حالة غريبة تُعرف بمفعول هول السبيني الكمومي  (quantum spin Hall effect)، ونشر الباحثون نتائجهم في عدد ديسمبر/كانون الأول 2014 من مجلة Science، حيث اقترحوا نوعاً جديداً من الترنزستورات المصنوعة من تلك المواد.

 

ضم الفريق العلمي كلً من جو لي (Ju Li) و ليانغ فو (Liang Fu) شاوفنغ كيان (Xiaofeng Qian) وجونوي ليو (Junwei Liu)، وهم خبراء في الأطوار الطوبولوجية للمادة وفي أبحاث المواد ثنائية الأبعاد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT). قام الباحثون بحساب البُنى الالكترونية للمواد باستخدام حاسبي ستامبيد ولونستار الفائقين، والموجودين في مركز الحساب المتطور في ولاية تكساس.

 

تم توزيع الحسابات عبر "بيئة الاكتشاف المتطرف الهندسي والعلمي" (XSEDE)، وهي عبارة عن نظام افتراضي تُموله مؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، التي يستخدمها العلماء من أجل التبادل الفعال ومشاركة مصادر الحساب، والبيانات والخبرات. وُمولت الدراسة من قبل وزارة الطاقة الأمريكية وNSF.

 

يقول شاوفنغ كيان: "بالنسبة لي، تحمل مصادر الحساب الوطنية مثل XSEDE، أو بشكل خاص الحواسيب الفائقة ستامبيد ولونستار، أملاً كبيراً جداً بالنسبة لعلماء الحوسبة". في يناير/كانون الثاني 2015، غادر كيان معهد ماساشوستس متجها إلى جامعة تكساس ليشغل منصب أستاذ مساعد في قسم علوم المواد والهندسة المُؤسس حديثاً.


ما قام كيان وزملاؤه بفعله هو عمل نظري بالكامل، وذلك باستخدام ستامبيد في جزء من الحسابات، التي نمذجت التفاعلات الحاصلة بين ذرات المادة الجديدة، المعروفة بكونها معدن انتقالي ثنائي الأبعاد، أو دايكالكوجينايت (dichalcogenides-TMDC). استخدم كيان برمجيات محاكاة ديناميكا الجزيئات، المعروف بـ Vienna Ab initio Simulation Package، من أجل نمذجة وحدة خلوية من الذرات، التي تُعتبر لبنات البناء الأساسية للشبكة البلورية لـ TMDC.

 

يقول كيان: "إذا ما قمت بالنظر إلى وحدة خلوية، فإنها لن تبدو كبيرة. فهي عبارة عن بضعة ذرات فقط. مع ذلك، تكمن المشكلة في الحاجة إلى التنبؤ ببنية نطاق حاملات الشحنة في حالاتها المثارة، وبوجود اقتران سبيني بقدر ما هو ممكن".

 

وضع العلماء مخططاً لبنية النطاق الالكتروني للمواد، وذلك بقصد رؤية المجالات الطاقية المسموحة لالكترون ما، وبرهنوا على وجود فجوة نطاق توضح المناطق المحظورة، التي تقوم بشكلٍ أساسي بمنع تدفق التيار، ويُنسب الاقتران السبيني (Spin coupling) إلى التفاعلات الكهرومغناطيسية بين سبين الالكترون والحقل المغناطيسي، الناجم عن حركة الالكترون حول النوى.


يكمن التعقيد في تفاصيل هذه التفاعلات، التي طَبَّق عليها كيان نظرية اضطراب الأجسام العديدة (many-body perturbation theory)  مستخدماً تقريب GW، وهي طريقة متقدمة جداً لحساب البُنى الالكترونية شبه الجسيمية المكونة من الالكترونات والثقوب -علماً أن G اختصار لتابع غرين، وW إشارة لتفاعل كولون وفقاً لكيان.

 


 

يُوضح هذا المخطط المفهوم، الموجود وراء تصورات فريق MIT، نوع جديد من الأجهزة الالكترونية المعتمدة على المواد ثنائية الأبعاد. فالمادة ثنائية الأبعاد موجودة في وسط "السندويشة" متعددة الطبقاًت، حيث يوجد طبقة من مادة نتريد البورون في الأعلى والأسفل (وهي موضحة باللون الرمادي). وعندما يُطبق حقل كهربائي على المادة، عبر المساحات المستطيلة الموجودة في الأعلى، فإنه يبدل الحالة الكمومية للطبقة الوسطى (المساحات الصفراء).

 

تلعب حدود هذه المناطق المتبدلة دور أسلاك كمومية مثالية، مما يُقدم أجهزة الكترونية جديدة تتمتع بفقدان أقل.

 

 

يقول كيان: "من أجل القيام بإجراء هذه الحسابات لاستخلاص نتائج مقبولة، كان علينا استخدام 96 نواة وفي بعض الأحيان، أكثر من ذلك. بعد ذلك، علينا العمل معها لـ 24 ساعة. حاسوب ستامبيد فعال جداً وقوي. والعمل الذي نقوم بإيضاحه هنا لا يتضمن مادة واحدة فقط، وإنما لدينا بضعة مواد أخرى، بالإضافة إلى شروط مختلفة. وباستخدام هذا المنطق، فإن الوصول إلى المصادر، وخصوصاً ستامبيد هو أمر مفيد جداً لمشروعنا".

 

تتضمن الصورة الكبيرة لكيان وزملاؤه، اصطياد أنواع جديدة من المواد التي تتمتع بخواص مفيدة واستثنائية. وتمثل هدفهم بالحصول على عوازل هول السبينية الكمومية عند درجة حرارة الغرفة، وهي في الأساس مواد ثنائية الأبعاد تقريباً وتمنع تدفق التيار في كل الأمكنة، عدا حوافها. يشرح كيان: "على طول الحواف، لديك ما يُعرف بتدفق الالكترونات، ذات السبين العلوي، التي تتدفق في اتجاه معين. وفي الوقت نفسه، لديك الالكترونات، ذات السبين السفلي، التي تتدفق بعيداً وفي الاتجاه المعاكس. بشكلٍ أساسي، يُمكنك تخيل أننا حصلنا على ما يُعرف بالالكترونيات السبينية (spintronics)، وذلك عبر التحكم بحقن حاملات الشحنة".


اقترح العلماء في هذا العمل ترنزستوراً طوبولوجياً مصنوعاً من صفائح البورون سداسية الشكل، وهي متشابكة مع صفائح TMDC. يقول كيان: "وجدنا طريقة مناسبة للتحكم بالطور الطوبولوجي الانتقالي، الموجود في هذه الطبقات الكمومية المتداخلة. هذا الأمر مهم جداً لأنه حالما نحصل على هذه القدرة للتحكم بطور الانتقال، يُمكننا تصميم بعض الأجهزة الالكترونية، التي نستطيع التحكم بها بسهولة باستخدام الحقول الكهربائية".

 

أكدَّ كيان على أن هذا العمل يضع أرضية نظرية للتجارب المستقبلية الحقيقية، التي ستجري في المختبر. ويأمل أن يُطور إلى ترانزستور فعلي ومناسب للحاسب الكمومي، وهو جهاز يتلاعب ببيانات تقع خلف النظام الثنائي، المتمثل بالصفر والواحد فقط.

 

وفي النهاية، يُضيف كيان: "مع ذلك، لايزال الجمع بين هذه المواد والمواد فائقة الناقلية ممكناً، مما يسمح بالتوصل إلى ما يُعرف بوضع الصفر (فيرميون ماجورانا) للحواسب الكمومية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مفعول هول السبيني (spin Hall effect): تحدث هذه الظاهرة عندما تخضع الإلكترونات لشروط ثلاثة معينة في الوقت نفسه: فهي حبيسة سطح فاصل بين بلورتين شبه موصلتين، بحيث إنها لا تستطيع الحركة إلا في بعدين فقط «منبسط»، ومبرَّدة حتى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، وخاضعة لحقل مغنطيسي عال. يُسبب الحقل المغنطيسي جَرْف الإلكترونات جانبيا بالنسبة لاتجاه جريان التيار. فينشأ نتيجة لذلك ڤلطية (جهد) جانبية أو قوة تدفع الإلكترونات جانبيا. وإذا ازداد الحقل المغنطيسي ازدادت هذه الڤلطية أيضا، ولكن ليس بصورة خطية، بل سيزداد بصورة دَرَجية بالضبط. تدعى هذه الظاهرة مفعول هول الكمومي وتُعدّ سمة (بصمة) لطور مميز جديد للمادة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات