تكشف الحقول المغناطيسية للنيازك عن كيفية تشكل الكواكب

تقدم أكثر القياسات المخبرية دقةً للحقول المغناطيسية المحتجزة داخل حبيبات، موجودة في نيازك أولية، أدلةً مهمة جداً عن كيفية تطوّر نظامنا الشمسي خلال مراحله المبكرة، و تُشير القياسات إلى أن أمواج الصدمة، التي تتحرك عبر سحابة من الغاز الغباري المحيط بالشمس المولودة حديثاً، عامل رئيسي في تشكل النظام الشمسي.

 

ظهرت النتائج في ورقة علمية نُشرت في عدد 13 نوفمبر من مجلة العلوم، المؤلف الرئيسي للورقة هو طالب الدراسات العليا روجر فو (Roger Fu) من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا و الذي يعمل تحت إشراف بينجامين فايز (Benjamin Weiss) و ستيف ديش (Steve Desch) من مدرسة استكشاف الأرض و الفضاء في جامعة ولاية اريزونا.

 

يقول ديش: "القياسات التي أجراها فو و فايز مذهلة و غير مسبوقة، و لا يعود السبب في ذلك إلى أنهم قاموا بقياس حقول مغناطيسية صغيرة جداً، و هي أضعف بألاف المرات من قدرة الاستشعار لدى البوصلة فقط، و إنما لقيامهم أيضاً برسم التغيرات الحاصلة في الحقول المغناطيسية التي تم اختزانها في النيازك و قاموا بذلك الأمر على كامل أجزاء النيازك".

 

حطام الإنشاء


قد يبدو من المستحيل تحديد كيفية تشكل النظام الشمسي خصوصاً مع معرفة أن هذا الأمر حصل قبل حوالي 4.5 مليار عام، لكنَّ صناعة النظام الشمسي كانت عملية فوضوية و تركت الكثير من الحطام الناتج عن التشكل خلفها من أجل أن يقوم العلماء بدراستها.

 

تعتبر الأجزاء من النوع الأكثر قدماً و أوليةً و تأثراً هي الأفضل بين الجميع، و تعرف بالكوندرايت (Chondrites)، نيازك الكوندرايت عبارة عن أجزاء من كويكبات تحطمت جراء عمليات التصادم و بقيت هذا الأجزاء دون أي تعديل تقريباً لأنها تشكلت أثناء ولادة النظام الشمسي، تلك النيازك مكونة بمعظمها من الحبيبات الحجرية الصغيرة و المعروفة بالكوندرولات (Chondrules)، و التي بالكاد يصل قطرها إلى ميليمتر واحد.

 

تشكّلت الكوندرولات نفسها جراء أحداث الانصهار السريعة التي حصلت داخل سحابة الغاز –السديم الشمسي– المحيطة بالشمس الشابة، لابد و أن أقساماً من السديم الشمسي قد تمَّ تسخينها إلى درجة فاقت نقطة الانصهار الخاصة بالصخر لفترة من الزمن امتدت من ساعات إلى أيام.

 

قامت الكرات الغبارية المحتجزة في هذه الأحداث بخلق قطرات من الصخر المنصهر، الذي برد بدوره و تبلور إلى كوندرولات.

 

مغانط صغيرة


مع هبوط درجة حرارة الكوندرولات، أصبحت المعادن الحاملة للحديد و الموجودة داخلها ممغنطة مثل تلك التي توجد في القرص الصلب، و نتج ذلك الأمر عن الحقل المغناطيسي المحلي الموجود في الغاز، و تم حفظ تلك الحقول المغناطيسية داخل الكوندرولات حتى يومنا هذا.

 

نتجت حبيبات الكوندرول، التي تمَّ رسم حقولها المغناطيسية في الدراسة الجديدة، عن نيزك يُعرف بسيماركونا Semarkona نسبةً للمكان الذي سقط فيه النيزك في الهند عام 1940، و يزن ذلك النيزك حوالي 691 غرام، أو ما يعادل باونداً و نصف.

 

ركّز العلماء بشكلٍ خاص على الحقول المغناطيسية المدفونة و المحّتجزة بوساطة الحبيبات الزيتية "الغبارية" التي تحتوي على كميات وفيرة من المعادن الحاملة للحديد، و وصلت شدة تلك الحقول المغناطيسية إلى حوالي 54 ميكرو تسلا، و هي مشابهة للحقل المغناطيسي الموجود فوق سطح الأرض، الذي يتغير بدوره بين القيمتين 25 و 65 ميكرو تسلا.

 

و مصادفةً أكدت العديد من القياسات السابقة وجود هذا التشابه في الشدة بين الحقول، لكن اليوم فقط تمَّ فهم أن تلك القياسات المكتشفة في المعادن المغناطيسية المشوبة بالحقل المغناطيسي للأرض، اٌستخدمت من قبل مجمعات نيزكية.

 

يقول ديش: "تقيس التجارب الجديدة المعادن المغناطيسية في الكوندرولات و التي لم تُقاس في السابق أبداً، تقوم تلك التجارب أيضاً بإيضاح أن الكوندرول ممغنط بشكلٍ مشابه لقضيب مغناطيسي صغير، لكن الاتجاه الشمالي عشوائي تماماً".

 

و يضيف بأن ذلك الأمر يُشير إلى أنها أصبحت ممغنطة قبل أن يتم بنائها في النيازك و ليس أثناء وجودها فوق سطح الأرض.

 

صدمات و صدمات أكثر


يشرح ديش: "توضّح النمذجة التي أجريتها لعمليات التسخين تلك، أن أمواج الصدمة التي عبرت السديم الشمسي هي من قام بصهر معظم الكوندرولات"، و يعتمد ذلك الأمر على قوة و حجم موجة الصدمة و على الحقل المغناطيسي الموجود في الخلفية و الذي يُمكن تضخيمه إلى حوالي 30 مرة تقريباً.

 

و يضيف ديش: "بوجود قيمة للحقل المغناطيسي تصل إلى 54 ميكرو تسلا، و يوضح ذلك الأمر أن حقل الخلفية الموجود في السديم وقعت قيمته في المجال من 5 إلى 50 ميكرو تسلا".

 

هناك أفكار أخرى تشرح كيفية تشكل الكوندرولات ربما، و يتضمن بعضها توهجات مغناطيسية فوق السديم الشمسي، أو العبور خلال الحقل المغناطيسي للشمس، لكن تلك الآلية تتطلب وجود حقول مغناطيسية أشد قوةً من تلك التي تمَّ قياسها في عينات سيماركونا.

 

يُعزّز هذا الأمر من الفكرة التي تقول بأن الصدمات قامت بصهر الكوندرولات داخل السديم الشمسي في نفس موقع الحزام الكويكبي الموجود اليوم، و الذي يقع على مسافة من الشمس أكبر من مدار الأرض بحوالي من 2 إلى 4 مرات.

 

يقول ديش: "هذا هو القياس الأول الدقيق و الواقعي للحقل المغناطيسي للغاز الذي تشكلت منه كواكبنا".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات