أوراق النباتات الأحفورية تشير إلى خطورة الاحترار العالمي

هذه المسام لوزية الشكل الموجودة داخل ورقة نباتية عمرها 64.5 مليون سنة، يمكنها مساعدتنا في حساب كمية ثاني أكسيد الكربون في ذلك الوقت.

عندما يتعلق الأمر بثاني أكسيد الكربون (CO2) والمُناخ، قد يفيدنا النظرَ إلى الماضي، حيث البداية. نعلم أنه إن لم يحدث تغيير جذري في الاستهلاك البشري الشره للوقود الحفري، فإن مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيستمر في الارتفاع، وتزداد مشكلة الاحترار العالمي تعقيدًا.

 

ولكن هذه ليست المرة الأولى لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض. فقد تمكن العلماء من رؤية آثار خافتة لدورة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ووجدوا أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ترتفع وتنخفض منذ قديم الزمن في موجات من تغير المناخ. 

قالت دانا روير Dana Royer الباحثة في علم المناخ القديم paleoclimatology في جامعة وسلن Wesleyan University، إن كل شريحة صغيرة في الأرض هي تجربة مكررة، وأن معرفة ذلك تساعدنا في فهم إلى أين يمكن أن يقودنا هذا في المستقبل القريب.

إن المشكلة التي كانت تواجه العلماء، هي أن الطرق التي يأتون بها بالمعلومات عن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض في الأزمنة القديمة، فيها الكثير من المعوقات التي كانت تمنعهم من رؤيةٍ واضحةٍ للماضي، ولكن العلماء الآن وجدوا تقنية جديدة لمعرفة مستويات ثاني أكسيد الكربون من حفريات أوراق النباتات، وهذه التقنية يمكنها إيجاد معلومات عن أزمنة أقدم، كما أن النتائج تكون أكثر دقة. 

يقول ديفيد بيرلنج David Beerling الباحث في الكيمياء الحيوية في جامعة شفيلد University of Sheffield بالمملكة المتحدة، والذي ساهم في تطوير هذه التقنية المعروفة باسم تقنية تبادل الغازات في حفريات أوراق النباتات fossil leaf gas exchange technique، إن هذه الطريقة واعدة جدًا في الوقت الحالي، وأنها أفضل الطرق المتاحة حاليًا، وأضاف أن هذه التقنية قامت بالفعل بحل ألغاز متعلقة بمناخ الأرض في الأزمنة القديمة، لتعطينا أخبارًا مقلقةً عن المستقبل.

ففي الشهر الماضي في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي بسان فرانسيسكو في كاليفورنيا، بيتر فرانكس Peter Franks من جامعة سيدني University of Sydney في أستراليا، وهو أحد الرائدين في هذه التقنية، قام بتجربتها لحل أحد ألغاز المناخ، فمنذ 66 مليون عام عند حدوث التصادم النجمي الذي أدى لانقراض الديناصورات، كانت الغابات الاستوائية تنمو عند خطوط العرض الحارة.

 

وفي الدراسات السابقة، كان يعتقد العلماء أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في تلك الفترة أقل من المستويات الحالية بـ 350 جزءًا في المليون تقريبًا، وهو على ما يبدو مستوى منخفض لدرجة لا تسمح بارتفاع درجة الحرارة اللازمة لنمو هذه الغابات، وعندما قام فرانكس وزملاؤه بتطبيق هذه التقنية في كاسل روك Castle Rock بالقرب من دنفر Denver والتي كانت غابة استوائية ذات مرة، وجدوا أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد 1.5 مليون عام من التصادم تقترب من 650 جزءًا من المليون، وهو مستوى أكثر قبولًا من السابق.

وقال فرانكس إنه وجد رسالة تحذيرية عند تطبيق هذه التقنية على فترات تبعد من 100 مليون إلى 400 مليون سنة ماضية، حيث وجد أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في تلك الفترات أقل من المستويات التي قدرتها التقنيات الأخرى، وأنها أقل من مستويات 2000 جزء في المليون التي تم تقديرها، وقال إنه إذا صحت هذه النتائج فإن ذلك يعني أن الأرض أكثر حساسيةً لزيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون عما كان يعتقد العلماء، حيث أن درجات الحرارة سترتفع أكثر للزيادات الضئيلة في مستوى ثاني أكسيد الكربون، وأضاف أنه من الجيد أن نكون على درايةٍ بذلك.

 

سيقوم الجيولوجيون بتدقيق قياساتهم لتحديد كيف كان مناخ الأرض قديمًا. فمن أجل معرفة درجة الحرارة، يقومون بقياس نظائر الأكسجين في الصخور الكربونية التي تكونت من قشور وأصداف الكائنات البحرية الدقيقة، والتي كانت تعيش يومًا ما بالقرب من سطح البحر، فعندما تنخفض درجة الحرارة تقوم هذه الكائنات بدمج كميات أكبر من نظائر الأكسجين الثقيلة في أصدافها لتولد كمية كافية من الحرارة بالقرب من سطح البحر تتناسب مع درجات حرارة الغلاف الجوي للأرض، ولكن فرانكس قال إن قياس ثاني أكسيد الكربون عملية أكثر تعقيدًا.

ففي الفترة حتى 800 ألف سنة ماضية، يمكن قياس نسبة ثاني أكسيد الكربون من فقاعات الهواء المحبوسة في الجليد الذي يتم جلبه من أنتاركتيكا وغرينلاند، ولكن للفترات الأبعد من ذلك، كان ينظر العلماء للنماذج التي تحاكي الغلاف الجوي لجلب المعلومات. هذه النماذج عبارة عن نماذج رياضية تقوم بإعادة بناء ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي بالاعتماد على العمليات الجيولوجية التي تؤثر على دورة الكربون طويلة المدى.

 

فقبل أن يأتي البشر، كانت البراكين هي مصدر معظم ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، وكانت عملية إزالة ثاني أكسيد الكربون تحدث عن طريق دفن المواد العضوية وعوامل التعرية التي تتعرض لها الصخور وتكوين الأحجار الجيرية، فعن طريق حركة الصفائح التكتونية وعمليات تعقب واسعة النطاق للبراكين والنباتات وعوامل التعرية، يستطيع العلماء مثل بوب بيرنر Bob Berner من جامعة يال Yale University من الرسم البياني لمستويات ثاني أكسيد الكربون عبر مئات الملايين من السنين، ولكن هذه الرسوم بها هامش كبير من الخطأ.

(الصورة) توضح التغير الكبير الذي حدث لمستويات ثاني أكسيد الكربون في الماضي البعيد، طبقًا للمؤشرات الخاصة بالحفريات مثل (تبادل الغازات، عوالق النباتات، الطحالب، الثغور) والأملاح مثل البورون وحفريات التربة القديمة Paleo sols، هذه النتائج تخمن أن أحدث قفزة في مستويات ثاني أكسيد الكربون قبل الثورة الصناعية كان لها تأثير ضخم على المناخ.


(Graphic) A. Cuadra/Science; (Data) Dana Royer, Wesleyan Univ.
(Graphic) A. Cuadra/Science; (Data) Dana Royer, Wesleyan Univ.


يمكن أيضًا للعلماء قياس نسبة ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي قديمًا عن طريق ما يطلق عليهم وكلاء الغلاف الجوي، وهي عبارة عن القياسات القديمة التي يمكن الاعتماد عليها أو أنوية الجليد، أو الحلقات التي في الأشجار، أو البقايا التي توجد في المحيطات والتي تكون محفوظة في حالة تسمح بجمع المعلومات منها، وقد تم الاعتماد على قليل منها لجمع معلومات عن المائة مليون سنة الماضية، ولكن بالنسبة للحقب الأقدم، يعتمد الجيولوجيون على حفريات التربة القديمة Paleo sols أو على حفريات أوراق النباتات، بعض حفريات التربة المحفوظة هذه تحتوي على عقيدات من كربونات الكالسيوم المترسب بالإضافة إلى بعض من المادة العضوية، التي يمكن من خلال دراستها تحديد مستويات ثاني أكسيد الكربون. ولكن على الرغم من حساسيتها عند مستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة، فهي لا تعمل بشكل جيد عند مستويات ثاني أكسيد الكربون المنخفضة أقل من بضع مئات أجزاء في المليون.

ظهرت في الثمانينات تقنية أخرى تعتمد على المسام (الثغور) في النباتات، وهي الفتحات الصغيرة التي تسمح بدخول ثاني أكسيد الكربون ليتم تحويله إلى سكريات عن طريق عملية البناء الضوئي، حيث تحتاج النباتات إلى عدد أقل من الثغور عندما يكون ثاني أكسيد الكربون متوفرًا في الغلاف الجوي بكميات وفيرة، لأن النبات يفقد الماء أيضًا خلال تلك الثغور، ولابد للنبات أن يحول دون فقد أكثر من اللازم.

 

ولكن استجابة الأنواع المختلفة من النباتات لتغير مستوى ثاني أكسيد الكربون تختلف من نبات لآخر، لذلك عندما تكون الحفرية لأحد النباتات التي ما زالت موجودة مثل نبات الجينكو ginkgos، يستطيع العلماء تخمين مستويات ثاني أكسيد الكربون التي تعرضت لها الحفرية بناءً على الدراسات التي تُجرى على النبات الحالي. ولكن في حالة الأنواع التي تعرضت للانقراض، يقوم العلماء بالاعتماد على أفضل التخمينات، وعلى عكس تقنية التربة الحفرية، هذه التقنية غير دقيقة عند مستويات ثاني أكسيد الكربون العالية.

 

لذلك قام فرانكس وزملاؤه بتطوير هذه التقنية عن طريق تقنية تبادل الغازات في حفريات أوراق النباتات المذكورة في بحثهم المنشور في دورية خطابات البحوث الجيوفيزيائية Geophysical Research Letters عام 2014، والتي تعتمد على عاملين رئيسين.

 

الأول هو كثافة الثغور في حفريات أوراق النباتات وذلك ليس بالاعتماد على العدد فقط، ولكن أيضًا يتم حساب حجم وعمق هذه الثغور لأنها مؤشر على معدل الغاز الذي يمكن أن يدخل أو يخرج خلال تلك الثغور، والثاني هو تحليل البقايا العضوية في الحفرية التي تحتوي على نظائر الكربون والتي يمكن من خلالها تحديد النسبة بين ثاني أكسيد الكربون في الحفرية إلى نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، هذان العاملان يمكن تحليلهما للحصول على مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الذي عاش فيه هذا النبات.

 

وقد كانت جينيفر ما كلوين Jennifer McElwain الباحثة في علم النبات القديم Paleo botany في جامعة دبلن Dublin University -والتي قضت وقتًا كبيرًا في دراسة تقنية الثغور القديمة- مشككةً في جدوى هذه التقنية، ولكن بعدما استخدمتها قالت إن هذه التقنية في طريقها لأن تكون تقنية قوية واسعة الاستخدام.

 

وفي حال تفوقت هذه التقنية على التقنيات الأخرى، فإن نتائجها بمستويات ثاني أكسيد الكربون المنخفضة في الغلاف الجوي للأرض قديمًا ترسل رسالة تحذيرية عن مدى الارتفاع في درجات الحرارة الذي سيحدث عندما تصبح مستويات ثاني أكسيد الكربون ضعف المستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية، تقريبًا 280 جزءًا في المليون، والتي أصبحت تتراوح الآن عند 400 جزء في المليون، حيث أن معظم النماذج المستخدمة في كتابة التقرير الأخير الذي تم عرضه على الفريق الحكومي المتخصص بالتغير المناخي والذي يتنبأ بتأثير هذا التغير يتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمعدل 3 درجات مئوية.

 

ولكن هذه التقديرات قامت بالتركيز على التغيرات قصيرة المدى مثل تقلص الجليد في بحر القطب الشمالي وزيادة نسبة بخار الماء في الغلاف الجوي، وتجاهلوا التغيرات التي ستحدث على المدى الطويل مثل ذوبان الأراضي المعتمدة على الصفائح الجليدية، والتغير في الحياة النباتية التي يقول معظم العلماء إنها ستساهم في مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة على مدار العقود والقرون القادمة، وقال فرانكس إنهم لا يستطيعون حساب العمليات على مدار فترات زمنية كبيرة، وهو ما استطاع فعله بالمعلومات التي تم جمعها من دراسة التاريخ الجيولوجي.

 

فعندما كشفت هذه التقنية عن مستويات ثاني أكسيد الكربون المنخفضة نسبيًا في فترات ارتفاع درجات الحرارة السابقة، يمكن القول إن المستويات الحالية ستتسبب في ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 4 درجات مئوية وليس 3 درجات، ومن الممكن أن تمر عدة أجيال حتى يحدث هذا الارتفاع. وقالت جينفير إنها قلقة من هذه النتائج، ففي الخمسين إلى المائة عام القادمة، يمكن أن ترتفع درجات الحرارة أكثر بكثير من التوقعات الحالية.

 

ولكن ما زالت هذه التقنية جديدة ويلزم نتائجها بعض التحري، ففي شهر مارس من هذا العام، ستعقد ورشة عمل في مرصد لامونت دوهرتي بجامعة كولومبيا Columbia University’s Lamont-Doherty Earth Observatory في نيويورك، لكي يصل الباحثون في علم المناخ القديم إلى أكثر الطرق دقةً لجمع معلومات عن فترة الـ 66 مليون عام الماضية.

 

وبدا فرانكس واثقًا من أن تقنيته الجديدة ستبلي بلاءً حسنًا في هذه الورشة، وقال إن هناك القليل من الجدل حول عدم دقة هذه التقنية، وأضاف أنه لن يبذل الكثير من الجهد في الدفاع عن هذه التقنية وأنها تستطيع الاعتناء بنفسها.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات