في خطوة غير مسبوقة، مسبار أمل الإماراتي يرصدُ شفقاً قطبياً سعى العلماءُ عقوداً لإيجاده

تصور فني للشفق القطبي على سطح المريخ. (مصدر الصورة: Emirates Mars Mission).


في خطوة غير مسبوقة، مسبار أمل الإماراتي يرصدُ شفقاً قطبياً سعى العلماءُ عقوداً لإيجاده

حـقَّـقـت بعثة الإمارات العربية المتحدة إلى كوكب المريخ (أمل) واحداً من اكتشافاتها الكبيرة الأولى خلال أشهر قليلة فقط من وصول مسبارها إلى الكوكب الأحمر حيث استطاع المسبار رصد شفقاً قطبياً عانى العلماء طويلاً لإيجاده.

تُعرَف البعثة أيضاً باسم "مهمة الإمارات في المريخ" وصُمم مسبار الأمل لدراسة الغلاف الجوي للكوكب عبر طبقاته بشكل شامل على النطاق العام. لكن الاكتشاف لم يكن ضمن مهام البعثة وحدث قبل بدء مهمة المسبار الرسمية عندما كان يختبر العلماء الأدوات على المركبة الفضائية حيث تمكَّن العلماءُ بسهولة من رصد ذلك الشفق القطبي المُتمركِز بكثافة بالجانب المظلم للكوكب عبر الصور المأخوذة من تلك المعدات، ويعتبر الاكتشاف رائداً بسبب معاناة العلماء لرصد ذلك الشفق لعقود من الزمن!

صرح جاستن ديغان Justin Deighan عالم الكواكب بجامعة كولورادو أنَّ التقاط تلك الأشفاق ليس سهلاً بذلك الأمر، لذلك رصدها بواسطة مهمة المريخ الإماراتية يعتبر ملهماً و غير متوقع!

كما وضَّح مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء ونائب في قسم القيادة العلمية لمهمة أمل لموقع (ساينس.كوم) أنَّ شيئاً لوحظ من قِـــبَــل الرادار لكن مشاهدته ضمن بيانات الجانب المظلم من أول مرة كان صادماً، حيث أضاف قائلاً: "مهلاً! هل هذا هو الذي كنا ننتظره؟ لا يمكن أن يكون هو! بلى إنه كذلك! كان ذلك ممتعاً جداً".

يدركُ العلماءُ ارتباط أشفاق الأرض القطبية بالحقل المغناطيسي للكوكب وكونها ناجمة عن جسيمات مشحونة من الشمس، لكنَّ الأمر مختلف بالمريخ حيث لاحظ العلماء ثلاثة أنماط من الأشفاق القطبية.

واحد من أولئك الأشفاق المريخيـّـة يحدث في الجانب المضيء للكوكب بينما يحدث الاثنان الآخران في الجانب المظلم. تحدث واحدة من ظواهر الجانب المظلم فقط خلال العواصف الشمسيـّـة الشديدة جداً و تضيء كامل الجانب. بالمقابل فإنّ ظاهرة الشفق المنفصل الذي لاحظها العلماء بوساطة مسبار أمل لم تكن مقتصرة على فترات النشاط الشمسي الثقيل بل كانت تحدث فقط في مساحات معينة في الجانب.

لم يستطعْ مسبار وكالة الفضاء الأوربية "Mars Express" ومسبار وكالة الفضاء الأميركية ناسا "MAVEN" رصد الشفق القطبي المنفصل بالشكل الذي رصده مسبار أمل. دار المسباران السابقان في مدار أقرب إلى المريخ مقارنةً بالمسبار الإماراتي، ورصدَ أقل مما رصدَه أمل ولم تكنْ معداتهم بتلك القوة.

اتضحَ أنَّ وجودَ أشفاق قطبية أكثر في المريخ مقارنةً بما هو موجود في كوكبنا منطقيُّ بسبب اختلاف الحالات المغناطيسية على الكوكبين، حيثُ صرَّحَ العالم ديغان قائلاً: "الأشفاق القطبيـّـة المُتقطعَة مرتبطة بفهمنا للمريخ الذي بدأ بعصر علوم الفضاء حيث تبيَّن امتلاك كوكب المريخ لحقل مغناطيسي بخصائص غير اعتياديـّـة". كما أضاف: "ذهبوا إلى هناك بمطلع الستينات متوقعين مشاهدة ما يماثل حقل الأرض المغناطيسي فلم يجدوا شيئاً، وقد لاحظوا بعدها في حيرة من أمرهم أنَّ هنالك شيء ما يذهب و يأتي! فما الذي يجري هنا؟".

حقَّقَ العلماءُ مزيداً من التقدُّم في فهم الخصائص الغريبة للحقل المغناطيسي الخاص بالكوكب الأحمر لأنَّ هذه الظواهر مرتبطة بالقشرة المريخيـّـة حيث تمكـَّـنوا من دراستها بشكل أسهل. وجد العلماء مساحات من الصخور على سطح الكوكب تحتوي على مؤشر لوجود حقل مغناطيسي مريخي سبقَ وأن فقده الكوكب.

وضّح ديغان أن الصخور في الجانب الجنوبي للكوكب حيّرت العلماء الذين كانوا يتعقبون آثار الحقل المغناطيسي، فقد قال: "عاودت أجزاء أخرى من الكوكب الظهور على متن السطح، وتدفقت عليها الحمم البركانية أو تأثيرات أخرى كبيرة قضت على الحقل المغناطيسي، وسُخِّن الكوكب نتيجة ذلك"، فأدّى ذلك إلى بقاء الآثار دون حدوث ضرر لها. علّق ديغان على ذلك: "إن نصف الكوكب الجنوبي قديم جدًا، يعود إلى بدايات النظام الشمسي".

قُدِّمَ مسبار أمل بعدها، في فبراير، لتصبح أول مهمة بين كواكب المجموعة الشمسية من العالم العربي. بأواخر شهر مارس، هبط طاقم البعثة بالمركبة إلى مدار عالٍ فريد بالقرب من خط الاستواء بحيث تحصل معدات المسبار على صورة واسعة و كبيرة للكوكب.

اختار علماء البعثة ذوي الاهتمام العالي بتاريخ المريخ والأسئلة عن عالمنا التي لم يتم الإجابة عنها، ثلاث معدات لجمع ملاحظات عن الغلاف الجوي وطقس الكوكب. من بين هذه الأجهزة مطياف الإمارات المريخي للأشعة فوق البنفسجية الذي صُمِمَ لدراسة هالة الأكسجين والهيدروجين الواسعة المحيطة بالمريخ. دراسة هذه الهالة يساعد العلماء على فهم كيفية انفلات تلك الغازات من الكوكب، حيث صرَّحَـت حصة المطروشي المديرة العلمية للمهمة لموقع (ساينس.كوم) أنَّ جمع كل تلك البيانات يتطلب أداة حساسة وهنا كان العلماء محظوظين لرصدهم الشفق القطبي بوساطتها.

صرَّحَـت مطروشي قائلةً: "توقعنا مقدرة الأداة على القيام بذلك، لم تكن مصممة للقيام بذلك لكن بما أن مهمتنا تستهدف عملية رصد شاملة من جوانب مختلفة داخل الغلاف الجوي، فقد ساعدنا ذلك لقياس الأشفاق القطبية المتقطعة، كان أمراً حماسياً للغاية".

قال ديغان: "بالرغم من كون ظاهرة الشفق القطبي المنفصل ظاهرة خفيّة إلا أنّ هيئتها كانت واضحة حتى في المشاهدات التي قام بجمعها المطياف عند وصول (أمل) إلى مداره". كما أضاف: "بمجرد تجميعنا لصور الشفق القطبي مع خرائط الحقل المغناطيسي للقشرة التي أُعدَت سابقاً قلنا: ها نحن ذا، تماماً كما تبدو! مشاهدات الشفق القطبي مطابقة تماماً لما توقعنا".

بالنسبة للعلماء، يعطي هذا الارتباط شعوراً غريباً حيث قال ديغان: "إنه جديد! لكنك تعلم ما الذي تنظر إليه، إنه لأمر غريب أنْ نستمرَ بوصف المريخ أكثر، ذلك المزيج من الكائنات الفضائية وما هو معروف".

والآن يَعرفُ علماءُ (أمل) أنَّ القياسات والتقديرات ممكنة حيث يتوقعون جمع مشاهدات أكثر لظاهرة الشفق القطبي المتقطع بما أن المسبار سيتابع مهتمه العلمية التي بدأت في 23 مايو لسنة مريخيـّـة كاملة (687 يوم على الأرض).

وضحت مطروشي قائلةً: "هذه المشاهدات خططنا لها لتكون مُجدوَلة ضمن مدار المسبار، هناك دائما فرصة لرصد شفقاً قطبياً واحداً. يمكن للفريق أيضاً الوصول إلى بيانات إضافية، والمراسلة مع الأرض للحصول على مشاهدات أكثر".

يقول ديغان: "على الرغم من أنَّ المشاهدات الجديدة تعطي تفاصيلاً أكثر عن الشفق القطبي المُتقطع إلى هذه اللحظة، فإنَّها لا تُوضِّح بدقة ما إذا كانت الجسيمات المشحونة هي المسؤولة عن هذه الظاهرة". يرجع السبب إلى الإلكترونات التي من الممكن أن تأتي من الشمس أو من الكوكب ذاته. الأمر الذي يثق فيه ديغان هو كون طاقة الالكترونات محددة. حيث يضيف معلقاً: "نعرف بأنها ليست بتلك الجسيمات عالية الطاقة، إنها نوع من الجسيمات النشطة العادية إنْ صح التعبير".

قدْ تساعد مشاهدات وتحليلات أكثر تفصيلاً العلماء على استنباط مصدر هذه الجسيمات. إضافة إلى ذلك، لا يملك العلماء صورة واضحة للشفق القطبي المُتقطِع بالنسبة لعين الانسان على سطح المريخ. يقول ديغان: "يستطيع المطياف ملاحظة الضوء في مجال الأشعة الفوق بنفسجية البعيد، لا تستطيع أعين البشر رؤية الضوء في هذا المجال وكل ما سيشعرون به هو حَرقــَــة وصورة غير مرئية". ويتابع: "هناك على الأرجح الكثير من الأشفاق القطبية في الكوكب الغير مرئية بالنسبة للعين المجردة".

بالمقابل، من الممكن أن يتواجد جزءاً مرئياً للظاهرة. غالباً بالمجال الأحمر والأخضر والأزرق المائل للصُفرَة. في هذه الحالة، ستكون نتائج المشاهدات رائعة وأفضل للملاحظة مقارنة بالأشفاق القطبية المريخيـّـة الأخرى التي قد تخلق تَوهُجاً خَافتاً عبر السماء بأكملها.

يُعلِّق ديغان: "من المحتمل أن تكون مشاهدة ظاهرة الشفق القطبي المُتقطِع أسهل لاحتوائها على العديد من التراكيب ولكونها مُعلقَة في السماء، ستلتقطها عينك بالتأكيد". ويكمل حديثه: "إنه من الصعب رؤية تأثير ما عبر السماء كلها متوهجاً بشكل خافت جداً، ولهذا سيكون الشفق القطبي المُتقطِع نوعاً ما مذهلاً".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات