هل يمتلك المذنب 67P المقومات الأساسية للحياة؟

 

ليس من المفاجئ أن يكون أحد أكبر أسرار الحياة هو الحياة ذاتها، أي كيف نشأت وتطورت على الأرض، ولماذا لم تظهر في أي مكان آخر في الكون (على حد علمنا)؟ 

وبما أننا نحتاج إلى تعلّم المزيد عن الكون حتى نستطيع الإجابة عن الجزء الأول، فستقتصر إجابتنا على الجزء الأول والمهم. فقد أعلن علماء الفلك بأنهم اكتشفوا وجود المقومات الأساسية للحياة في الغلاف الجوي للمذنب 67P، أي تلك القطعة الكبيرة من الصخر التي استطاع مسبار "فيله" Philae الهبوط عليها في عام 2014.

في ذلك الوقت، تعطلت بطارية المسبار فيله وانعدمت الكثير من الآمال بمعاودة الاتصال معه. ولكن مركبة "روزيتا" Rosetta التي تدور حول المذنب منذ تلك الفترة استطاعت مؤخرًا اكتشاف شيء عظيم - ألا وهو وجود مقومات الحياة الأساسية في الغلاف الجوي المليء بالغبار. 

لخلق حياة جديدة من العدم، نحتاج إلى وجود الغليسين (حمض أميني)، وعنصر الفوسفور - أي المكونات الأساسية للحمض النووي، هذا إضافة إلى البروتين وأغشية الخلايا. وقد تواجد هذان المكونان معًا لأول مرة في الهالة الغازية التي تحيط بالمذنب. 

تقول "كاثرين ألتويغ" Kathrin Altwegg، إحدى أفراد فريق روزيتا من جامعة بيرن السويسرية، في حديثها مع صحيفة The guardian: "يبدو أنه حتى الأجرام البدائية كالمذنبات تحتوي على خليط كيميائي معقد، وذلك بشكل مستقل عن الشمس والأرض. فهي تحتوي على كل ما نحتاجه لقيام الحياة، باستثناء الطاقة". 

على مدار عقود من الزمن، كانت أفضل التفسيرات التي تصف كيفية نشوء الحياة على الأرض تنص على أن "اللبنات الأساسية للحياة" وصلت إلى هنا بطريقة ما، ومن ثم امتزجت مع الظروف المناسبة في الوقت المناسب.

بحث العلماء عن منشأ هذه المواد الكيميائية الأساسية. ولكن وجود الحمض الأميني، الغليسين، يطرح مشكلة كبيرة إلى حد ما. لا يمكن أن توجد الحياة بدونه، ولكنه صعب الاكتشاف نظرًا لأنه يغيّر حالاته بسهولة بالغة. 

وكما شرحت "بليندا سميث" Belinda Smith في مجلة Cosmos: "يتحول الغليسين من الحالة الصلبة إلى الغازية حالما تنخفض الحرارة إلى ما دون 150 درجة مئوية، وتدعى هذه العملية بالتصعيد". 

يعني هذا الأمر أن أفضل طريقة لإيجاد الغليسين في المنطقة المجاورة للمذنب لا تكون عبر البحث عنه في النواة الجليدية الصلبة، وإنما عبر البحث في سحابة الغاز التي تنبعث منه عندما يصبح أقرب إلى الشمس عبر مساره المداري. 

لم يعثر العلماء على أي مؤشرات لوجود الغليسين في المذنبين الذين خضعا للدراسة بشكل كبير وهما: "هالي-بوب" Hale-Bopp و"هاياكوتيك" Hyakutake. ولكن في عام 2006، وجد مسبار "ستاردست" Stardust التابع لناسا بعض الغليسين الذي بدا وكأن المذنب "وايلد 2" Wild2 قد طرحه إلى الفضاء. لكنّ ما أفسد بهجة الاكتشاف حينها هو عدم القدرة على استبعاد حقيقة تسبّب الإنسان بالتلوث.

ولكن بفضل مقياس طيف روزيتا للبحث عن الأيونات والتحليل المحايد (Rosina)، نستطيع القول بأننا نملك أخيرًا الإثبات القاطع بأن هذا العنصر موجود في الغلاف الجوي للمذنب، إلى جانب الفوسفور وجزيئات أخرى مثل سيانيد الهيدروجين وكبريتيد الهيدروجين. إذ توجد هذه العناصر كلها بدون تدخل الإنسان أو وجود أي أثر له. وفي هذا الصدد، تقول ألتويغ في حديثها مع Cosmos: "إنه الاكتشاف الحاسم والأول من نوعه لوجود الغليسين في الغلاف الجوي الرقيق لمذنب ما". 

يعني التأكد من إمكانية وجود الغليسين في هالة المذنب أن فرضية كون المذنبات أو الكويكبات الصغيرة هي التي أوصلت مقومات الحياة الأساسية إلى الأرض، قد ازدادت قوة ورجحانًا. 

تقول ألتويغ في حديثها مع صحيفة The guardian إنه من المحتمل أن يكون الغليسين قد تشكل منذ مليارت السنين في طبقات الجليد التي أحاطت بجسيمات الغبار وشكلت نقطة البداية للنظام الشمسي، وهو ما يعرف بالسديم الشمسي البدائي. ساهمت حبيبات الغبار الكونية هذه في تشكيل المذنبات التي تساقطت على الأرض في بداية تكوّنها، ومنحتها المكونات المطلوبة لقيام الحياة. هذا يعني أن العملية نفسها ربما قد حدثت في مكان آخر من الكون، وذلك طالما هناك مياه لتشكيل الأحماض الأمينية الأساسية الأخرى. 

تقول ألتويغ: "من المحتمل أن تكون المذنبات قد بعثت الحياة في الأرض عن طريق اصطدامها بالمحيطات. ولكنّ الشيء الأجمل هو حقيقة أننا أظهرنا أن الحمض الأميني "كوني" (أي موجود في أماكن مختلفة من الكون). وبالتالي، يمكن أن يتشكل في أي سديم يعود للنظام الشمسي البدائي، ولعله ربما ساهم في بعث الحياة في مكان آخر". 

ختامًا، يجدر التنويه إلى أن هذه النتائج قد نُشرت في مجلة Scientific Advances
 

 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات