ما هي الأمواج الثقالية؟

ترسل الثقوب السوداء المتصادمة تموجاتٍ في نسيج الزمكان بالإمكان رصدها من الأرض. قام مرصد الليزر المتطور لقياس تداخل الموجات الثقالية LIGO والذي يمتلك كاشفين في كل من لويزيانا وواشنطن، برصد هذه الأمواج الثقالية (gravitational waves) بشكلٍ مباشر.

المصدر: Nicolle Rager Fuller


بعد مضي قرنٍ على العمل الذي قام به أينشتاين في تغيير فهمنا لمفهوم الزمان والمكان، أكد الفيزيائيون واحدةً من أكثر التنبؤات بعيدة المنال للنظرية النسبية العامة. ففي مجرةٍ أخرى تقع على بعد حوالي مليار سنة ضوئية، اصطدم ثقبان أسودان الأمر الذي أدى إلى اهتزاز نسيج الزمكان.

 

هنا على الأرض، قام اثنان من أجهزة الكشف العملاقة والمتواجدان على جانبي الولايات المتحدة الأمريكية بالاهتزاز نتيجة اجتياح الأمواج الثقالية لهما. فبعد مرور عقود من المحاولة لرصد الأمواج الثقالية بشكل مباشر، يبدو أن مرصد الليزر المتطور لقياس تداخل الموجات الثقالية LIGO نجح في ذلك، معلناً بذلك بداية حقبة جديدة في علم الفلك.

ما هي الأمواج الثقالية؟


الاصطدامات الكونية الهائلة والانفجارات النجمية يمكن أن تهز الزمكان نفسه. تتنبأ النظرية النسبية العامة بأن التموجات في نسيج الزمكان تشع الطاقة بعيداً عن مثل هذه الأحداث العظيمة. تتصف هذه التموجات بكونها غامضة، فبمجرد وصولها الأرض يعمل بعضها على ضغط الزمكان قليلاً بما لا يزيد عن واحد من عشرة آلاف من عرض البروتون.



 ما هي الأمواج الثقالية؟


كيف يمكن الكشف عنها؟


يستخدم مرصد LIGO بُغية الحصول على إشارة مرآة خاصة لتقسيم شعاع من ضوء الليزر، ويرسل الحزم الضوئية على شكل ذراعين طولهما 4 كيلومترات، والزاوية بينهما 90 درجة. وبعد ارتدادها للأمام والخلف 400 مرة، يتجمع الضوء عند مصدره، ما يجعل رحلة كل شعاع تصل إلى 1600 كيلومتر ذهاباً وإياباً.


مرصد LIGO
مرصد LIGO

 

تعمل الموجات الثقالية على تمديد أحد الانبوبين بينما تضغط على الأنبوب الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير المسافة التي يقطعها كلا الشعاعين بالنسبة لبعضهما. وبسبب هذا الاختلاف في المسافة، تصبح الأمواج المتراكبة غير متطابقة بشكلٍ كامل، ونتيجة لذلك لا تلغي بعضها بعضاً. عندها يلتقط الكاشف توهجاً خافتاً، مشيراً بذلك إلى موجةٍ عابرة.

الحالة العادية
الحالة العادية

الكشف عن الموجات الثقالية
الكشف عن الموجات الثقالية


يمتلك مرصد LIGO كاشفاً في لويزيانا وآخرَ في واشنطن لضمان أن الموجة ليست ظاهرة محلية، وللمساعدة في تحديد مصدرها.

ما هي المصادر الأخرى للأمواج الثقالية؟


من خلال دراسة المحاكاة الحاسوبية للظواهر الفيزيائية الفلكية، يستطيع العلماء معرفة نوع الإشارات التي يتوقعونها من مصادر مختلفة للأمواج الثقالية: 

 


  1. النجوم النيوترونية الدوارة
    النجوم النيوترونية الدوارة المصدر: NASA, ESA, CXC, SAO, the Hubble Heritage Team (STScI/AURA), and J. Hughes/Rutgers Univ
    النجوم النيوترونية الدوارة المصدر: NASA, ESA, CXC, SAO, the Hubble Heritage Team (STScI/AURA), and J. Hughes/Rutgers Univ

    يعد النجم النيوتروني الدوار عبارة عن الجزء الأساسي الذي تبقى بعد انفجار نجم فائق الكتلة، وهو قادر على التسبب في حدوث تموجات في الزمكان ضمن ترددات مشابهة لتلك التي تنتج عن تصادم الثقوب السوداء.
     
  2.  المستعر الأعظم (سوبرنوفا)
    المستعر الأعظم (سوبرنوفا) المصدر: NASA/CXC/ASU/J. Hester et al
    المستعر الأعظم (سوبرنوفا) المصدر: NASA/CXC/ASU/J. Hester et al


    يحصل الانفجار الهائل الذي يُعرف باسم المستعر الأعظم (سوبرنوفا) عند نهاية عمر نجم فائق الكتلة. يستطيع هذا الانفجار هز الفضاء (المكان)، وأن يُمطر الكون بانفجارٍ من الموجات الثقالية عالية التردد. 


     
  3.  أزواج الثقوب السوداء عالية الكتلة
    أزواج الثقوب السوداء عالية الكتلة المصدر: C. Carreau/ESA
    أزواج الثقوب السوداء عالية الكتلة المصدر: C. Carreau/ESA

    تستطيع أزواج من الثقوب السوداء العملاقة التي تزيد كتلتها عن كتلة الشمس بملايين المرات، والتي تعد أكبر من تلك التي رصدها مرصد LIGO المتطور، أن تشع أمواجاً طويلةً ومتموجةً. ومع أن مرصد LIGO المتطور لا يستطيع الكشف عن الموجات ضمن هذا التردد، فإن العلماء قد يكتشفونها من خلال البحث عن التموجات الطفيفة في النبضات الثابتة للنجوم النابضة (pulsars).

     
  4.  الانفجار العظيم ( Big Bang
    الانفجار العظيم ( Big Bang) المصدر: GSFC/NASA
    الانفجار العظيم ( Big Bang) المصدر: GSFC/NASA

    ربما يكون الانفجار العظيم قد أثار موجات ثقالية بحجم الكون قبل 13.8 مليار سنة مضت. تركت هذه الموجات آثارها على الضوء الأول الذي انطلق عبر الكون في وقت لاحق بعد مضي 380000 سنة، ويمكن رؤيته اليوم في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background).
     

كيف نبحث أيضاً عن الموجات الثقالية؟


لا يعتبر مرصد LIGO الوسيلة الوحيدة المستخدمة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الموجات الثقالية. وفيما يلي بعض المشاريع الحالية والمستقبلية الأخرى.
 

  • المراصد الأرضية لقياس التداخل

    يوجد زوجان من الكواشف المشابه لـ LIGO في أوروبا. أولهما مرصد Virgo الموجود بالقرب من بيزا، إيطاليا والذي جرى تطويره، كما أنه سيعمل بالتعاون مع LIGO في وقتٍ لاحق هذا العام. أما المرصد الثاني فهو GEO600 الموجود بالقرب من هانوفر في ألمانيا، والذي كان مقياس التداخل الوحيد الذي يعمل خلال السنوات العديدة الماضية، في حين كان كل من Virgo و LIGO قيد التجديد. وهناك مرصد ثالث ضمن منظومة LIGO موجود في الهند، من المقرر أن ينضم للبحث عام 2019.

 

  • المراصد الفضائية لقياس التداخل 

    لا يستطيع أحدٌ سماع صراخك في الفضاء، ولكن على الأقل لن ينتابك القلق هناك حيال الظواهر الأرضية المزعجة مثل الهزات الزلزالية. يضغط الباحثون على وكالة الفضاء الأوروبية لوضع كواشف مثل LIGO في الفضاء مثل الهوائي الفضائي المتطور لقياس التداخل الليزري (Evolved Laser Interferometer Space Antenna) أو اختصاراً LISA، وذلك في وقت ما من ثلاثينيات القرن الحالي. وكخطوة تمهيدية تسبق انطلاق بعثة LISA، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية بعثة LISA Pathfinder، وهي مخصصة لاختبار التقنيات الضرورية في المراصد الفضائية للكشف عن الموجات الثقالية.

 

 

  • المصفوفات المخصصة لرصد توقيت النجوم النابضة

    للحصول على همهمة تردد منخفض نسبياً ناتج عن تصادم الثقوب السوداء فائقة الكتلة، تتجه أنظار الباحثين نحو النجوم النابضة. هذه النجوم النيوترونية التي تدور حول نفسها بسرعة كبيرة (وهي عبارة عن الجزء الأساسي (النوى) الناتج من بقايا انفجار نجوم فائقة الكتلة) ترسل بشكل ثابت نبضات من الموجات الراديوية.

    وكما تعمل الموجات الثقالية على ضغط وتمدد الفضاء بين الأرض والنجم النابض، فإن النبضات تظهر متسارعة ومتباطئة. هناك ثلاثة مشاريع تعمل على مراقبة العشرات من النجوم النابضة من أجل متابعة التغيرات في درجة السرعة ما يكشف ليس فقط عن الاصطدامات المفردة، بل أيضاً عن الأصوات الغريبة غير المتناغمة الناتجة عن تحطم الثقوب السوداء معاً خلال الكون.

    المشاريع الثلاثة السابقة هي: مصفوفة باركس لرصد توقيت النجوم النابضة وتوجد في أستراليا the Parkes Pulsar Timing Array in Australia، و NANOGrav في شمال أمريكا، والمصفوفة الأوروبية لرصد توقيت النجوم النابضة في أوروبا.

 

  • استقطاب إشعاع الخلفية الكونية الميكروي 

    ربما تركت الأمواج الثقالية التي انطلقت عقب الانفجار العظيم علامةً على إشعاع الخلفية الكونية الميكروي والذي يعرف اختصاراً بـ CMB. يملأ هذا الإشعاع الكون وهو ما تبقى من اللحظة التي استطاع فيها الضوء الانطلاق عبر الكون للمرة الأولى، وذلك بعد نشوء الكون بحوالي 38000 عام.

    حافظ إشعاع الخلفية الكونية الميكروي على كيفية تمدد الفضاء وتقلصه عقب ظاهرة التوسع الهائل بمدة زمنية مقدارها واحد على تريليون من تريليون من تريليون من الثانية بعد الانفجار العظيم. تعمل العديد من التلسكوبات على البحث عن هذه الإشارة من خلال البحث في أنماط محددة حول كيفية اصطفاف موجات الضوء الخاصة بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي مع بعضها. وبالطبع فإن الأمر ليس بالسهل، فتلسكوب BICEP2 أخطأ للتو في الوصول إلى هدفه بسبب الغبار الموجود في مجرد درب التبانة.


ما الذي نستطيع تعلمه من الأمواج الثقالية؟


يعود نجاح LIGO إلى غاليليو الذي كان أول من استخدم التلسكوب ووجهه نحو السماء بهدف الدراسة والبحث العلمي. فقبل تلك اللحظة كنا نعرف القليل فقط عن النجوم والكواكب. لم نُدرك وجود مجرات أخرى ولم يكن لدينا تصور حول ضخامة الكون. الأمواج الثقالية هي الطريقة الجديدة لرؤية الكون. إنها عبارة عن تأكيدات قوية للنظرية النسبية العامة، وستكشف عن الانفجارات والتصادمات العنيفة عبر الكون. وكما هو الحال مع تلسكوب غاليليو، فإن الكثير مما يمكن أن نتعلمه من الأمواج الثقالية لم يخطر على بالنا بعد. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background): أو اختصاراً CMB، وهو الإشعاع الحراري الذي خلفه ورائه الانفجار العظيم، وهي موجودة في كل الاتجاهات بالكثافة نفسها، وتعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن.
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • مركز غودارد لرحلات الفضاء (GSFC): هو واحد من المراكز العلمية التي تقوم ناسا بتشغيلها. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات