يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
بعثة جديدة لناسا لدراسة النجوم النيوترونية الغامضة والمساعدة على الملاحة في الفضاء السحيق

تتجه بعثة جديدة تابعة لوكالة ناسا إلى محطة الفضاء الدولية هذا الشهر لترصد أحد أغرب الأجسام القابلة للرصد في الكون.
 


وسيُركَّب مستكشف التكوين الداخلي للنجم النيوتروني المعروف اختصارًا باسم "نيسر" (Neutron Star Interior Composition Explorer) المنطلق في الأول من الشهر الحالي على متن محطة الفضاء الدولية كأول بعثة مخصصة لدراسة النجوم النيوترونية، وهي نوع من النجوم المتداعية تبلغ من الكثافة بحيث أن العلماء غير متأكدين من السلوك الذي تسلكه المادة في داخلها.

يبدأ النجم النيوتروني حياته كنجم تتراوح كتلته بين سبعة أضعاف وعشرين ضعف كتلة شمسنا. وعندما ينفذ وقود نجم من هذا النوع ينهار تحت تأثير وزنه الخاص الأمر الذي يسحق نواة النجم ويطلق انفجارَ مستعرٍ أعظم. وناتج هذه العملية هو كرة فائقة الكثافة لا يزيد قطرها عن 20 كيلومترًا، أي عرض مدينة، ولكنها تحوي ضعف كتلة شمسنا في داخلها. ولو وُجدت معلقة شاي من مادة النجوم النيوترونية على الأرض سيبلغ وزنها مليار طنًا.

يقول باحث نيسر الرئيسي كيث جندرو Keith Gendreau العامل في مركز غودارد للتحليق الفضائي التابع لوكالة ناسا في غرينبلت، مريلاند: "الكثافة التي نتحدث عنها تشبه ضغط شيءٍ كجبل إيفْرِستْ ليصبح بحجم مكعب السكر".


وبسبب الكثافة العالية للنجوم النيوترونية، ليس العلماء على يقين من السلوك الذي تسلكه المادة داخلها. وفي حياتنا اليومية تتألف الأشياء التي نراها من الذرات. أما عندما تتشكل النجوم النيوترونية تُسحَق ذراتها مع بعضها البعض وتندمج. وكنتيجة لذلك يتألف الجزء الأكبر من النجم النيوتروني من جسيمات دون ذرية متراصة في حالات متنوعة – هذه الجسيمات تتكون بشكل أساسي من النيوترونات إضافةً إلى البروتونات والإلكترونات. وستساعد القياسات التي سيأخذها نيسر العلماء على فهم سلوك المادة في هذه البيئة بشكل أفضل.

ويقول العالم الباحث في جامعة كولومبيا سلافكو بوغدانوف Slavko Bogdanov الذي يقود مجموعة نيسر لوضع نماذج منحنيات الضوء: "حالما تصبح تحت سطح النجم النيوتروني يرتفع الضغط والكثافة بشكل سريع للغاية وسرعان ما تصبح في بيئة لا يمكن إنتاجها في أي مختبر على الأرض".

الجسم الوحيد المعروف الذي له كثافة أكبر من كثافة النجم النيوتروني هو ابن عمه المظلم، الثقب الأسود. ويتشكّل الثقب الأسود عندما يتداعى نجم يفوق حجمه حجم شمسنا بعشرين مرة تقريبًا. وتُنشئ الجاذبية القوية للثقب الأسود حاجزًا يُعرف باسم أفق الحدث (event horizon) يمنع عمليات الرصد المباشرة. لذلك يلجأ العلماء إلى النجوم النيوترونية لدراسة المادة عند أقصى حدود الطبيعة القابلة للرصد.

ويقول زافين أرزومانيان Zaven Arzoumanian من مركز غودارد ونائب باحث نيسر الرئيسي ورئيس البعثة العلمية: "تمثل النجوم النيوترونية حد كثافة طبيعية للمادة المستقرة لا يمكنك تجاوزه دون أن تصبح ثقبًا أسود. ولا نعلم ما يحدث للمادة بالقرب من هذه الكثافة العظمى".

سيرصد نيسر النجوم النيوترونية التي تدور بسرعة وتُعرف باسم النجوم النابضة أو البولزارات (pulsars) لدراسة هذا الحد. ويمكن أن تدور هذه النجوم مئات المرات في الثانية أي أسرع من شفرات الخلاط الكهربائي المنزلي. كما أنَّ للنجوم النابضة حقولًا مغناطيسية قوية جدًا هي أقوى من حقل الأرض المغناطيسي بتريليونات المرات. ويؤدي اجتماع الدوران السريع والمغناطيسية القوية إلى تسريع الجسيمات إلى ما يقارب سرعة الضوء. فتتبع بعض هذه الجسيمات الحقل المغناطيسي إلى السطح وتتساقط على الأقطاب المغناطيسية وتسخنها لتُشكِّل ما يسمى بالنقاط الحارة التي تتوهج بشدة مصدرةً الأشعة السينية.

يقول أرزومانيان: "صُمِّم نيسر لرصد انبعاثات الأشعة السينية من هذه النقاط الحارة. فعندما تتحرك هذه النقاط أمامنا، نشاهد المزيد من الشدة حين تصبح على خط بصرنا وشدة أخف حين خروجها منه، لتسطع وتبهت مئات المرات كل ثانية".

وتكون جاذبية النجم النيوتروني من القوة بحيث أنها تسبب انحناء الزمكان، الذي هو نسيج الكون، وتحرف منظورنا لسطح النجم ونقاطه الحارة الدائرة. سيقيس نيسر تغيرات في السطوع تتعلق بالانحرافات الحاصلة أثناء دوران النجم، الأمر الذي سيسمح للعلماء بتحديد نصف قطر النجم النابض وهو قياس مهم لا يمكن أن نفهم بنية النجم الداخلي بشكل كامل من دونه.

ويقول أرزومانيان: "بعد أن نقيس الكتلة ونصف القطر سنتمكن من ربط هذه النتائج بالفيزياء النووية لما يحدث مباشرة حين تضغط هذه الكمية الكبيرة من الكتلة في حجم صغير كهذا".

إضافة إلى فهم كيفية تركيب النجوم النيوترونية ستساعد عمليات الرصد التي يجريها نيسر العلماء على معرفة أفضل بالكتلة الحرجة التي ينبغي أن يبلغها النجم قبل أن يتحول إلى ثقب أسود. وذلك يتسم بأهمية خاصة في الأنظمة التي تدور فيها النجوم النيوترونية حول نجوم أخرى تمكنها من سحب مادة من النجوم المرافقة لها لتحصل على المزيد من الكتلة.

وتقول Alice Harding عضوة فريق نيسر العلمي في مركز غودارد: "كلما ازداد عدد النجوم النيوترونية المرتفعة الكتلة التي نرصدها ترتفع عتبة الكتلة التي يتحول النجم بعدها إلى ثقب أسود. وستساعدنا معرفة ما هي هذه الكتلة الحرجة في تحديد عدد الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية في الكون".

كذلك سيقدم نيسر فرصة فريدة من نوعها إلى العلماء والتقنيين لتحقيق تقدمٍ في مجال ملاحة الفضاء السحيق. إذ ستسجل قياساته للأشعة السينية أزمنة وصول النبضات من كل نجم نيوتروني يرصده باستخدام الانبعاثات المنتظمة للنجوم النابضة كساعات كونية فائقة الدقة. لتنافس بذلك دقة الساعات الذرية كتلك المستخدمة داخل الأقمار الصناعية لنظام التموضع العالميGPS. كما يمكن لبرمجيات التحليق المدمجة - والتي طُوِّرت لتقنية الملاحة والتوقيت التجريبية العاملة بأشعة إكس في مستكشف المحطة- سيكستانت (Explorer for X-ray Timing and Navigation Technology - SEXTANT) - أن تشهد كيف يتغير زمن الوصول المتنبأ به للنبضات من نجم نيوتروني معين أثناء تنقل نيسر في مداره. يتيح الفرق المرصود بين أزمنة الوصول المتوقعة وأزمنة الوصول الحقيقية لسيكستانت بتحديد مدار نيسر بمجرد رصد النجوم النابضة.

ومع أن نظام التموضع العالمي الذي تستخدمه المركبات الفضائية في المدار الأرضي هو نفس النظام الذي يساعد السائقين على الملاحة على الأرض، إلا أنه لا يوجد نظام مكافئٍ بالنسبة للمركبات الفضائية التي تسافر بعيدًا عن الأرض.

يقول مدير مشروع سيكستانت في مركز غودارد جيسون ميتشال Jason Mitchel: "خلافًا لأقمار التموضع العالمي التي تدور حول الأرض فقط، تنتشر النجوم النابضة عبر مجرتنا، لذا يمكننا استخدامها لتشكيل نظام يشبه نظام التموضُع العالمي وبإمكانه دعم ملاحة المركبات الفضائية عبر النظام الشمسي مما سيمكّننا من استكشاف الفضاء السحيق في المستقبل".

ويقدم تركيب الجهاز على متن محطة الفضاء للعلماء والتقنيين فرصةً لتطوير بعثة مُتعددة الأغراض على منصة قائمة.

ويقول جندرو: "لدينا فرصة مُمتازة مع بعثة نيسر-سيكستانت لاستخدام محطة الفضاء الدولية لعرض تكنولوجيا ستقودنا إلى النظام الشمسي الخارجي وما بعده لتخبرنا عن بعض أكثر الأجسام في السماء إثارةً".

نيسر هي بعثة من بعثات توفير الفرص في مجال الفيزياء الفلكية Astrophysics Mission of Opportunity ضمن برنامج إكسبلورر (Explorer) التابع لوكالة ناسا والذي يوفر فرصًا متكررة للتحليق لإجراء أبحاث علمية ذات مستوى عالمي من الفضاء باستخدام معدات مبتكرة وبإدارة تتسم بالبساطة والكفاءة تقارب مجالي الفيزياء الشمسية والفيزياء الفلكية العلميين. وتدعم إدارة بعثات التكنولوجيا الفضائية (Space Technology Mission Directorate) التابعة لوكالة ناسا سيكستانت كجزء من البعثة والذي يمثّل ملاحة المركبات الفضائية باستخدام النجوم النابضة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا
  • النجم النيوتروني (Neutron star): النجوم النيوترونية هي أحد النهايات المحتملة لنجم. وتنتج هذه النجوم عن نجوم فائقة الكتلة -تقع كتلتها في المجال بين 4 و8 ضعف كتلة شمسنا. فبعد أن يحترق كامل الوقود النووي على النجم، يُعاني هذا النجم من انفجار سوبرنوفا، ويقوم هذا الانفجار بقذف الطبقات الخارجية للنجم على شكل بقايا سوبرنوفا جميلة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات