تدريب رائد فضاء ليست بالمهمة السهلة، فهم يخضعون لسنواتٍ من التدريب التقني الدقيق ولتدريبات صحية وأمنية كي يتعلموا المهام البسيطة والمعقدة اللازمة في مهمة نموذجيّة، مدتها من أربعة إلى ستة أشهر. يقوم رواد الفضاء بتطوير مهاراتهم في الأنظمة، والروبوتات، وتشغيل المركبات الفضائية، وأنشطة الهندسة الفضائيّة وحتى تعلّم اللغة الروسية.
فيما تطوّر وكالة ناسا مهمات الاستكشاف الفضائي العميق في رحلتها إلي المريخ، تفحص الوكالة سُبل التدريب الحالية من أجل التأقلم مع المهمات لفترات أطول وأطول.
يقول إيمانويل بارشي (Immanuel Barshi) وهو باحث نفسي في قسم تكامل النُظم البشرية، بمركز أبحاث اميس التابع لناسا (Ames Research Center) في موفيت فيلد، ولاية كاليفورنيا: "يُدرب علماء الفلك خلال برنامج المكوك (Shuttle Program) من خمس إلى ثمان سنوات، لأجل مهمة مدتها من عشرة إلى أربعة عشر يوماً، مع برنامج عمل مخطط فيه لكل دقيقة".
تُوضح أبحاث خاصة بأفراد الفريق استمرت لعقود من الزمن، أنه قد يكون للفضاء آثار سلبية علي الناس. تُشير البيانات إلى أنه كلما طال وجود البشر في الفضاء، كلما عَظُمَ التأثير. على سبيل المثال، في رحلة إلى المريخ سيتعرض الأشخاص لثلاث سنوات من الجاذبية الضعيفة جداً والإشعاع، بالإضافة إلى بيئة تحوي من ثلاثة إلى خمسة أشخاص آخرين فقط، منفصلين عن مواطنهم، ذلك سيجعلهم يواجهون دورات ضوئية مُتقلبة من النهار والليل، وسيقضون ثلاث سنوات لينسوا بشكل حتمي بعض التمارين التي تعلموها قبل مغادرتهم الكوكب.
يختبر بحث بارشي، وهو عبارة عن دراسة سُميت باستعادة التدريب (Training Retention)، إلى أي مدى يمكن أن تُؤثر هذه المفاهيم للمهمات المريخية على الأداء الفردي للطاقم، فضلاً عن أنه يوفر رؤي جديدة وخاصة بالطريقة التي يتدرب بها الناس على أعمالهم على الأرض. وذلك بالتعامل مع مساهمين في مركز جونسون للفضاء (Johnson Space Center)، في هيوستن، والتابع لوكالة ناسا، سُيدرس بارشي أداء رائد الفضاء سكوت كيلي (Scott Kelly)، خلال مهمته التي تستمر لمدة عام كامل علي متن محطة الفضاء الدولية (ISS)، بالإضافة إلى دراسته لروّاد الفضاء في الرحلات التي تستمر لستة أشهر، وسيُقارن النتائج مع نتائج روّاد فضاء على الأرض خلال المدة الزمنيّة نفسها.
سيقوم بارشي بمقارنة مهارة رائد الفضاء، بعد استرجاع البيانات من الفضاء و الأرض بمهارة طلاب ما قبل التخرج، وذلك بالتعاون مع مركز أبحاث التدريب (Center for Research on Training) في جامعة كولورادو في بولدر بولاية كولورادو.
معظم ما هو معروف حول كيفية تعلّم الناس و قدرتهم علي استرجاع المعلومات والمهارات مبني على أبحاث جامعية. إنّ مثل هذه المقارنات ضرورية جداً من أجل تطبيق الفرضيات الأرضيّة على العمليّات الفضائيّة، وخصوصاً كيفية تأثير الفترات الطويلة من السفر الفضائي على أفراد الطاقم.
يقول بارشي: "يعلم الباحثون أن المهارات التي يتم الاحتفاظ بها محددة جدا، فيما تتلاشي المهارات القابلة للتعميم بسرعة أكبر، إلا إذا تمت ممارستها بشكل مستمر".
على سبيل المثال، يستطيع الإنسان تعلم إدخال الرقم (8675309) على لوحة مفاتيح حاسب بسرعة كبيرة وبدقة ممتازة، والإبقاء على هذه المهارة لفترة طويلة. ثم اطلب منه القيام بنفس المهمة، ولكن هذه المرة باستخدام سلسلة مختلفة من الأرقام، في هذه الحالة سيكون بطيئا بقدر شخص آخر لم يقم بالمهمة الأولى. مما يعني، إنها السلسلة المحددة من الأرقام التي يتذكرها الناس، وليس المهارة القابلة للتعميم في إدخال أي رقم.
نتائج هذه الدراسة لن تخبر فقط عن اختيارات ما قبل الإطلاق الخاصة بروّاد الفضاء على متن المحطة والتدريب اللاحق، ولكن قد تُطبق أيضاً على متطلبات التدريب للعديد من المهن الاحترافية.
حالياً، الصناعات شديدة الخطورة، مثل مستخرجو النفط، والعاملون في مصانع الطاقة النووية، والأطباء، وطيّاري الطائرات، ووحدات تحكم الحركة الجوية، والمركبة الفضائيّة، كما تعتمد مجموعة مُتطلبات التدريب على الاتفاق بالرأي حول الصناعة وليس بالضرورة على بحث محدد.
وأضاف بارشي: "نأمل أن نكون قادرين علي تمييز ما إذا كانت الفترات الأقصر أو الأطول في التدريب هي الأفضل، ونتساءل ما إذا كنا ندرب الناس بإفراط من دون منفعة إضافية أو إنقاذ للأرواح، وبتكلفة وعدم كفاءة أكثر، والأهم، هل ندرب الناس بما فيه الكفاية؟".