واجهة بينيّة بين الدماغ والآلة، خطوة ضخمة للبشرية!

بينما يتم دمج الأعضاء الإلكترونية مع واجهة دماغ - كمبيوتر بينيّة (Brain - computer interface)، يشهد الحقل الطبي قفزةً أعطت أملاً لملايين المشلولين ومبتوري الأعضاء حول العالم.


لأكثر من عقد من الزمن، وبسببٍ تنكسيّ للدماغ، أُصيبت جان سكورمان Jan Scheurmann بشلل من عنقها وحتى الأسفل. لكن الآن، وبفضل الواجهة البينيّة بين الدماغ والآلة (BCI)، بات بإمكانها إمساك وأكل الشوكولا بواسطة ذراعها الروبوتية، بل وحتى ضرب الكف (hi-five) مع أطبائها!


فبواسطة قطبين كهربائيين بحجم حبة الأسبرين مزروعين في دماغها وبضعة أشهر من التدريب، بات بمقدورها التلاعب بذراعٍ روبوتيّة ذات سبعة محاور حركيّة (الأمام والخلف - أعلى وأسفل - يمين ويسار - حرف المعصم - القبض بالمعصم - التلويح بالمعصم)، والتي يتحكم بها الدماغ. وبعد أن قضمت أول قطعة من الشوكولاتة قالت جان: "قضمة صغيرة لامرأة، هي قضمة عملاقة للـ BCI."


علق الباحث الرئيسي من كلية الطب في جامعة بتسبرغ، أندرو شوارتز Andrew Schwartz : "هذه خطوة مذهلة نحو عمليات أكبر وأكثر استقلالية للبشر غير القادرين على تحريك أذرعهم." وأضاف: "هذه التكنولوجيا، والتي تقود ذراع روبوتية عبر تأويل إشارات الدماغ، لديها قدرات فائقة لازلنا في طور اكتشافها، إذ تشير دراساتنا إلى أنها فعّالة وصالحة لإعادة الوظائف، وقد أخبرنا الأشحاص الذين أجريت لهم عمليات بأن الـ (BCI) أعادت لهم الأمل بالمستقبل."


تمكنت امرأة أخرى مصابة بالشلل- تدعى كاثي هوتشنسن  Cathy Hutchinson - في دراسة منفصلة أُعدت مسبقاً من قبل BrainGate Implant - من استعمال ذراعها لرفع ترمس قهوة وشربها من خلال قشة.

ما هي الـ BCI؟


تعرف الـ (BCI) أيضاً باسم الواجهة البينيّة بين الدماغ والآلة، أو الوصلة بين التفكير والآلة (mind - machine interface) أو أختصاراً (MMI) أو حتى الواجهة البينيّة المباشرة للجهاز العصبي (direct neural interface)، وهي طريقة تُستعمل بها إشارات الدماغ، للتحكم بجهاز خارجي. بتعبير أبسط، تساعد هذه التكنولوجيا على التحكم بالآلات باستعمال الأفكار. 
 

أصبحت الـ (BCI) واحدة من أهم حقول البحوث في المجال الطبي، حيث بإمكانها أن تعيد وتزيد من الحاسّات البشرية والحركة والأعمال الإدراكية.

نظام الـ BCI


الهدف البعيد المدى لمشاريع الـ (BCI) هو تطوير تكنولوجيا عصبيّة، بحيث تكون قادرة على تحويل الأفكار إلى أفعال، وبالتالي، مساعدة الأشخاص الذين يعانون من خسارة أعضاء أو شلل، وإعادة الحركة والتحكم لتلك الأعضاء، وجعلهم مستقلين لأبعد حدود.

يحتوي نظام الـ BCI الحالي على ثلاثة عناصر رئيسية:


  • حسّاس (Sensor): وهو جهاز مزروع في الدماغ، عادة ما يكون عبارة عن مصفوفات متعددة الأقطاب الكهربائية (MEAs) تعمل على التقاط الإشارات التي يعتقد بأنها مرتبطة بحركة الأطراف.

 

  • محلل الرموز (Decoder): مجموعة من الحواسب، إضافةً إلى برامج متخصصة قادرة على تأويل الإشارات العصبية المُجمّعة من قبل الحساس، لتقوم بتحويل تلك الإشارات إلى أوامر لجهاز خارجي.

 

  • الجهاز الخارجي: جهاز تواصل، كالحاسوب أو طرف روبوتية، تتحول عنده الإشارة الدماغية المترجمة إلى الحركات المطلوبة.


كيف يعمل؟


تتمثل الخطوة الأولى في ربط صفٍّ من الإشارات العصبية مع حركاتها المرتبطة بها، حيث تستعمل خرائط التصوير بالرنين بالمغناطيسي لإيجاد مناطق الدماغ المفعلّة عند تأدية مهمة ما، فيساعد هذا الموضوع على وضع الأقطاب الكهربية عند الأهداف الصحيحة.


تزرع الحساسات ذات حجم يقل عن السنتمتر المربع الواحد في القشرة الأولية للدماغ، ولكل واحدة من هذه الـ (MEAs) حوالي ألف نقطة التقاء تسجّل استجابة كل خلية عصبية بمفردها بالإضافة إلى استجابات الخلاية العصبية مجتمعة.


في البداية تزرع الرقائق المصغرة في الدماغ، ثم يطلب من المريض التفكير في القيام بعمل ما، مثل تحريك يده إلى الأمام أو تدوير معصمه، حيث إن كل نشاط يقوم بتحفيز مجموعة فريدة من الأعصاب، وعندما يتم تهييج خلية عصبية، يُخلق فارق جهد بين الغشاء الداخلي والخارجي للخلية، مما ينتج عنه (تيارٍ أيونيّ). تحول الحساسات التيار الأيونيّ المذكور إلى تيارٍ إلكترونيّ (تيار كهربائيّ) وترسله إلى محلل الرموز.


تكمن الصعوبة في تأويل وربط إشارات الدماغ بحركاتها الخاصة بها، لكن بمساعدة الفلترة المنقِّحة والمعالِجة وبرامج الكمبيوتر المعقدة وعدة تجارب، يتم الكشف عن الأنشطة المرتبطة بكل إشارة، حيث تمت برمجة برنامج مدمج مصمم خصيصاً لجعل الجهاز الخارجي المتصل به يؤدي النشاط الفيزيائي المرتبط بالإشارة ما إن يتلقاها.

القابلية للتطبيق تجارياً


على الرغم من أن الأبحاث الموسعة متجهة إلى هذا الحقل، إلا أننا نجد عددًا قليلاً من المنتجات متاحة في السوق الاستهلاكية، بل وعدد أقل ينتمي إلى المصانع الطبية. حيث إن التكلفة الباهظة للمنتج وعدم توفر مشاركين في التجارب العيادية هي بعض أسباب انخفاض شعبيتها.

بعض الأجهزة الطبية المرتكزة على التكنولوجيا العصبية مشروحة باختصار في هذه القائمة:


  • الزراعة في مدخل الدماغ (BrainGate implant): هو جهاز يُزرع مباشرةً في الدماغ، تم تطويره من قبل Cyberkinetics ويعتبر واحد من أهم نظم الـ (BCI)

 

  • محاكي الدماغ العميق (Deep brain stimulator): يُستعمل لمعالجة الشلل الرعاشي وخلل التوتر. وبُحث فيه كعلاج للصرع والاكتئاب. تم تصنيعه من قبل Medtronic.

 

  • المساعد السمعي (Hearing aid): هذا المنتج متاح في أوروبا من قبل شركة الأجهزة الطبية Otologics.
     
  • العين الإلكترونية الحيوية (Bionic eye): شبكية اصطناعية، تعتبر حالياً المرحلة الأولى من التجارب. مقدمة من قبل Second Sight Medical Products.
     
  • محاكي العصب المبهم (Vagus nerve stimulator): يُستعمل لعلاج الصرع والاكتئاب والوزن الزائد. أكبر المصانع لهذا المنتج هي Cyberonics MetaCure و EnteroMedics.
     
  • الهيكل الخارجي المقوى (Powered exoskeleton): هيكل خارجي روبوتي قادر على مساعدة الطاعنين في السن والعاجزين عن السير ورفع الأجسام، مطوَّر من قبل Cyberdyne.
     
  • مزيل الرجفان المزروع (Implanted defibrillator): هذا الجهاز موجه للأشخاص الذين يعانون من نبضات قلبية غير منتظمة، فيمنع حدوث سكتة قلبية مفاجئة. تم تطويره من قبل Medtronic و St. Jude Medical و Boston Scientific و Sorin Group CRM و Biotronic.
     
  • مساعد البُطَين (Ventricular assist): يساعد تجاويف القلب على ضخ الدماء، يُصنع هذا المنتج كل من Thoratec وشركة Abiomed و World Health Corporation.
     
  • منظم التنفس (Breathing pacemaker): يساعد المصابين في الحبل الشوكي على التنفس بأنفسهم عبر تنظيم عمل الحجاب الحاجز. هذا المنتج مصنع من قبل شركة Synapse Biomedical.
     
  • كاميرا بيل (PillCam): كبسولة مجهزة بكاميرا صغيرة جدًا، قابلة للبلع، تستعمل للتنظير الداخلي. مصنع هذه الكبسولة هو Given Imaging .
     
  • ​توصيل الدواء إلى العمود الفقري (Drug delivery to spine): نظام التوصيل هذا موجه للمرضى الذين يعانون من آلام مزمنة. أنتجته شركتا Medtronic و MicroCHIPS.

 

  • ذراع اصطناعية (Artificial arm): يد بديلة مع 18 درجة حرية، مُطوَرة من قبل DEKA Research و Developmbladderent Corporation.
     
  • اليد الإلكتروينة الحيوية (Bionic hand): صُمِمت من قِبل Touch Bionics ويمكنها تأدية وظائف اليد أكثر من اليد البديلة العادية.
     
  • تحفيز العصب العَجْزي (Sacral nerve stimulation): طُور من قِبل Medtronic للتحكم ببعض وظائف المثانة.​
     
  • الساق الذكية (Smart leg): الطرف البديل السفلي الأكثر تطوراً صمم من قبل Otto Bock Healthcare.
     
  • القدم الروبوتية (Robotic foot): لديها الكثير من السمات الإضافية على القدم البديلة. تصنع شركة Ossur هذا المنتج.



ماذا يحمل لنا المستقبل؟


كخطوة تطورية تالية لهذه التكنولوجيا، يخطط الباحثون إضافة إمكانيات التّغذية الارتجاعية للأقطاب الكهربية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تأويل الإحساس، كالقوة المستعملة عند الإمساك بالأشياء. يعملون أيضاً على تصغير الأدوات وإضافة تكنولوجيا لاسلكية. وحتى يمكن تجنب الأجهزة الروبوتية عبر تمرير الإشارات المناسبة مباشرة إلى العصب الحركي المناسب في قسم الحبل الشوكي المتضرر، وهذا يعني إمكانية تحريك المشلول لجسده.


حقق مجال الـ (BMI) تطورات ملحوظة في العقد المنصرم. على الرغم من وجود منتجات قليلة متوفرة في الأسواق، إلا أنه هناك أبحاث واسعة وأعمال مخبرية متوجهة إلى هذا الحقل. 


ما كان في السابق مجرد موضوع خيال علمي مثير، بدأ الآن يكبُر ليصبح قريباً جداً من الحقيقة، فتطورت التكنولوجيا العصبية من مجرد خيال واسع إلى قردة تحرك مؤشر على شاشة الكمبيوتر، ومن ثم إلى إنسان، يحرك أطراف اصطناعية بمهارة في فضاءٍ ثلاثي الأبعاد. في الأعوام المقبلة، نستطيع التوقع من الـ (BCI) ليس فقط إعادة وظائف الأعضاء الحيوية، بل إنماءها وتحسين نوعية الحياة البشرية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات