الاتحادات بين المجرات أكثر تدميراً مما نعتقد

قدّر علماءٌ من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا (MIPT) وجامعة أكسفورد، وعلماء من الأكاديمية الروسية للعلوم، عدد النجوم الممزقة من قبل ثقوب سوداء منزوية في المراكز المجرية التي تكونت من خلال اندماج مجراتٍ تحتوي على ثقوب سوداء هائلة الكتلة، حيث حدد علماء الفيزياء الفلكية إمكانية التأثيرات الثقالية الناجمة عن ثقبين أسودين منجذبين إلى بعضهما أن تشرح سبب قلة عدد النجوم التي تُرصد عند التقاطها من قبل الثقب الأسود عما تتنبأ به النماذج النظرية الأساسية.

ونظر الباحثون في دراستهم -التي نُشرت في مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal- في التفاعل بين الآليات الديناميكية التي تؤثر في عدد نجوم المجرة التي يجري التقاطها في كل وحدة زمنية (معدل الاضطراب المدي)، وأسفر نموذج نظرية متقدمة عن نتائج غير متوافقة مع عمليات الرصد، مما قاد الفريق إلى فرضية أن اضطراب النجوم في نواة المجرة ربما يحدث بدون علمنا.

اضطراب النجوم 


إن أحداث الاضطراب المدي tidal disruption events، أو ما يُعرف بـ (TDEs) هي المصدر الوحيد المتاح للمعلومات من نواة مجرية خاملة، فهناك على الأقل ثقب أسود واحد في مركز معظم المجرات. ويُحاط هذا الثقب بعناقيد نجمية مركزية كثيفة، وتشغل الثقوب السوداء مناطق تعرف بنواة مجرية galactic nuclei. وكما يوحي اسمها، لا تشع الثقوب السوداء أي ضوء، ومع ذلك، عندما تهوي المادة ضمن الجرم المركزي الهائل، تسخن إلى درجة حرارة هائلة، ويمكن رصدها بالتلسكوب.


بينما تهوي المادة المكونة للنجوم داخل الثقب الأسود، تنبعث منها أشعة سينية (أشعة إكس). تُظهر الأجهزة بياناتٍ جُمِعت بواسطة ثلاثة تلسكوبات، حيث يشير المحور العمودي إلى شدة سطوع الأشعة السينية، بينما يشير المحور الأفقي إلى طول الموجة. المصدر: NASA/CXC/U. Michigan/J. Miller et al.; Illustration: NASA/CXC/M. Weiss
بينما تهوي المادة المكونة للنجوم داخل الثقب الأسود، تنبعث منها أشعة سينية (أشعة إكس). تُظهر الأجهزة بياناتٍ جُمِعت بواسطة ثلاثة تلسكوبات، حيث يشير المحور العمودي إلى شدة سطوع الأشعة السينية، بينما يشير المحور الأفقي إلى طول الموجة. المصدر: NASA/CXC/U. Michigan/J. Miller et al.; Illustration: NASA/CXC/M. Weiss


لدى المجرات النشطة سحب غازية تغذي الثقوب السوداء، وهذا يجعلها مرئية، ومع ذلك لا يزال هناك ما يقرب من 90% من المجرات لا تزال غير مرئية أو غير مكتشفة، بسبب عدم احتوائها على سحبٍ غازية، وبناءً على ذلك، لا وجود لمادة يستهلكها الثقب الأسود ما عدا بعض نجوم أخرى شاردة يحدث مرورها بقرب شديد.

عند حدوث ذلك، يتمزق النجم نتيجة القوى المدية، فيخضع لما يعرف بتأثيرات التشظي spagettification، وعندها يكتشف علماء الفلك حدث اضطراب مدي (TED)، وحتى الآن، رُصِد أكثر من 50 توهجاً إشعاعياً مرتبطاً بأحداث اضطراب مدي.

ويُعتَقد أن معدل مقدار الاضطراب النجمي هو نجم واحد في كل 10000 إلى 100000 سنة في كل مجرة. وبناءً على هذه المعلومة، يحاول العلماء تطوير نموذج موثوق لمعرفة ما يحدث في نواة المجرات الخاملة.


 

 

افترض وجود مجرة كروية في الفضاء


تشمل أبسط النماذج النظرية وجود مجرة تمتلك نواة كروية الشكل ولديها ثقب أسود عملاق في مركزها، وتدور حول الثقب الأسود نجومٌ يتغير اتجاه حركتها كلما مرت قرب بعضها البعض، وهي الطريقة التي ترتد بها كرات البلياردو عن بعضها البعض عند اصطدامها بالمنضدة، ومع ذلك، في حين تحتاج كرة البلياردو أن تتحرك بشكل مستقيم نحو الفتحة لتسقط بداخلها، لدى النجم المزيد من الخيارات، إذ يكفي أن يكون شعاع سرعته ضمن ما يعرف بمخروط الفقدان loss cone لنضمن أن النجم سيُلتَقط في نهاية المطاف من قبل الثقب الأسود ويتمزق بواسطة جاذبيته.

ووفقاً لهذا النموذج البسيط، سيكون المعدل نجماً واحداً يُلتقط كل 1000 إلى 10000 سنة، أي أكثر تكراراً مما لوحظ، وعلى الرغم من أن النموذج يمكن تحسينه بأخذنا عوامل أخرى في الاعتبار (على سبيل المثال، الاختلاف في كتل النجوم)، وهذا سيؤدي فقط إلى زيادة معدلات الاضطراب المدي المتوقعة.

نجم ذو شعاع سرعة هوى به إلى مخروط الفقدان. يشير الرمز BH إلى الثقب الأسود، والرمز rcapt إلى شعاع الالتقاط. المصادر: Moscow Institute of Physics and Technology
نجم ذو شعاع سرعة هوى به إلى مخروط الفقدان. يشير الرمز BH إلى الثقب الأسود، والرمز rcapt إلى شعاع الالتقاط. المصادر: Moscow Institute of Physics and Technology


تأثير المقلاع أو النقافة slingshot effect


في الوقت الحاضر، هناك آلية واحدة فقط نوقشت في مصادر منشورة، والتي قد تكون مسؤولة عن حقيقة أن عدداً أقل من النجوم المتوقعة قد التُقطت.

ومما يدعو للفضول أن هذا الأمر يتطلب أن أغلب النجوم المنخفضة الزخم الزاوي تتلاشى، إذا جاز التعبير. دعونا أولاً ندرس حالة مماثلة تنطوي على انتشار الغاز، افترض أنه يوجد ذرات غازية تتحرك حركة عشوائية يحتويها وعاء يمكن أن تمتص جدرانه الذرات، والآن تخيل أن الذرات الأقرب من الجدران قد أُزيلت، والنتيجة الواضحة لهذا ستكون عدداً أقل من الذرات يجري امتصاصها كل وحدة زمنية، وذلك لأن الذرات المتبقية يتحتم عليها السفر مسافة معينة، قبل أن تصل إلى الجدار.

وبالمثل، إذا أُزيلت النجوم من مركز المجرة، فمعدل الاضطراب النجمي سينقص، وبطبيعة الحال، لا يمكن للنجوم التلاشي ببساطة في الهواء، ولكن إذا استضافت المجرة ثقباً أسود ثنائياً، حينئذ يمكن قذف النجوم الفردية من المجرة عن طريق ما يسمى المقلاع الثقالي gravitational slingshot، وهي مناورة تعرف أيضاً بالمساعدة من الجاذبية gravity assist عندما يتعلق الأمر بمركبة فضائية من صنع الإنسان.

وقانون مصونية الطاقة يقضي بأنه عند تسارع نجم (أي تلقى طاقة حركية إضافية) فإن طاقة الثقب الأسود الثنائي يجب أن تنخفض، وكنتيجةٍ لذلك، ينجذب الثقبان الأسودان أحدهما للآخر ويبدآن في الاندماج، وفي نهاية المطاف، عندما يقارب الاندماج على الاكتمال، يُشَعُّ بعض من الطاقة خارجاً على هيئة أمواج ثقالية gravitational waves، كما يبين هذا الاكتشاف المثير في الأونة الأخيرة.

خلال المرحلة الأولية من الدمج المعروفة باسم مرحلة الانتقال للحركة الحلزونية inspiral، يدور الثقبان الأسودان حول مركز مشترك للكتلة ويقتربان تدريجياً من بعضهما البعض، ثم يحدث الدمج السليم وتنبعث معظم الأمواج الثقالية، تمثل الخطوط الحمراء والزرقاء أسفل الصورة الإشارات الثقالية المصاحبة لاندماج الثقب الأسود. بعد الاندماج الكامل، يصبح الثقب الجديد الوحيد الآن خاضعاً لتذبذبات يُشار إليها بظاهرة تخفيض تيار النداء (المرحلة التي تكون فيها الموجات الثقالية الناتجة سعتها أكبر ما يمكن) ringdown. المصادر: LIGO، NSF، Aurore Simonnet (Sonoma State U.)
خلال المرحلة الأولية من الدمج المعروفة باسم مرحلة الانتقال للحركة الحلزونية inspiral، يدور الثقبان الأسودان حول مركز مشترك للكتلة ويقتربان تدريجياً من بعضهما البعض، ثم يحدث الدمج السليم وتنبعث معظم الأمواج الثقالية، تمثل الخطوط الحمراء والزرقاء أسفل الصورة الإشارات الثقالية المصاحبة لاندماج الثقب الأسود. بعد الاندماج الكامل، يصبح الثقب الجديد الوحيد الآن خاضعاً لتذبذبات يُشار إليها بظاهرة تخفيض تيار النداء (المرحلة التي تكون فيها الموجات الثقالية الناتجة سعتها أكبر ما يمكن) ringdown. المصادر: LIGO، NSF، Aurore Simonnet (Sonoma State U.)



مجرة غير كروية في الفضاء


على الرغم من أن اندماج المجرات يمكن أن يكون مصحوباً بانخفاضٍ في معدل الاضطراب النجمي، لوحظ أيضاً التأثير المعاكس، ويتعلق هذا التأثير بحقيقة أن أي نواة مجرية نشأت بواسطة الدمج، فإن شكلها غير كروي قليلاً.

في النواة غير الكروية، تكون النجوم أكثر امتزاجاً فيما بينها، وبالتالي، هناك العديد من النجوم التي تمتلك مدارات تقع قريباً من الثقب الأسود، وهذا يعني أن العديد من النجوم متاحة ليتم التقاطها، وأن معدل الاضطراب المدي يرتفع، على الرغم من تأثير المقلاع.

ولمعرفة كيف يؤثر تفاعل هذين العاملين المتغيرين في الاضطراب النجمي، قام كيريل ليزنين Kirill Lezhnin ويوجين فاسيلييف Eugene Vasiliev -وكلاهما خريجا معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا (MIPT)- بإجراء الحسابات الضرورية، وتقصيا ثأثير كتلة الثقب الأسود وهندسة التجمع النجمي الذري والظروف الأولية في معدلات الاضطراب.

أكثر تدميراً حتى!


تبين أن تأثير إزالة النجوم من وسط المجرة بواسطة المقلاع الثقالي كان مهملاً في جميع الحالات فيما عدا حالة المجرة الكروية في الفضاء. وتجدر الإشارة -على الرغم من ذلك- إلى أن الشكل التي تشكلت به المجرة في الدمج ليس شكلاً مثالياً. وفيما يخص النتائج الحسابية، فإن خلاصة الأمر هو أن ما معدله نجم واحد كل 10000 سنة في كل مجرة يجب أن يخضع لاضطراب.

وبينما يتوافق هذا الرقم مع توقعات نظرية سابقة، فإنه أيضاً يطرح السؤال التالي: لماذا لوحظ عددٌ من الاضطرابات المدية (TDEs) أقل مما نتوقعه من النماذج النظرية التي لدينا؟

يقول كيريل ليزنين، وهو أحد معدي الدراسة، موضحاً أهمية نتائج البحوث: "أظهرنا أن معدل الاضطراب المنخفض الملحوظ لا يمكن أن يعزى إلى تأثير المقلاع، ولهذا نحتاج لإيجاد آلية أخرى تقع خارج نطاق الدراسات الديناميكية النجمية، وعوضاً عن ذلك، فإن معدلات الاضطراب المدي التي وصلنا إليها يمكن أن تكون في الواقع صحيحة، وحينئذ سنحتاج لإيجاد تفسير لعدم رصدها".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات