عرض للمكان الذي سيُدخَل فيه مولد MMRTG في المسبار، بين الألواح على اليمين التي تحمل علامة أنبوب الذهب، قبل دمج نظام الطاقة. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech.
تستمد المركبة الفضائية قوتها من مصدر طاقتها، ولها السبب تحولت ناسا إلى البلوتونيوم المشع في تصميمها للمسبار "بيرسفيرانس" وهو في طريقه إلى المريخ.
البلوتونيوم الذي سينفجر من على كوكب الأرض يوم الخميس 30 يوليو/تموز ليس في نفس الشكل الذي يستخدم للأسلحة، وهو محميٌّ بشكلٍ جيّدٍ في حالة حدوث خطأ ما أثناء الإطلاق، ولكن تُعتبر وحدات البلوتونيوم هذه مصدرَ طاقة قويًّا للمركبة الفضائية، ويعمل المسبار الفضائي "كيريوسيتي" التابع لوكالة ناسا على جهازٍ مماثلٍ.
تقول جون زاكارجسيك June Zakrajsek، خبيرة الوقود النووي في مركز أبحاث غلين التابع لوكالة ناسا في ولاية أوهايو: "تحب ناسا أن تستكشف، وعلينا أن نستكشف في بعض المواقع البعيدة جدًا، والمواقع الترابية، والمواقع المظلمة والبيئات القاسية، عندما نكون في تلك الأنواع من البيئات والطاقة الشمسية في بعض الأحيان لا توفر الطاقة التي نحتاجها، لا يصل الضوء إلى تلك المواقع بالشكل المناسب لتوليد الطاقة".
قد عملت بعض بعثات ناسا إلى المريخ على الطاقة الشمسية بطبيعة الحال، يحمل المسبار"إنسايت" الذي يعمل حاليًا على الكوكب الأحمر ألواحًا شمسيةً، كما فعل المسباران التوءمان "سبيريت" و"أوبورتيونيتي" في وقتٍ سابقٍ من هذا القرن.
يُعتبر مسبار أوبورتيونيتي تميمةَ سوء الحظ لنقاط ضعف الطاقة الشمسية في المريخ، منذ نهاية المسبار عندما منعته عاصفةٌ ترابيةٌ هائلةٌ من الاستفادة من ضوء الشمس، لذلك ستستخدم الطاقة النووية في تشغيل المسبار، وليس هنالك ما يدعو للقلق حول هذا السيناريو.
لذلك بالنسبة لمسبار بيرسفيرانس، انتقلت ناسا لاستخدام البلوتونيوم في نظام مولد كهروحراري متعدد المهام يعمل بالنظائر المشعة (MMRTG)، والذي يجب أن يكون قادرًا على تشغيل المركبة الفضائية لمدة 14 عامًا.
وقال بوب وام Bob Wham، خبير الوقود النووي في مختبر أوك ريدج الوطني: "ليس لدينا أسلاكُ تمديد لنعيد توصيل المولد، فيجب أن يكون موثوقًا به تمامًا".
مثل بقية مسبار بيرسفيرانس، يستند مولد MMRTG بشكلٍ كبيرٍ على مسبار كيريوسيتي، الذي أُطلِق في 2011 وهبط على الكوكب الأحمر في 2012 وكان يئز بثبات منذ ذلك الحين. أمّا عن MMRTG فقد دخل إلى العمل منذ سبع سنوات، تقريبًا في نفس الوقت الذي دعم فيه سالفَه مسبار كيريوسيتي بالطاقة، وتكلف 75 مليون دولار وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية.
(كما سافرت مصادر الطاقة النووية من أصنافٍ أخرى إلى الفضاء البعيد، إذ استُخدِمت في بعثاتٍ مثل مسباري فوياجر التوءم منذ 40 عامًا، والمركبة الفضائية كاسيني التي غطست عبر حلقات زحل).
صُمِّم مولد MMRTG الخاص بمسبار بيرسفيرانس لإنتاج 110 واط عند الإطلاق، تقريبًا نفس القدرة التي يستخدمها مصباحٌ كهربائيٌّ، مع زيادةٍ في القدرة على حسب التوافق بين المجموعة المتنوعة من احتياجات المهمة المحتملة. يتحلل البلوتونيوم، وتنبعث منه الحرارة التي يحولها مولد إلى طاقة لتشغيل جميع أجهزة المسبار، بالإضافة إلى إنتاج ما يكفي من الحرارة لحماية المركبة الفضائية من الليالي المتجمدة والشتاء على سطح المريخ.
بدأ البلوتونيوم كعنصرٍ مختلفٍ تمامًا، وهو النبتونيوم، الذي يقوم العلماء بمعالجته إشعاعيًا بواسطة النيوترونات في مفاعلٍ نوويٍّ لمدة شهرين تقريبًا لتحويله إلى شكل البلوتونيوم اللازم لصناعة MMRTG، ثم يُدمَج البلوتونيوم مع السيراميك، ما يجعله مركبًا أكثر أمانًا ممّا يُستخدَم في الأسلحة.
ومع ذلك، فإن وضع مصدرٍ للطاقة النووية على طرف صاروخ لا يزال يدفعنا إلى اتخاذ بعض التدابير الاحترازية، والأهم من ذلك، أن كلَّ حبيبات البلوتونيوم مغلفةٌ بمادة الإيريديوم، والتي قد تحتوي على المواد المشعة إذا سقطت مرةً أخرى إلى الأرض. وفقًا لوكالة ناسا ووزارة الطاقة، حدث ذلك لمصادر الطاقة النووية المتجهة إلى الفضاء في ثلاث مناسبات، ولم يتسبب أيٌّ منها في أي ضرر، حتى أن أحد مصادر الطاقة قد اصطيد من المحيط لاستخدامه لاحقًا في مهمةٍ أخرى.
تتولى ناسا تطوير فرق مراقبة البعثات للقيام بمتابعة مثل عمليات الإطلاق هذه عن طريق الاستعانة بأفرادٍ إضافيين لتنسيق أي استجابة ضرورية للجانب النووي للبعثة.
وبالنسبة لإطلاق المسبار، فقد قامت الحكومة بمجموعةٍ كاملةٍ من الاحتياطات لتفادى المشاكل التي يمكن أن تحدث يوم الإطلاق، مغطيةً كلَّ شيءٍ بدءًا من أي مشكلة قبل الإقلاع قد يكون لها تأثيرٌ جغرافيٌّ ولو صغيرٌ نسبيًا إلى أيّ مشكلةٍ في مدار الأرض تمنع المركبة الفضائية من المغادرة إلى المريخ. ولكلٍّ من هاتين المشكلتين احتماليةٌ حدوث أقل من 0.10% وفقًا لنماذج الحكومة؛ وإذا حدثت مشكلةٌ أثناء الإطلاق، فإن هذه الحسابات تشير إلى أنه حتى التعرض للإشعاع سيعادل نحو ثمانية أشهر من الإشعاع الخلفي الذي يعاني منه الأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة.
وهكذا قد جلس المسبار على منصة الإطلاق محمل بمولد MMRTG وهو يحتوي على 32 كتلةً ساخنةً من الوقود، وعلى استعدادٍ للانطلاق إلى الكوكب الأحمر.
على عكس البلوتونيوم الخاص بمركبة كيوريوسيتي، يُعتبر بعض البلوتونيوم الخاص بمسبار بيرسفيرانس جديدًا نسبيًا ومن صنع الولايات المتحدة. بدأ البلوتونيوم المستخدم حاليًا في هذه البعثات كمنتجٍ ثانويٍّ لعمليات إنتاج الأسلحة النووية، وفقًا للتقارير التي قدمتها مجلة سلايت Slate بعد هبوط كيوريوسيتي، وتوقفت الحكومة الأمريكية عن صنع إمداداتها الخاصة من هذا البلوتونيوم في الثمانينيات، بعد أن رأت أنها قد تتجاوز ما يكفي لتلبية احتياجاتها.
ولكن في الآونة الأخيرة، ظلت ناسا عالقة في تقنين مصادر الطاقة، ولهذا السبب قررت وزارة الطاقة في عام 2015 العودة إلى العمل على صنع البلوتونيوم، ما يصل إلى 14 أوقية (400 غرام) كلّ عامٍ في الوقت الحالي، مع التركيز على جعل الإنتاج 3.3 رطل (1.5 كجم) كلّ عام بحلول عام 2026، وفقًا لوزارة الطاقة.
أما فيما يتعلق بالمكان الذي سيذهب إليه البلوتونيوم، فإن هناك بعثةً واحدةً في المستقبل تعمل بالطاقة النووية لوكالة ناسا قيد العمل بالفعل، وستكون مهمة اليعسوب Dragonfly التابعة للوكالة، وهي طائرة بدون طيار متجهة إلى قمر زحل الكبير والغريب، تيتان، وستعمل بمولد MMRTG، ومن المقرر أن تنطلق تلك المركبة الفضائية في عام 2026.