هل تم بالفعل رصد الأمواج الثقالية؟

تصوُّر فني يُظهر الأمواج الثقالية التي تنتج عن اندماج الثقوب السَّوداء. 

المصدر: Swinburne Astronomy Productions


ربما وَجد علماء الفلك أخيراً كنزهم الثمين الذي طالما بحثوا عنه في كل أرجاء كوننا، وما نعنيه هنا بكلمة الكنز هو الموجات الثقالية الغامضة (gravitational waves). يُمكن وصف هذه الموجات بأنها انحناءات في نسيج الزمكان، وقد توقع ألبرت أينشتاين وجودَها في نظريته النسبية العامة سنة 1919. 


من المقرر أن يَعقد العُلماء مؤتمراً صحفياً صباح يوم الخميس بتاريخ 11 فبراير/شباط في تمام الساعة 10:30 صباحاً حسب توقيت شرقي الولايات المتحدة الأميركية (15:30 حسب توقيت غرينتش) في نادي الصَّحافة الوطني في العاصمة واشنطن. وبالطبع سيكون المِحور الرئيسي للمؤتمر الصحفي هو مَوضوع البحثِ عن الأمواج الثقالية التي تمر عبر الفضاء بسرعة كبيرةٍ جداً. 

وجاء التقرير الإعلامِي حول المؤتمر الصحفي مقتضباً وغامضاً بعض الشيء، حيث من المُتوقع أن يكون مجرد "تقريرٍ حول الوضع الرَّاهن" بخصوص عملية البحث المستمرة من قبل العلماء عن الأمواج الثقالية باستخدام مرصد التداخل لرصد الأمواج الثقالية (Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصاراً LIGO. ولكن هناك ما يدفع الكثيرين للاعتقاد بأن الباحثين سيعلنون أثناء المؤتمر الذي سيعقد يوم الخميس عن اكتشافٍ كبيرٍ جداً. 

دارتِ الشَّائعات خلال الأشهر الماضية حول نجاح فريق مرصد ليغو LIGO في رصد الأمواج الثقالية. وكان أول من تكلم بخصوص هذا الأمر هو لورنس كراوس Lawrence Krauss، وهو عالم مختص بعلم الكون من جامعة أريزونا. ورغم أن كراوس ليس عضواً في فريق علماء مرصد ليغو، إلا أنه نشر تغريدة حول هذا الأمر في شهر سبتمبر/أيلول في سنة 2015، ثم أعاد نشرها مرة أخرى بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني من سنة 2016. 

وفي يوم الأربعاء بتاريخ 3 فبراير/ شباط، أضفى كليف بورغيس Cliff Burgess من جامعة مكماستر ومعهد المحيط للفيزياء النظرية في أونتاريو، مزيداً من الإثارة حول هذا الموضوع حيث أعلن عن بعض التفاصيل المزعومة بخصوص رصد الأمواج الثقالية من خلال رسالة إلكترونية بعثها إلى جميع أعضاء قسم الفيزياء في جامعة مكماستر (وبطريقة ما نُشرت على موقع تويتر)، كتب بورغيس بأن عدة مصادر أخبرته بنجاح مرصد ليغو في رصد الأمواج الثقالية الناجمة عن اندماج ثُقبينِ أسودينِ.

 

وأضاف بورغيس بأن هذه النتائج المُذهلة ستنشر في المجلة العلمية نيتشر Nature، وذلك وفقاً لما ذكرته مجلة Science. ومن الجدير ذكره هنا هو أن بورغيس كما هو الحال بالنسبة إلى كراوس، ليس عضواً في فريق علماء مرصَد ليغو. 

أظهرت مُعادلات أينشتاين أن الأمواج الثقالية هي نتيجة لتسارع حركة الأجسام فائقة الكتلة (المقصود هنا تلك الظواهر التي تؤدي إلى نتائجَ كارثيةٍ ودراماتيكيةٍ، كانفجارات السوبرنوفا (المستعر الأعظم) واندماجِ الثقوبِ السوداءِ، وهي التي تُنتج أقوى الموجات الثقالية). تشع هذه التشوهات الموجودة في الزمكان إلى الخارج بسرعة مُماثلة لسرعة الضَّوء. 

مرصد ليغو عبارة عن مَجموعة تتألف من اثنين من أجهزة الرصد المتطابقة ذات الحَساسية العالية. بنى الباحثون هذه الأجهزة في كل من ليفينغستون بولاية لويزيانا وهانفورد بولاية واشنطن لرصد الحركاتِ الصغيرة في الزمكان التي تصل إلى الأرض، والتي تتسبب بها الأمواج الثقالية.


تتكون منظومة ليغو من مَرصدين يُصدران أشعة ليزر بشكل ذراعين يبلغ طُول كل واحدٍ منهما 2،5 ميل (4 كيلومترات)، حيث يُشكّلان مع بعضهما البعض شكل حرف L. فإذا عبرت الأمواج الثقالية من خلال أنظمة الرصد، فإن المسافة التي يقطعها شعاع الليزر تتغير بمقدار ضئيل جداً، وهو أصغر بآلاف المرات من قُطر نواة الذرة. ومع ذلك يجب على مُعدات مرصد ليغو أن تكون قادرة على التقاط هذه الاختلافات على حد قول أعضاء فريق البعثة.

تتم إدارة مرصد ليغو بالتعاون بين كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا CalTech، وهو مُمولٌ من قِبل مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية. وفي حال تمكن ليغو بالفعل من رصد الأمواج الثقالية بشكل مباشر للمرة الأولى في التاريخ، فهذا يعني أننا على أبوابِ عهدٍ جديدٍ سيفتح الباب أمام إنجاز المزيد من لاكتشافات في علم الفلك وعلم الكون. 

كتب أعضاءُ فريقِ مرصد ليغو في وصف المشروع ما يلي: "باعتبار أن 
الأمواج الثقالية لا تتفاعل مع المادة (على عكس الإشعاع الكهرومغناطيسي)، فإنها تنتقل عبر الكون دون التعرض لأي عوائق، الأمر الذي يمنحنا نظرةً واضحةً تماماً عن الموجة الثقالية في الكون".

ويُتابع أعضاء الفريق حديثهم بالقول: "ستمنحنا
الأمواج الثقالية معلومات مُهمةً حول أصولها، وهذا أمرٌ رائعٌ جدًا باعتبار أنها لم تتعرض لأي تشويه أو تَغيُّرٍ بفِعل الإشعاع الكهرومغناطيسي، وذلك عند انتقالها عبر الفضاء بين المجري الذي يمتد لملايين السِّنين الضَّوئية.

 

وعليه، مع وجود هذه الطريقة الجديدة تماماً في دراسة الأجرام والظواهرِ المرتبطة بالفيزياء الفلكية، فإن الأمواج الثقالية ستفتح نافذةً جديدةً على الكون بكل ما للكلمة من معنى. وهذا أمرٌ سيمنح علماء الفلك وغيرهم فُرصةَ إلقاءِ النظرة الأولى على عجائبَ رائعةً لم يسبق لها مثيل في الكون. كما ستزيد بشكلٍ كبيرٍ من فهمنا للزمكان بحدِّ ذاته".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات