كيف يشعر الحديد بالحرارة؟

عند تسخين قطعة من الحديد، يتغير ترتيب ذراتها العديد من المرات قبل الانصهار. وهذا التصرف غير الاعتيادي هو أحد أسباب صلابة الفولاذ-حيث يلعب الحديد دورا أساسيا- وتواجده في كل مكان، بدءا من أباريق الشاي ووصولاً إلى ناطحات السحاب. ولكن التفاصيل حول كيفية أخذ الحديد هذه الأشكال المختلفة وسبب ذلك يبقى لغزا غامضا.

 

يوفر عمل حديث، في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) بقسم الهندسة والعلوم التطبيقية، أدلة على مدى دور مغناطيسية الحديد في هذه الخاصية الغريبة-هذا الفهم يمكن أن يساعد الباحثين على تطوير فولاذ أفضل وأقوى.

 

قال برانت فولتز (brent fultz) أستاذ علم المواد والفيزياء التطبيقية في (Caltech): ''عملَ البشر مع الحديد العادي لآلاف السنين، لكن هذا جزء من ديناميكيته الحرارية التي لم يفهمه أحد جيداً ''.

 

تتحكم قوانين الديناميكا الحرارية في السلوك الطبيعي للمواد، مثل درجة حرارة غليان الماء وتوقيت التفاعلات الكيميائية. تحدد نفس هذه المبادئ أيضا كيفية ترتيب الذرات في المواد الصلبة؛ وفي حالة الحديد، تُغير الطبيعة تصرفاتها أكثر من مرة في درجات حرارة عالية. أما في درجة حرارة الغرفة، يكون ترتيب ذرات الحديد مفتوح وغير اعتيادي حيث تجتمع الذرات في حزمات منفصلة. لكن في حرارة تفوق 902 درجة سيلسيوس تتقارب الذرات، قبل الابتعاد مجددا في 1394 درجة سيلسيوس وأخيرا الانصهار عند درجة حرارة 1538 درجة سيلسيوس.

 

يكون الحديد ممغنط في درجة حرارة الغرفة؛ وقد تنبأ عمل سابق أن مغناطيسية الحديد تفضل تركيبها المفتوح في درجات حرارة منخفضة، ولكن يفقد الحديد مغناطيسيته في درجة حرارة 770 سيلسيوس، غير أنه يحافظ على تركيبه المفتوح لأكثر من 100 درجة بعد هذا الانتقال المغناطيسي، وهذا يقود الباحثين للاعتقاد أن هناك شيء آخر يساهم في الخصائص الديناميكية الحرارية للحديد غير الاعتيادية.

 

ولهذا الرابط المفقود، قام كل من الطلبة المتخرجين ليسا موجر (lisa mauger) وزملائها برفع الحرارة. تخزن المعادن الحرارة على شكل اهتزازات ذرية صغيرة-هذه الاهتزازات تخلق حالة من الفوضى أو الانتروبيا (Entropy). في الحرارة العالية تسيطر الفوضى على الديناميكا الحرارية؛ والاهتزازات الذرية هي أكبر مصدر للانتروبيا في الحديد. بدراسة كيفية تغير هذه الاهتزازات عند زيادة الحرارة وفقدان المغناطيسية، يأمل الباحثون للتعلم أكثر عما يدفع هذا التركيب إلى إعادة التنظيم.

 

للقيام بذلك، أخد الفريق عينات الحديد إلى خط الأشعة لفريق الولوج التعاوني عالي الضغط (HPCAT) في مصدر الفوتون المتقدم (Advanced Photon Source) بمختبر أرغون الوطني (Argonne National Laboratory) في ولاية إيلينوي. ينتج هذا المرفق السنكروتروني ومضات شديدة من الأشعة السينية، والتي يمكن ضبطها لتحديد الجزيئات الكمومية للتذبذبات النووية—المسماة إثارات الفونون—الموجودة في الحديد.

 

عند إدماج المقاييس الاهتزازية مع المعلومات الموجودة سابقا عن التصرف المغناطيسي للحديد في هذه الحرارة، وجد الباحثون ان الانتروبيا الاهتزازية (vibrational entropy) أكبر بكثير من المعتقد أصليا. لكن في الحقيقة، كانت الزيادة شبيهة بمساهمة المغناطيسية بالفوضى، وقد اقتُرح أن المغناطيسية والاهتزازات الذرية تتفاعل بالتآزر في درجات الحرارة المعتدلة. تزيد هذه الفوضى الفائضة من استقرار التركيب المفتوح للحديد، مثل ولو سخنت العينة إلى درجة تفوق الانتقال المغناطيسي.

سمحت التقنيات للباحثين استنتاج تجريبيا ولأول مرة، أن الجسيمات الكمومية للإلكترون تدور (المغناطيسية) بينما تتفاعل الفونونات(phonons) لزيادة استقرار الحديد في الحرارة العالية.

 

بما أن مجموعة قياسات (Caltech) تطابقت مع الحسابات النظرية، التي طورها متعاونون في معمل (Jörg Neugebauer) في معهد ماكس بلانك، فقد ساهمت نتائج Mauger في المصادقة على نموذج حسابي جديد.

 

قال (Fritz Körmann): ''لقد افتُرض لزمن طويل ان الاستقرار التركيبي للحديد له ارتباط شديد باقتران جوهري بين المغناطيسية والحركة الذرية''.

 

قال (Neugebeuer):'' فقط من خلال دمج طرق وخبرات من مجالات علمية مختلفة، مثل ميكانيكا الكم والميكانيكا الإحصائية والديناميكا الحرارية، وباستخدام الحواسيب الفائقة، أصبح من الممكن وصف الظواهر الديناميكية المعقدة التي تحصل داخل أحد المواد الأكثر استعمالا في مجال التكنولوجيا".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الإنتروبي (entropy): هو كمية الطاقة غير المتاحة للقيام بعمل في نظام فيزيائي، وقد أطلق عليه كلاوزيوس مصطلح الإنتروبي ملهماً بكلمة tropi التي تعني التحول، واختيرت لتكون أقرب ما يُمكن من كلمة الطاقة (energy)، ويقول أشهر قوانين الطبيعة المعروف بالقانون الثاني في الترموديناميك "لا يُمكن لانتروبي نظام فيزيائي مغلق أن يتناقص أبداً".
  • الفونونات (phonons): الفونون: يُشير هذا المصطلح في الفيزياء إلى ترتيب دوري للذرات أو الجزيئات داخل المادة الكثيفة مثل المواد الصلبة وبعض السوائل. توجد الذرات والجزيئات داخل المواد في بنية بلورية وترتبط مع بعضها البعض بقوة، وبالتالي لا يُمكنها الاهتزاز بشكلٍ مستقل، وإنما يأخذ اهتزازاها أنماطاً جمعية تنتشر داخل المادة. تُعالج طاقات الاهتزاز في البلورة على أنها هزّازات توافقية كمومية. وهي لا تقبل أو تخسر الطاقة إلا بوحدات محددة بعلاقة بلانك hu. تُعرف أنماط الاهتزاز هذه الموجودة في البلورة والتي تقبل كميات محددة من الطاقة بالفونونات.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات