مفهوم جديد لروبوت يدعى بـ "القنفذ" يمكنه استكشاف بيئة الجاذبية الصغرى للمذنبات والكويكبات عبر القفز والالتفاف على سطحها. ويمكنك من خلال مقطع الفيديو هذا، مشاهدة روبوت القنفذ وهو يعمل في بيئة الجاذبية الصغرى أثناء رحلة دورانية إلى "مذنب متدحرج".
لا يعتبر القفز والتأرجح والهبوط من المناورات التي نتوقع أن تنفذها مركبة فضائية تُجري عملية استكشاف في عوالم أخرى في الفضاء، فعربات استكشاف المريخ التقليدية على سبيل المثال يمكنها الالتفاف والدوران على عجلاتها، ولكن لا يمكنها العمل رأسًا على عقب. ولذلك لا يمكن إرسال هذه العربات للعمل في الأجسام السماوية الصغيرة ذات الجاذبية المنخفضة مثل الكوكيب أو المذنب، والأسطح الوعرة التي تجعل من عملية القيادة التقلدية أمرًا خطرًا ومعقدًا للغاية.
روبوت القنفذ هو مفهوم جديد لصناعة روبوت تم تصميمه خصيصًا للتغلب على تحديات العبور فوق سطح الأجسام الصغيرة. ويعتبر هذا المشروع ثمرة جهد مشترك بين باحثي كل من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا بولاية كاليفورنيا، ومن جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، و معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج .
يقول عيسى نِسناس Issa Nesnas قائد فريق مختبر الدفع النفاث: "القنفذ هو نوع مختلف من الروبوتات التي تستطيع القفز والتأرجح عوضًا عن الدوران بواسطة عجلاتها. ويتميز هذا الروبوت بشكله الذي يشبه المكعب، ما يتيح له إمكانية العمل بغض النظر عن الجهة أو الجانب الذي يحط عليه".
تقوم الفكرة الأساسية لهذا المشروع على صناعة روبوت على هيئة مكعب يحتوي على المسامير (نتوءات خارجية)، وهو يتحرك عبر دوران وفرملة العجلات الداخلية. وتعمل تلك المسامير على حماية جسم الروبوت من الصدمات التي قد يتعرض لها بفعل التضاريس الوعرة، كما أنها تلعب دور الأقدام أثناء تنقل وهبوط الروبوت.
يقول نِسناس: "ويمكن لهذه المسامير أن تحتوي أيضًا على أجهزة من قبيل المجسات الحرارية، والتي يمكنها قياس درجة حرارة السطح الذي يهبط عليه الروبوت".
أنتج كل من مختبر الدفع النفاث وجامعة ستانفورد نموذجه الخاص به من الروبوت القنفذ، وقد تم اختبار النموذجين على متن طائرة C-9 التابعة لوكالة ناسا والمخصصة لأبحاث الجاذبية الصغرى، وذلك في شهر يونيو/حزيران لسنة 2015. وقد استطاعت الروبوتات - على مدار 4 رحلات تتضمن الدوران 180 درجة - إجراء عدة أنواع من المناورات التي ستكون مفيدة في الالتفاف حول الأجسام الصغيرة ذات الجاذبية المنخفضة. كما اختبر الباحثون نجاعة هذه المناورات على عدد من المواد المختلفة التي تحاكي مجموعة واسعة من الأسطح: الرملية، والصخرية القاسية، والزلقة، والجليدية، والناعمة، والمفتتة.
يقول روبرت ريد Robert Reid المهندس الرئيسي في المشروع في مختبر الدفع النفاث: "أثبتنا للمرة الأولى أن النماذج الأولية لروبوت القنفذ يمكن التحكم بعملية قفزها وهبوطها في بيئات شبيهة ببيئة المذنب".
ويُعتبر "ياو" أو الدوران في المكان، أبسط مناورة يستطيع روبوت القنفذ إجراءها، فبعد أن يضع نفسه في الاتجاه الصحيح يمكن للروبوت إما القفز لمسافات طويلة باستخدام واحدٍ أو اثنين من المسامير، أو يمكنه التدحرج لمسافات قصيرة عن طريق التناوب بين وجه وآخر. وعادة يقوم الروبوت بتنفيذ قفزات طويلة كي يصل إلى الهدف المطلوب، ومن ثم يُتبعها بدحرجة صغيرة للاقتراب من الهدف بشكل أكبر.
وخلال إحدى تجارب الطيران الدوراني، أكد الباحثون أن بمقدور روبوت القنفذ تنفيذ مناورة "الإعصار" أيضًا، والذي يستطيع من خلالها الدوران بقوة ومن ثم إطلاق نفسه من على السطح. ويمكن الاستعانة بهذه المناورة للهروب من الرمال أو في الحالات الأخرى التي يكون فيها الروبوت عالقًا في مكانه.
يمتلك روبوت القنفذ التابع لمختبر الدفع النفاث 8 مسامير و 3 عجلات كما يزن وحده حوالي 11 باوندًا (5 كغ)، ولكن يتصور الباحثون أنه من الممكن أن يزن أكثر من 20 باوندًا (9 كغ) عند تركيب الأجهزة مثل الكاميرا ومقياس الطيف. أما نموذج جامعة ستانفورد فيتصف بأنه أصغر قليلًا وأخف وزنًا، كما أنه يمتلك مسامير قصيرة.
يمكن لكلا النموذجين المناورة عبر الدوران والتوقف على ثلاث عجلات باستخدام المحركات والفرامل. ويختلف نظام الفرامل بين النموذجين، حيث إن نموذج مختبر الدفع النفاث يستخدم قرصًا للفرامل، بينما يستخدم نموذج جامعة ستانفورد أحزمة الاحتكاك لإيقاف العجلات .
يقول ماركو بافون Marco Pavone وهو رئيس فريق جامعة ستانفورد، والذي كان صاحب اقتراح مشروع روبوت القنفذ مع نِسناس عام 2011: "يمكن ضبط زاوية القفز للروبوت من خلال التحكم بكيفية فرملة وإيقاف العجلات. ولذلك فإننا نعمل على اختبار نظام الفرامل الموجود في كلا النموذجين حتى نفهم ونحدد مزايا وعيوب كل واحد منهما".
وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، يقول بينامين هاكمان Benjamin Hockman، وهو المهندس الرئيسي في المشروع في جامعة ستانفورد: "كان لهندسة المسامير في روبوت القنفذ تأثيرٌ كبيرٌ على مسار القفز والتنقل الخاص به. فقد أجرينا تجارب على عدة أشكال من المسامير، فوجدنا أن شكل المكعب يوفر أفضل أداء عند التحرك بواسطة القفز. كما أن التعامل مع شكل المكعب يعتبر مريحًا وسهلًا للغاية، بما يتعلق بتصنيعه ووضعه داخل المركبة الفضائية".
ويعمل الباحثون حاليًا على تطوير تقنية التحكم الذاتي للروبوت، وذلك بمحاولة لزيادة مقدار العمليات التي يمكن للروبوتات تنفيذها بنفسها دون أي تعليمات من الأرض. وتتمحور فكرة الباحثين حول متابعة السفينة الأم لعملية إرسال واستقبال الإشارات من وإلى الروبوت، وذلك بشكل مشابه للطريقة التي تتواصل بها مركبتا استكشاف المريخ كوريوسيتي وأوبورتونيتي عبر الأقمار الصناعية التي تدور حول المريخ. كما أن السفينة الأم ستساعد الروبوتات على التنقل والملاحة وتحديد مواقعها.
ويؤكد الباحثون أن روبوت القنفذ يتمتع بعدة مزايا من بينها تكلفة بنائه وصناعته، التي تعد منخفضة نسبيًا قياسًا بتكلفة العربات التقليدية، بالإضافة إلى إمكانية جمع عدة روبوتات مع بعضها البعض. كما بمقدور السفينة الأم إطلاق عدة روبوتات في وقت واحد أو على مراحل، وذلك للسماح لها بالانتشار؛ للقيام بأعمال البحث والاكتشاف في عوالم لم يتم اجتيازها أو الوصول إليها من قبل.
دخل مشروع روبوت القنفذ في المرحلة الثانية من عملية التطوير من خلال برنامج وكالة ناسا المسمى بـ: مفاهيم متطورة ومبتكرة Innovative Advanced Concepts، أو اختصارًا: NIAC، والذي يقوده بافون. وقد دعم كل من مركز صندوق وكالة ناسا للابتكار CIF وبرنامج أوبورتونيتي للطيران FOP -وكلاهما بقيادة نِسناس- عملية تطوير الطيران وإجراء الاختبارات. وتُعتبر كل من NIAC وFOP وCIF برامج في إدارة بعثات تكنولوجيا الفضاء التابعة لوكالة ناسا، والتي تقع في المقر الرئيسي للوكالة في واشنطن. ويدير معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مختبر الدفع النفاث لصالح وكالة ناسا. كما ويتعاون في هذا المشروع كل من مختبر الدفع النفاث وجامعة ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.