حددت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين سرعة الضوء بـ 186,000 ميلٍ في الثانية الواحدة (300 مليون متر في الثانية). لكن بعض العلماء يستكشفون إمكانية تغير هذا الحدّ الكوني للسرعة. حقوق الصورة: Iscatel | Shutterstock
تبلغ سرعة الضوء في الفراغ 299,792 كيلومترًا في الثانية (186,282 ميلًا في الثانية)، ونظريًا لا يوجد شيءٌ باستطاعته السفر أسرع من الضوء. وتبلغ سرعة الضوء أكثر من حوالي 670,616,629 ميلًا في الساعة. وإذا استطعت السفر بسرعة الضوء، فبإمكانك أن تدور حول الأرض سبع مراتٍ في الثانية الواحدة.
ولم يستطع العلماء الأوائل أن يفهموا حركة الضوء إذ أنهم اعتقدوا أنه يسافر في الحال. وبمرور الوقت، وبالرغم من أن قياسات الحركة الخاصة بتلك الجسيمات الشبيهة بالأمواج (الفوتونات) أصبحت أكثر وأكثر دقةً. وبفضل ما قدمه ألبرت أينشتاين وآخرون، فنحن الآن نفهم سرعة الضوء كحدٍّ نظريٍّ. وسرعة الضوء (أو الثابت المُسمّى بـ "C") يُعتقد أنه لا يمكن لأيّ جسمٍ ذي كتلةٍ أن يصل إليها، للأسباب الموضحة أدناه. ولم يمنع هذا الأمرُ كتّابَ الخيال العلمي ولا حتى العلماء المتسمين بالجدّ بتخيل نظرياتٍ بديلةٍ من شأنها أن توفر رحلاتٍ سريعةً هائلةً حول الكون.
سرعة الضوء: تاريخ النظرية
وفي عام 1671، أوقف الفلكي الإيطالي غاليليو Galileo شخصين على هضبةٍ على مسافةٍ أقل من ميلٍ واحدٍ، كلٌّ منهما حاملًا مشكاةً (قنديلًا مضيئًا) مغطاةً، فكشف الأول المشكاة الخاصة به، ولدى رؤية الآخر للوميض كشف هو الآخر مشكاته. وبملاحظة المدة التي أخذها الضوء كي يراها حامل المشكاة الأول (دون اعتبارٍ لردة الفعل)، ظن غاليليو أنه باستطاعته حساب سرعة الضوء. ولكن لسوء الحظ، كانت أبعاد غاليليو صغيرةً جدًّا لملاحظة الفارق. ولذلك هو يستطيع فقط أن يحدد أن الضوء يسافر أسرع بعشر مراتٍ من الصوت.
وفي عام 1670، استخدم عالم الفلك الدنماركي أوول رومر Ole Römer كسوف قمر المشتري آيو Io ككرونومتر لسرعة الضوء. وخلال مرور عدّة أشهر، عندما مرّ آيو وراء الكوكب الغازي العملاق، وجد رومر أن الكسوف جاء متأخرًا عن الحسابات المتوقعة. وقد كانت التوقعات وأقرب للصحيح بمرور الأشهر.
وقد حدد أن الضوء استغرق وقتًا للسفر من آيو إلى الأرض. وقد تباطأ حدوث الكسوف أكثر عندما كان كوكب المشتري والأرض في النقطة الأبعد عن بعضهما. وقد كان في موعده المحدد عندما كانا في أقرب نقطةٍ من بعضهما. وخلص إلى أن الضوء استغرق من عشر إلى إحدى عشرة دقيقة للسفر من الشمس إلى الأرض، وهو مبالغةٌ في تقديره لأنه في الواقع يستغرق 8 دقائق و19 ثانيةً. ولكن أخيرًا كان لدى العلماء رقمٌ للتعامل معه وهو حسابه الذي يُقدّر سرعة الضوء بـ 125,000 ميل في الثانية (200,000 كم/ثانية).
وقد أتاح اختلاف سرعة العجلة لفيزيو حساب المدة التي يقطعها الضوء للسفر خارج الثقب إلى المرآة المجاورة والعودة من خلال الفجوة. استخدم فيزيائيٌّ فرنسيٌّ آخر ليون فوكو Leon Foucault مرآةً دوارةً بدلًا من عجلة، وأظفرت كلا الطريقتين المستقلتين عن نتيجة قريبةٍ بنحو 1000 ميلٍ في الثانية من سرعة الضوء المقاسة اليوم.
وقد حاول ألبرت ميشلسون Albert Michelson المولود ببروسيا والمترعرع في الولايات المتحدة، تكرار أسلوب فوكو في عام 1879 ولكنه استخدم مسافةً أطول، فضلًا عن المرايا والعدسات عالية الجودة للغاية. وعندما أعاد ميشلسون قياس السرعة، قُبِلت نتيجته التي بلغت 186,355 ميلًا في الثانية (299,910 كم / ثانية) كأقصى دقةٍ لسرعة الضوء لمدة 40 عامًا.
أينشتاين والنسبية الخاصة
في عام 1905، كتب ألبرت أينشتاين أول ورقةٍ له حول النسبية الخاصة. في هذه الورقة، أكد أينشتاين أن الضوء يسافر بنفس السرعة بغض النظر عن السرعة التي يتحرك بها المشاهد.
وحتى باستخدام أكثر القياسات دقةً، فإن سرعة الضوء تبقى ذاتها بالنسبة لمشاهدٍ غير متحركٍ يقف في وجه الأرض مقارنةً مع سرعته عندما يسافر شخصٌ في طائرةٍ تفوق سرعة الصوت فوق سطحها. وبالمثل، وعلى الرغم من أن الأرض تدور حول الشمس، والتي هي نفسها (الشمس) تتحرك حول مجرة درب التبانة، وهي مجرةٌ تسافر عبر الفضاء، وسرعة قياس الضوء القادمة من شمسنا ستكون نفسها سواء كان المرء داخل أو خارج المجرة كي يحسب ذلك. وبالمثل، حسب أينشتاين فإن سرعة الضوء لا تختلف باختلاف الزمان والمكان.
يمكن لسرعة الضوء أن تسبب للكون بأن يبدو كأنه يستضيف آلة زمن. تُسمّى المسافة التي يقطعها الضوء في غضون عامٍ باسم سنةٍ ضوئيةٍ. والسنة الضوئية هي مقياسٌ لكلّ من الوقت والمسافة. وليس من الصعب أن نفهمها، رغم أنها تبدو معقدةً.
فكر في ذلك على النحو التالي: يسافر الضوء من القمر إلى أعيننا في نحو ثانيةٍ واحدةٍ، مما يعني أن القمر على بعد نحو ثانيةٍ ضوئيةٍ واحدةٍ. ويستغرق ضوء الشمس حوالي 8 دقائق للوصول إلى أعيننا، وبالتالي فإن الشمس على بعد نحو 8 دقائقَ ضوئيةٍ. ويتطلب من أقرب نظامٍ نجميٍّ وهو ألفا القنطور Alpha Centauri ما يُقارب 4.3 سنوات للوصول الى هنا، إذا فالنظام النجميّ هذا على بعد 4.3 سنة ضوئية.
وتقع النجوم والأجسام الأخرى خارج نظامنا الشمسي في أيّ مكانٍ على بُعد بضع سنواتٍ ضوئيةٍ إلى بضعة مليارات سنةٍ ضوئيةٍ. ولذلك، عندما يدرس علماء الفلك الأشياء التي تقع على بعد سنةٍ ضوئيةٍ أو أكثر، فهم يرونها كما كانت موجودة في الوقت الذي غادرها الضوء، وليست كما ستبدو كما إذا كانوا واقفين بالقرب من سطحها اليوم. وتبعًا لذلك، فإن كل ما نراه في الكون البعيد يُعدّ حرفيًّا أحداثًا حصلت في الماضي. ويسمح هذا المبدأ للفلكيين بمعرفة كيف كان الكون أثر الانفجار العظيم الذي وقع قبل حوالي 13.7 مليار سنة. ففحص الأجسام التي تبعد مثلًا 10 مليارات سنةٍ ضوئيةٍ، نراها كما كانت تبدو قبل 10 مليارات سنةٍ، أي بعد وقتٍ قريبٍ نسبيًّا من بداية الكون، بدلًا من أن تظهر كما هي عليه اليوم.
يسافر الضوء على شكل أمواجٍ، ومثله مثل الصوت يمكن أن يتباطأ اعتمادًا على الوسط الذي يسافر عبره. ولا شيء يمكن أن يسبق سرعة الضوء في الفراغ. ومع ذلك، إذا كانت المنطقة تحتوي على أيّ مادةٍ حتى إن كانت غبارًا، يمكن للضوء أن ينحني عندما يصبح على تماسٍ مع الجسيمات، مما يؤدي إلى انخفاضٍ في السرعة.
يتحرك الضوء المسافر عبر الغلاف الجوي للأرض تقريبًا بنفس سرعة الضوء في الفراغ، في حين أن الضوء الذي يمر عبر ألماسةٍ يتباطأ إلى أقل من نصف تلك السرعة. ومع ذلك، فإنه يسافر عبر الألماسة بسرعةٍ أكبر من 277 مليون ميلٍ في الساعة (ما يقارب 124,000 كم/ثانية) وليست تلك بسرعةٍ قليلةٍ.
يعشق الخيال العلمي هذا التكهنات حيال هذا الموضوع، وذلك لأن سرعة الاعوجاج أو الانحناء warp speed المعروفة شعبيًّا بكونها أسرع من سفر الضوء من شأنها أن تسمح لنا بالسفر بين النجوم في أطرٍ زمنيةٍ من المستحيل تخطيها بغير ذلك. وعلى الرغم من أنه لم يثبت أن ذلك مستحيل، فإن التطبيق العملي لفكرة السفر أسرع من الضوء يجعل منها فكرةً مستبعدةً. ووفقًا للنظرية النسبية العامة لآينشتاين، أنه عندما يتحرك الجسم بشكلٍ أسرع، فإن كتلته تزداد، في حين أن طوله يتقلص. وعند وصوله لسرعة الضوء، فمثل هذا الجسم ستكون له كتلةٌ لانهائيةً، في حين أن طوله هو صفر، أي أن هذا مستحيل. وهكذا، لا شيء يمكن أن تصل سرعته إلى سرعة الضوء وفق ما تقول النظرية.