يُظهر لنا هذا الرسم الفني النظام النجمي الثلاثي PSR J0337+1715، الذي يقع على بعد 4200 سنة ضوئية من الأرض. يعتبرهذا النظام بمثابة مختبراً طبيعياً لإختبار نظريات الجاذبية الأساسية.
حقوق الصورة: NRAO/AUI/NSF; S. Dagnello
الجاذبية كما تخيلها أينشتاين وكما أوضحها في نسبيته العامه تُخبرنا بأن الأجسام تسقط بنفس المُعدل بغض النظر عن تركيبتها وكتلتها. تدعم التجارب الأرضية هذه النظرية، لكن هل تظل صحيحة عندما يتعلق الأمر بأكثر الأجسام ضخامة وكثافة في الكون المرصود؟ السؤال الذي له علاقة بإحدى المبادئ الكونية المهمة: مبدأ التكافؤ القوي.
أجرى فريقٌ دولي من علماء فلك إحدى أكثر التجارب صرامةً للإجابة عن هذا السؤال، وتُبين النتائج التي نشرها الفريق في مجلة نيتشر Nature أنّ رؤى أينشتاين للجاذبية لاتزال تملك وزنها حتى في الظروف الكونية الأقصى تطرفاً.
قُم بإسقاط مطرقة وريشة في وسط مُفرغ من الهواء وسيلمسان القاع بنفس اللحظة؛ الظاهرة الذي إكتشفها جاليليو في أواخر القرن الخامس عشر، وقام بتجربتها على القمر رائد فضاء أبولو 15 ديفيد سكوت David Scott.
على الرغم من كون هذه الظاهرة حجر الأساس لفيزياء نيوتن، إلا أنّ نظرية أينشتاين للجاذبية هي التي أستطاعت التعبير عن كيفية وسبب حدوث هذه الظاهرة، وحتى الأن، إجتازت معادلات أينشتاين كل الإختبارات الممكنة؛ من الدراسات المختبرية الدقيقة إلى مراقبة الكواكب في نظامنا الشمس، ولكن هناك نظريات أخرى تتنبأ بأن الأجسام الصغيرة ذات الجاذبية القوية للغاية مثل النجوم النيوترونية، تسقط بشكل مختلف قليلاً عن الأجسام الأقل كتلة. هذا الإختلاف الذي تتنبأ به تلك النظريات البديلة، من الممكن أن يسببه مايعرف بطاقة الثقالة لتلك الأجسام – الطاقة الجاذبة التي تجعل تلك الأجسام تتماسك.
في عام 2011، إستخدم العلماء مرصد قرين بانك Green Bank Observatory وإختصاراً GBO التابع لمؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation وإختصاراً NSF وأكتشفو مختبراً طبيعياً لإختبار هذه النظرية في الظروف القاسية. يتمثل هذا المختبر في نظام نجمي ثلاثي يسمى PSR J0337+1715، يبعد هذا النظام حوالى 4,200 سنة ضوئية من الأرض ويحتوي على نجم نيوتروني يدور مع مع نجم قزم أبيض في مدار 1.6 يوم، وهذا الثنائي يدور مع قزم أبيض آخر بعيد في مدار 327 يوم.
يقول رايان لينش Ryan Lynch من مرصد قرين بانك في وست فرجينيا والمؤلف المُشارك في الدراسة: "هذا النظام النجمي فريد من نوعه، لانعرف نظاماً يشبهه، وذلك يجعله مختبراً لامثيل له لإختبار نظريات أينشتاين.
منذ إكتشاف هذا النظام، تتم مراقبته بشكل مستمر من مرصد قرين بانك والمقراب الراديوي ويستربورك في هولندا Westerbork Synthesis Radio Telescope ومرصد أريسيبو Arecibo Observatory في بورتو ريكو التابع أيضاً لمؤسسة العلوم الوطنية، فقد أستغرق مرصد قرين بانك أكثر من 400 ساعة في مراقب النظام وتسجيل البيانات وحساب حركة كل نجم بالنسبة للأخر.
كيف تمكنت هذا التليسكوبات من دراسة هذا النظام؟ حسناً، ذلك النجم النيوتروني هو في الواقع نجم نابض، فتدور العديد من النجوم النابضة بتناسق ينافس بعض الساعات الذرية الأكثر الدقة على الأرض. يُعلق لينش: "كواحدٌ من أكثر التليسكوبات الراديوية حساسية في العالم فأن تليسكوب قرين بانك يعد مجهزٌ لإلتقاط تلك النبضات الراديوية الباهته لدراسة الفيزياء المتطرفة." ينبض (يدور) النجم النيوترني في ذلك النظام 366 مرة كل ثانية.
تقول أن-أرشيبالد من جامعة أمستردام والمعهد الهولندي لعلم الفلك الراديوي Netherlands Institute for Radio Astronomy والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة: "يمكننا إحصاء كل نبضة للنجم النيوتروني منذ بدايتنا في مراقبته، ويمكننا تحديد موقعه على بعد بضع مئات الأمتار، هذا مسارٌ دقيق حقاً للمكان الذي يوجد فيه النجم النيوتروني وإلى أين يتجه."
إذا كانت النظريات البديلة لتصوّر أينشتاين للجاذبية صحيحة، فإن النجم النيوتروني والقزم الأبيض الداخلي سيسقط كل منهما بشكل مختلف إتجاه القزم الأبيض الخارجي. قال سكوت رانسوم Scott Ransom، عالم فلك من المرصد الفلكي الراديوي الوطني National Radio Astronomy Observatory في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا، والمؤلف المشارك في الدراسة: "إن القزم الأبيض الداخلي ليس ضخما ولا متراصاً مثل النجم النيوتروني بالتالي فإن لديه طاقة ثقالة أقل."
من خلال عمليات المراقبة والحسابات الدقيقة، تمكن الفريق من إختبار جاذبية النظام باستخدام نبضات النجم النيوتروني وحده، وقد وجدوا أنّ أي إختلاف في التسارع بين النجم النيوتروني والقزم الأبيض الداخلي يُعد أصغر من أن يتم رصده.
وقالت نينا غوسنسكايا Nina Gusinskaia من جامعة أمستردام والمؤلفة المشارك للدراسة: "إذا كان هناك أي إختلاف، فلن يكون أكثر من ثلاثة أجزاء في المليون". وهذا يفرض قيوداً شديدة على أي نظريات بديلة للنسبية العامة.
تعد هذه النتيجة أدق بعشر مرات من أي إختبار سابق للجاذبية، مما يجعل دليل مبدأ التكافؤ القوي لأينتشاين بتلك القوة. ويختم رانسوم بقوله: "نحن نبحث دائما عن قياسات أفضل في أماكن جديدة، لذلك سنستمر في سعينا لإستكشاف اَفاق جديدة في عالمنا".