سيناريوهات مرعبة: كيف يعرف العلماء أنّ تغير المناخ يحدث الآن؟

أصبح الطقس المتطرف مألوفا أكثر من أي وقت مضى.

المصدر: محمد الحويطي/ رويترز


سيضع مؤتمر باريس للمناخ الدول ضد بعضها البعض، وسيطلق حجج ضخمة على السياسات الاقتصادية والأنظمة الخضراء وحتى خيارات نمط الحياة الشخصية. لكن شيئاً واحدًا لا يقبل النقاش: الدليل على "تغير المناخ" (climate change) لا لبس فيه.

لا نزال مسيطرين على المستقبل، غير أن مقدار تغير أنماط الطقس وتواتر الأحداث المناخية المتطرفة يعتمد على مدى ازدياد "غازات الدفيئة" (greenhouse gas) التي تنبعث منا. فنحن لا نواجه نهاية العالم كما هو متوقَّع من قبل العديد من خبراء البيئة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات الميلادية، ولكن إذا لم نفعل شيئًا للتخفيف من تغير المناخ سوف يعاني المليارات من الناس.

أسباب تغير المناخ


تمتص غازات الدفيئة بعضًا من الإشعاع الحراري المنبعث من سطح الأرض، وتبعثه من جديد وتسخن الغلاف الجوي في الأسفل. وغاز الدفيئة الأكثر أهمية هو بخار الماء، يليه ثاني أكسيد الكربون والميثان، ودون وجود دفئهم في الغلاف الجوي فإن متوسط ​​درجة حرارة سطح الأرض سيكون حوالي -20° درجة مئوية. 

وفي حين أن العديد من هذه الغازات تحدث بشكلٍ طبيعي في الغلاف الجوي، فإن البشر مسؤولين عن زيادة تركيزها من خلال حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات والتغييرات الأخرى في الاستفادة من الأرض. وتبيِّن سجلات فقاعات الهواء في الجليد في القطب الجنوبي القديم، أن ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة تتواجد الآن في أعلى تركيزاتٍ لها منذ أكثر من 800 ألف سنة.

الخط العمودي الأسود على اليمين ليس نهاية الرسم البياني - إنه يمثل 200 سنة من الزيادة السريعة لثاني أكسيد الكربون CO2.  المصدر: معهد سكريبس،Scripps Institution, CC BY-SA
الخط العمودي الأسود على اليمين ليس نهاية الرسم البياني - إنه يمثل 200 سنة من الزيادة السريعة لثاني أكسيد الكربون CO2. المصدر: معهد سكريبس،Scripps Institution, CC BY-SA



 الأدلة على تغير المناخ


تعرض اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) ستة خطوط رئيسية من الأدلة على تغير المناخ:
 

  1. لقد تتبعنا الزيادة الأخيرة التي لم يسبق لها مثيل في كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وغيره من غازات الدفيئة منذ بداية الثورة الصناعية.
     
  2.  نحن نعلم من القياسات المخبرية والجوية أن هذه الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري تمتص الحرارة بالفعل عند تواجدها في الغلاف الجوي.
     
  3.  لمسنا زيادة كبيرة أيضاً في درجات الحرارة في العالم بما لا يقل عن 0.85 درجة مئوية، وارتفاع في مستوى سطح البحر بحوالي 20 سم خلال القرن الماضي.
     
  4.  قمنا بتحليل آثار الأحداث الطبيعية على المناخ مثل البقع الشمسية والانفجارات البركانية، وعلى الرغم من أن هذه التأثيرات ضرورية لفهم نمط التغيرات في درجات الحرارة على مدى الـ150 سنة الماضية، إلا أنها لا يمكن أن تفسِّر مجرى الاحترار بشكل كامل.
     
  5.  لاحظنا تغييرات كبيرة في النظام المناخي للأرض بما في ذلك انخفاض تساقط الثلوج في نصف الكرة الشمالي، وتراجع الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية، وتراجع الأنهار الجليدية في جميع القارات، وتقلُّص المنطقة المغطاة "بالتربة الصقيعية" (permafrost) أو منطقة التجمد الدائم وتزايد عمق طبقتها النشطة. وكل هذه التغييرات تتفق مع ارتفاع درجة حرارة المناخ العالمي.
     
  6.  نحن نتتبع الطقس العالمي باستمرار، وشهدنا تحولات كبيرة في أنماط الطقس وزيادة في الظواهر المتطرفة في جميع أنحاء العالم. تغيرت أنماط الهطول (precipitation) (هطول الأمطار وتساقط الثلوج)، وأصبحت أجزاء من أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وشمال ووسط آسيا أكثر رطوبة، في حين أن منطقة الساحل في أفريقيا الوسطى وجنوب أفريقيا والبحر المتوسط ​​وجنوب آسيا أصبحت أكثر جفافاً. 
     
  7. صارت غزارة الأمطار أكثر تواتراً، بالإضافة إلى حدوث الفيضانات الكبيرة. ونرى أيضاً المزيد من موجات الحرارة. فوفقاً للإدارة الأمريكية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) بين عام 1880 وبداية عام 2014، فإن الـ 19 عاماً الأكثر دفئًا في السجل حدثت كلها في غضون العشرين سنة الماضية؛ ومن المتوقع أن يسجل عام 2015 أدفأ عام مسجَّل من أي وقت مضى.


 ما يخبئه المستقبل


سيؤدي الحرق المستمر للوقود الأحفوري حتماً إلى المزيد من الاحترار المناخي. ويكمن تعقيد النظام المناخي في صعوبة التنبؤ بمدى الاحتباس الحراري، خاصةً أن المجهول الأكبر هو كم مقدار غازات الدفيئة التي تنبعث منا باستمرار.

وقد وضعت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية مجموعة من السيناريوهات للانبعاثات أو "مسارات التركيز التمثيلية" (Representative Concentration Pathways) أو اختصاراً RCPs، لدراسة مدى التغيُّر الممكن للمناخ في المستقبل، باستخدام سيناريوهات تتراوح بين العمل على النحو المعتاد وحتى سيناريوهات خفض الانبعاثات القوية ذات المدى الطويل، وتشير توقعات نموذج المناخ بأن درجة الحرارة السطحية المتوسطة العالمية قد ترتفع بنسبة تتراوح بين 2.8 و 5.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الـ 21. وحتى لو تحققت كل تعهدات الدول الحالية المقدَّمة في مؤتمر باريس فإننا سنظل في نهاية الجزء السفلي من هذا النطاق.


تغير متوسط درجة حرارة سطح الأرض حول العالم. المصدر: IPCC، (مقدمة من الكاتب الأصلي).
تغير متوسط درجة حرارة سطح الأرض حول العالم. المصدر: IPCC، (مقدمة من الكاتب الأصلي).


ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر بنسبة تتراوح بين 52 و 98 سم بحلول عام 2100، مما يهدد المدن الساحلية، ومناطق الدلتا المنخفضة والدول الجُزُرية الصغيرة. ومن المتوقع كذلك أن يستمر الغطاء الثلجي والجليد البحري في الانخفاض، وتشير بعض النماذج إلى أن القطب الشمالي قد يصبح خالياً من الجليد في أواخر الصيف في الجزء الأخير من القرن الـ 21. ومن المتوقع أن تزداد موجات الحر والجفاف والمطر الشديد ومخاطر الفيضانات، مما يُهدد النظُم البيئية والمستوطنات البشرية والصحة والأمن. وأحد مواطن القلق الرئيسة هي أن زيادة الحرارة والرطوبة يمكن أن تجعل العمل البدني في الخارج مستحيلاً.

ارتفاع متوسط ​​مستوى سطح البحر في العالم المصدر: IPCC، (مقدمة من الكاتب الأصلي).
ارتفاع متوسط ​​مستوى سطح البحر في العالم المصدر: IPCC، (مقدمة من الكاتب الأصلي).


ومن المتوقع أيضاً أن تختلف التغيرات في هطول الأمطار من مكان إلى آخر. وذلك بأن يزداد متوسِّط ​​هطول الأمطار على مدار السنة في مناطق خطوط العرض العليا (المناطق الوسطى والشمالية من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية)، في حين من المتوقع بأن ينخفض بنسبة تصل إلى 20٪ في معظم المناطق البرية شبه الاستوائية مما يزيد من خطر الجفاف.

ربما تواجه المخلوقات والنظم البيئية في أجزاء أخرى كثيرة من العالم ظروف مناخية في حدود نطاقاتها المثالية أو المقبولة أو أكثر من ذلك. وقد أدى استخدام الأراضي البشرية للتحويل من أجل الغذاء والوقود والألياف والأعلاف، بالإضافة إلى الصيد المستهدف والحصاد، إلى انقراض بعض أنواع المخلوقات بمعدل أعلى بنحو 100 إلى 1000 مرة من المعدلات القديمة. سيؤدي تغير المناخ إلى تسريع الأمور فقط.


 ليس لدينا الكثير من الوقت


هذا هو التحدي الذي يواجه قادة عالمنا. للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من الدرجة المتفَّق عليها 2 درجة مئوية، يجب أن تصل انبعاثات الكربون العالمي إلى ذروتها في العقد المقبل، ويجب أن تكون سلبية من 2070 فصاعداً: يجب أن نبدأ بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وعلى الرغم من مفاوضات تغير المناخ في الثلاثين سنة الماضية، لم يكن هناك انحراف في انبعاثات غازات الدفيئة من مسار الأعمال المعتادة، ويشعر الكثير بأن حفظ الاحترار العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية سيثبت استحالتها. قدمت الإخفاقات السابقة -وعلى الأخص في كوبنهاغن في عام 2009- نكسة انخفاض عالمي مؤثر في الانبعاثات بنسبة لا تقل عن عشر سنوات. باريس في الجهة الأخرى، قدمت بصيصاً من الأمل.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الإدارة الوطنية للغلاف الجوي والمحيطات (NOAA): وهي منظمة حكومية أمريكية تعنى بدراسة الغلاف الجوي والمحيطات، وNOAA اختصار لـ National Oceanic and Atmospheric Administration.
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات