الاستعانة بالنجوم النابضة كأدوات ملاحية في مسح السماء

مهمة مجاميع المرآة المضمنة في جهاز مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني (نيسر) (NICER)، هي جمع بيانات البنى الداخلية للنجوم النيترونية، بما في ذلك النجوم النابضة، وذلك بمسح سماوي. المصدر: Keith Gendreau/NASA's Goddard Space Flight Center

طالما اهتدى المسافرون على مدى قرونٍ خلت بمواقع النجوم في رحلاتهم، وأما الآن فإن محطة الفضاء الدولية International Space Station تختبر تجربةً جديدةً، من شأنها أن تُظهر مدى اعتماد المركبة الفضائية على استخدام النجوم النابضة للاهتداء بها في رحلاتها للبحث عن كواكبَ خارج النظام الشمسي، التي قد تتحول إلى أمرٍ واقعٍ في يومٍ من الأيام.

ولإثبات هذه التجربة على محطة الفضاء الدولية، تحسب تقنيةٌ جديدةٌ الموقع الدقيق للمنصة المدارية في الفضاء، بدون الاعتماد على الأجهزة المثبتة على الأرض، وذلك بفضل مساعدة نجومٍ بعيدةٍ تُسمّى نجوم الميلي ثانية النابضة Millisecond Pulsar، التي تومض بمعدلاتٍ دقيقةٍ.

ويوضح كيث جندريو Keith Gendreau، من مركز غودارد الفضائي لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا الفضائية NASA's Goddard Space Flight Center، في مريلاند Maryland، وهو أيضًا الباحث الرئيسي في المشروع المكون من اثنين وخمسين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية، يوضح ذلك بقوله: "بعض نجوم الميلي ثانية النابضة منتظمة للغاية، وانتظامها يشبه انتظام ساعة الحائط".

وقدّم جندريو النتائج إلى الصحافيين، في يوم الخميس الموافق 11 يناير/كانون الثاني، خلال الاجتماع النصف سنوي الحادي والثلاثين بعد المئتين للجمعية الفلكية الأمريكية The 231stSemiannual Meeting of the American Astronomical Society، في ناشيونال هاربور National Harbor، في ولاية ماريلاند.

أداة قديمة بلمسة عصرية


عندما ينفجر نجمٌ ضخمٌ خالقًا مستعرًا فائقًا ناريًا يُسمّى السوبرنوفا Supernova، يُخلّف وراءه نجمًا نيترونيًا Neutron Star، وبصورةٍ مدهشةٍ فإن حجم نواته يعادل حجم مدينة، لكن كتلته تعادل كتلة الشمس. وتدور بعض النجوم النيترونية بسرعة، مطلقةً ومضاتٍ من إشعاعاتٍ ضوئيةٍ تشبه ومضات المنارة التي تقوم بمسحٍ أرضيٍّ، ومعظم النجوم النيترونية السريعة هي نوعٌ من نجوم الميلي ثانية النابضة، التي تدور بسرعةٍ مغزليةٍ، وبتردداتٍ فلاشيةٍ متقطعةٍ، وبعدة مراتٍ في الثانية الواحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر معظم النجوم النابضة -بما في ذلك تلك التي اعتمد عليها البرنامج الجديد- مستقرةً للغاية، بحيث يمكن التنبؤ بتوقيت وصول نبضاتها بوحدة الميكروثانية الدقيقة، على امتداد سنواتٍ في المستقبل. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، ثُبّتت آلة مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني التابع لوكالة ناسا الفضائية NASAs Neutron-star Interior Composition Explorer (اختصارًا: نيسر NICER) خارج محيط المحطة الفضائية. وعلى مدى الستة أشهرٍ الماضية، ركزت تلسكوبات الأشعة السينية، البالغ عددها اثنين وخمسين تلسكوبًا، التابعة لآلة نيسر، على دراسة النجوم النيترونية، بما في ذلك النجوم النابضة.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وُظفت التلسكوبات كأدواتٍ ملاحيةٍ، بعد أن كان عملها مقتصرًا على خدمة الأغراض العلمية، ويرجع الفضل في ذلك إلى آلة مستكشف المحطة لتجارب الأشعة السينية الزمنية وتكنولوجيا الملاحة Station Explorer for X-ray Timing and Navigation Technology Experiment (اختصارًا: آلة السُدس، سيكستانت SEXTANT)، ففي حين كان البحّارة القدماء يخوضون غمار البحار باستخدام آلات السُدس التقليدية، المهتدية بموقع نجمٍ محددٍ، تستطيع آلة السُدس سيكستانت الحديثة الاهتداء بمواقع نجوم الميلي ثانية النابضة.

وعندما توقفت المحطة الفضائية عن التحليق في الفضاء عند مسافة تزيد قليلًا عن 17500 ميلٍ في الساعة (28000 كيلومتر في الساعة)، توقفت آلة سيكستانت عن استقبال معلومات موقع المحطة الفضائية الدولية، وأصبح بمقدورها تحديد موقعها في الفضاء بمفردها، دون الاعتماد على المعطيات المعلوماتية من الأرض. علاوةً على ذلك، أصبح بمقدورها توجيه تلسكوبات نيسر نحو أربع نجومٍ من نجوم الميلي ثانية النابضة، والمحددة سلفًا.

توضح الصورة تصويرًا لجهاز مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني (نيسر) (NICER)، المثبت على متن محطة الفضاء الدولية. وقد قام الباحثون بتوجيه خمسةٍ وستين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية التابعة لجهاز (نيسر) (NICER)، نحو أربعة نجومٍ تُسمى "نجوم الميلي ثانية النابضة" (millisecond pulsars)، لتحديد موقع المحطة الفضائية بشكل مستقل. المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center
توضح الصورة تصويرًا لجهاز مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني (نيسر) (NICER)، المثبت على متن محطة الفضاء الدولية. وقد قام الباحثون بتوجيه خمسةٍ وستين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية التابعة لجهاز (نيسر) (NICER)، نحو أربعة نجومٍ تُسمى "نجوم الميلي ثانية النابضة" (millisecond pulsars)، لتحديد موقع المحطة الفضائية بشكل مستقل. المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center


ووفقًا لمدير مشروع سيكستانت جيسون ميتشيل Jason Mitchell، وهو تقني تكنولوجيا الطيران في مركز غودارد لرحلات الفضاء، كان جهاز سيكستانت قادرًا على حساب موقعه ضمن النطاق المستهدف بمسافةٍ تتراوح في حدود 10 أميالٍ (16 كيلومترًا)، وفي مدةٍ تقل عن ثمان ساعاتٍ، وقد أظهرت كميةٌ من البيانات الجيدة المواقعَ بدقةٍ عاليةٍ بمسافةٍ تُقدّر بـ 3 أميالٍ (5 كيلومتر).

وعلى الرغم من ذلك، لا يُعدّ هذا الأمر أمرًا رائعًا مقارنةً بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أو الأجسام ذات المدار الأرضي المنخفض، يقول جندريو: "يمتلك النظام عند الذهاب إلى كوكب بلوتو (Pluto) قدراتٍ ملاحيةً عاليةً تفوق تلك المتوفرة لدينا". ويضيف:" يجب أن تساهم التحديثات المتكررة على خفض كمية الأخطاء إلى مسافة كيلومتر (0.6 ميل)، بحلول نهاية عام 2018".

لا يُقدر بثمن


استغرق وصول المركبة الفضائية نيو هورايزونز التابعة لوكالة ناسا الفضائية NASA’s New Horizons Spacecraft مدة عشر سنواتٍ، لتحط رحالها على كوكب بلوتو، علمًا بأنها تُعدّ أسرع بعثةٍ أُطلقت في أيّ وقتٍ مضى، وكمعظم المركبات الفضائية، استخدمت مركبة الفضاء نيو هورايزونز شبكة الفضاء العميقة (Deep Space Network (DSN، وهي مجموعةٌ من التلسكوبات التي تجوب جميع أنحاء الكرة الأرضية، ووظيفتها حساب مسافة المسبار من الأرض، وتستغرق عملية إرسال إشارة مدة 4.5 ساعة للوصول إلى كوكب بلوتو، ومدة 4.5 ساعة أخرى لإعادة إرسال الإشارة من كوكب بلوتو، مما يلزم المركبة الفضائية الانتظار حتى تصل إشارة الإرسال من الأرض، وبواسطة قياس الوقت المستغرق لوصول الإشارة، تستطيع المركبة الفضائية حساب مقدار بُعدها عن الأرض.

يقول جيندريو: "ولأنّ جهاز سيكستانت يعتمد على إشعاعات النجوم النابضة، بدلًا من اعتماده على شبكة الفضاء العميق DSN، يجب على النظام الجديد أن يساهم في تحسين دقة تحديد مواقع المركبات الفضائية". ويضيف بقوله: "على الرغم من كونك قادرًا على معرفة مقدار بُعدك عن كوكب الأرض مُقَدرًا بالسنتيمترات (centimeters)، اعتمادًا على شبكة الفضاء العميقة DSN، إلا إنك لا تزال تفتقر إلى المعلومات".

ويشبه السفر عبر الفضاء المشي لمسافاتٍ طويلةٍ عبر حديقةٍ وطنيةٍ واسعةٍ، تمامًا مثل استخدام شبكة الفضاء العميقة DSN، التي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ القدرة على تحديد موقعك بدقةٍ، عندما تريد معرفة مقدار بُعدك عن معلمٍ رئيسيٍّ محددٍ. بالتأكيد، تمتلك فكرةً عن المسار الذي انطلقت منه، كما يمكنك النظر حولك لمعرفة ما إن كنت في المنطقة الصحيحة بالبحث (ليس بالقياس) عن المعالم الرئيسية الأخرى، لكنك لا تعرف موقعك تحديدًا. وبواسطة الاعتماد على أربعة نجومٍ نابضةٍ متعددةٍ لتشغيل جهاز سيكستانت، يقوم الجهاز بتحديد الموقع إلى نقطةٍ واحدةٍ.

ويعني ذلك تقديم مساهمةٍ كبيرةٍ لشبكة الفضاء العميقة DSN، التي تُدير حاليًا الاتصالات مع أيّ نقطةٍ مكانيةٍ تقع ضمن مسافةٍ تتراوح من 40 إلى 50 ميلًا في الفضاء العميق، بالإضافة إلى إدارتها للبعثات القمرية والبشرية، والبعثات العلمية الأرضية، وفقًا لما أورده مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا الفضائية NASA’s Jet Propulsion Laboratory.

يقوم جهاز مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني (نيسر) (NICER)، على متن محطة الفضاء الدولية، بمسح سماوي باستخدام خمسة وستين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية. المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center
يقوم جهاز مستكشف البنية الداخلية للنجم النيتروني (نيسر) (NICER)، على متن محطة الفضاء الدولية، بمسح سماوي باستخدام خمسة وستين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية. المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center


ويصرّح جيندريو بقوله: "نأمل أن نتمكن من خلال استخدام الملاحة النابضة، في تقليص حجم الحمل، اعتمادًا على هذا النظام بشكلٍ كبيرٍ". ويضيف بقوله: "في حين استخدم التشغيل الأولي خمسًا وستين تلسكوبًا من تلسكوبات الأشعة السينية المتوازية، فإن بعثات البحث عن كواكب خارج النظام الشمسي لن تتطلب العديد من الأدوات، حيث يمكن لأداةٍ واحدةٍ، بحجم أنبوب ملصق، تزن تقريبًا 5 كيلوغرامات (11 رطلًا)، أن تكون بمثابة منارةٍ ملاحيةٍ".

ويقول: "مع هذا الحجم، لا نتوقع أن تكون التكلفة كبيرةً جدًا، وبالتالي، فإن ادخار التكاليف الإضافية سيأتي من عدم استخدام موارد شبكة الفضاء العميقة DSN، لأنّ جهاز سيكستانت يعتمد على استخدام تلسكوب الأشعة السينية، الأداة الملاحية التي يمكن استخدامها كأداةٍ علميةٍ".

ويقول: "بمعنىً آخر، إنها لا تُقدر بثمنٍ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • شبكة الفضاء السحيق (Deep Space Network): هي صفيفة عملاقة مكونة من هوائيات راديوية تدعم مهمات المركبات الفضائية بين-الكوكبية، بالإضافة إلى عدد من المهمات الموجودة في مدارات حول الأرض. تُقدم هذه الشبكة المعروفة اختصاراً بـ (DSN) بيانات كثيرة في مجال علم الفلك الراديوي، مما يُساهم في تطوير فهمنا للنظام الشمسي والكون.
  • النجم النيوتروني (Neutron star): النجوم النيوترونية هي أحد النهايات المحتملة لنجم. وتنتج هذه النجوم عن نجوم فائقة الكتلة -تقع كتلتها في المجال بين 4 و8 ضعف كتلة شمسنا. فبعد أن يحترق كامل الوقود النووي على النجم، يُعاني هذا النجم من انفجار سوبرنوفا، ويقوم هذا الانفجار بقذف الطبقات الخارجية للنجم على شكل بقايا سوبرنوفا جميلة.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات