إحضار عينات من المريخ قد يكلف مليار دولار إضافي

تصور فني لصاروخ يحمل عيناتٍ معبأةً بعناية من سطح المريخ في رحلته نحو الأرض. حقوق الصور: ناسا/مختبر الدفع النفاث – معهد كاليفورنيا للتقنية.


بالرغم من أنه قد يستغرق فترة أطول بعامين مما تأمله ناسا، ينصح الخبراء ناسا بالمضي قدمًا في المهمة.

يُعد الاحتفاظ بقطعةٍ نقيةٍ من المريخ في مختبر على الأرض من بين الأحلام الأكثر طموحًا لعلماء الكواكب، وتريد ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية تحقيق هذا الحلم.

في تقريرٍ جديدٍ أرسلته مجموعةٌ مستقلةٌ من الخبراء إلى ناسا، بعد أن قضوا شهرين في دراسة الخطط الحالية، أفادوا فيه أنه أمر يستحق العناء، لكنه لن يكون سهلًا. يقدم هذا التقرير 44 نتيجة و44 توصية تهدف إلى تحديد والحد من نقاط الضعف للخطط الحالية وللأنظمة البيروقراطية المتعلقة بالمهمة، كل هذا مع تحذيرهم بأن تكلفة وموعد المهمة قد يتجاوزان تلك المحددة سابقًا.

قال ديفيد طومسون David Thompson، رئيس مجلس المراجعة المستقل والرئيس السابق لشركة الفضاء التجارية Orbital ATK (التي هي الآن جزء من شركة Northrop Grumman Space Systems) خلال مؤتمر صحفي عُقِد يوم الثلاثاء 10 تشرين الثاني/نوفمبر: "نعتقد إجماعًا أن برنامج إحضار عينات المريخ يجب أن يستمر، كما نرى أن قيمته العلمية ستكون استثنائية، وربما ستصحبها اكتشافات ستغير العالم حول أقرب كوكب للأرض، وحول فرصة حياةٍ مستقلةٍ في عالم آخر. ولكن، كونها أول بعثة ذهابًا وإيابًا إلى كوكب آخر، يُعدّ إحضار عينةٍ من المريخ مهمةً طموحةً للغاية ومتطلبةً تقنيًا، ومعقدةً من الناحية التشغيلية".

على الرغم من أن المجلس قد وجد أن المركبة الفضائية التي ستلعب دورًا حاسمًا لاحقًا في البعثة، قد تكون جاهزة للانطلاق في عام 2026 وذلك كما تأمله وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية حاليًا، فإن نافذة الإطلاق التالية، التي ستكون في عام 2028، قد تكون هي الأكثر ترجيحًا، كما أكدت قيادة ناسا أنها تخطط لمواصلة استهداف تاريخ الإطلاق المبكر، وتعجيل خطى المهمة حسب الضرورة.

قال توماس زوربوشن Thomas Zurbuchen، المدير المساعد للعلوم في ناسا خلال المؤتمر الصحفي: "نتابع بحرص شديد كل الاقتراحات التي أُرسِلت لنا، وآخر ما نريده هو أن نُغير في الخطة دون أن نتحقق ونتمعن في جميع الخيارات".

اقترح مجلس المراجعة أيضًا أنه نظرًا لهذا التأخير المحتمل بالإضافة إلى عوامل أخرى، فإنه سيكون من الآمن أن تكون الميزانية بين 3.8 و4.4 مليار دولار أمريكي، أي أعلى بنسبة 30% من ميزانية ناسا الحالية للمشروع.


مشروع طموح


شكلت ناسا مجموعة المراجعة المستقلة هذه في آب/أغسطس، وذلك لتقييم الخطط المبكرة لأغلب بعثات إحضار العينات من المريخ، بالإضافة إلى التحري عن المشاكل المتوقعة في أسرع وقت ممكن. وكما هو متصور، فإن برنامج إحضار عينات المريخ هو مسعى ضخم تشترك فيه وكالتا فضاء كبيرتان ويتطلب عدة مركبات فضائية مستقلة تعمل على مدار أكثر من عقد، ناهيك عن إطلاق أول صاروخ من سطح الكوكب الأحمر،إضافة إلى مجموعة من التدابير اللازمة لمنع تلوث العينة.

ركز التقرير أيضًا على الجوانب المستقبلية للبعثات الفضائية للمهمة، وذلك يشمل الكيفية التي ستتفاعل بها مركبة بيرسيفيرانس Perseverance وفريقها مع تلك البعثات، وكيف ستبدو تلك المركبات الفضائية، والعملية المعقدة لنقل هذه الحمولة الثمينة بأمان إلى المختبرات في الأرض.

(كما تتطلب المهمة منشأة جديدة للحفاظ على العينات، والتي لم يقيّمها المجلس).

إن استكشاف المريخ ليس بالأمر السهل على الإطلاق. يشتهر الكوكب الأحمر بجدول إطلاق صعب، فنوافذ الإطلاق المناسبة تكون متباعدة وتصل إلى 26 شهرًا، بالإضافة إلى الاتصالات البطيئة، وظروف الهبوط المحفوفة بالمخاطر.

قال جيفري جراملينج Jeffrey Gramling، مدير برنامج إحضار عينات المريخ في ناسا، خلال المؤتمر الصحفي: "كل مهمة إلى المريخ بها أشياء تشعرنا بالقلق".

تأمل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في إطلاق المهمة بينما لا تزال مركبة بيرسيفيرانس التابعة لمهمة مارس 2020 في طريقها إلى الكوكب الأحمر. ستهبط المركبة على سطح المريخ في 18 شباط /فبراير من العام المقبل، وستعمل على سطح الكوكب الأحمر لمدة سنة مريخية واحدة على الأقل (687 يومًا أرضيًا)، على الرغم من أن عدة مركبات آلية تابعة لناسا ظلت نشطة لفترة أطول بكثير من مدة مهمتها الأساسية.

ليس لدى ناسا الكثير من وقت الفراغ: إن مركزي تصنيع المركبات الفضائية الرئيسيين للوكالة ممتلئان بمشاريع طموحة أخرى مثل تلسكوبات جيمس ويب James Webb ورومان Roman ومهمة يوروبا كليبر Europa Clipper. لذلك يوصي مجلس المراجعة بمجموعة من التدابير لضمان مشاركة ناسا للعمل بين مراكزها بعناية، ما يمكّنها من تسيير العمل بناءً على خبراتٍ سابقةٍ.

قال زوربوشن معلقًا على عملية المراجعة المستقلة: "السبب الوحيد وراء قيامنا بذلك هو تعزيز فرصنا للنجاح من خلال عيونٍ مفتوحةٍ تمامًا. نريد أن نتحدى أنفسنا حقًا في البعثات القادمة، لكننا نريد أن نفعل ذلك في كل مرة من خلال إبقاء أعيننا مفتوحة، والتعلّم من كل فرصة تتاح لنا".

تصور فني لمركبة بيرسيفيرانس ضمن مهمة مارس 2020 وهي تخزن عينات من صخور المريخ في أنابيب لتعطيها لمركبة أخرى ستجلبها للأرض. حقوق الصورة: ناسا/مختبر الدفع النفاث – معهد كاليفورنيا للتقنية.
تصور فني لمركبة بيرسيفيرانس ضمن مهمة مارس 2020 وهي تخزن عينات من صخور المريخ في أنابيب لتعطيها لمركبة أخرى ستجلبها للأرض. حقوق الصورة: ناسا/مختبر الدفع النفاث – معهد كاليفورنيا للتقنية.


الشيطان يكمن في التفاصيل


في الواقع، تُعتبر العديد من توصيات التقرير بيروقراطيةً للغاية، مثل كيفية مشاركة العمل بين مراكز ناسا المختلفة، والتي تعمل جميعها على عدة مشاريع مختلفةٍ، أو تنسيق طرق لإيواء موظفي ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في مرافقهما بالتبادل.

كما أوصى مجلس المراجعة بإجراء تغييراتٍ إداريةٍ في مهمة مارس 2020؛ فمن جهة يرى البعض أنه يجب استغلال المركبة الآن ضمن سياقٍ أوسع لبرنامج إحضار عينات المريخ بدلًا من الانتظار حتى تبدأ المهمات المستقبلية، ويتخوف البعض الآخر من أن تمتلك الأنشطة المتعلقة بمهمة إحضار العينات أولويةً أعلى من مهام مركبة ببرسيفيرانس الأخرى.

تتعلق إحدى القضايا الأخرى التي أثيرت في التقرير بما إذا كانت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية قد استكشفتا جميع خياراتهما المتاحة لتحقيق أنجح تصميم لأجزاء معينة من المهمة، فمركبة جمع العينات والتي بُنيت اعتمادًا على تصميم مركبة مهمة EXoMars المشتركة بين وكالتي الفضاء الروسية والأوروبية، والتي من المقرر إطلاقها في عام 2022، يمكنها على سبيل المثال الاستفادة من تحسينات إضافية في التنقل. حاليًا، صُمِّمت جميع المهام التي ستُنفَّذ على السطح لتعمل بالطاقة الشمسية، لكن إضافة الطاقة النووية قد تجعل المهمة أقل عرضةً للخطر.

يشير التقرير أنه بالرغم من التعقيد الشديد لمحاولة إحضار عينات من المريخ، فإنها ليست مقبلةً بشكلٍ كبيرٍ على ما تسميه مصطلحات ناسا "بالتقليص descoping"، أو بشكل أساسي الجوانب التي يمكن تقليص نفقتها في حال واجهت المهمة عجزًا في الميزانية أو تأخرًا في الجدول الزمني.

قد تكون إحدى الإجراءات القليلة التي يمكن لوكالتي الفضاء اتّباعها إذا واجهتا عجزًا ما هي تأخير إطلاق واحدة أو أكثر من المركبات الفضائية الأخيرة للمهمة التي تستهدف ناسا ووكالة الفضاء الأوربية عام 2026 لإطلاقها.

ستكون نافذة الإطلاق التالية نحو المريخ في عام 2028، لكن أي موعد بعد ذلك سيصعب الأمور. قال عضو مجلس المراجعة المستقل بيتر تيسينجر Peter Theisinger من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في كاليفورنيا خلال المؤتمر الصحفي: "إذا تأخرت البعثات السطحية إلى عام 2030 فستحتاج المكونات الرئيسية للمشروع إلى الإصلاح".

ويضيف تيسينجر: "تتغير الظروف عند وصولك إلى المريخ بشكلٍ كبيرٍ خلال العام المريخي، فنوافذ الإطلاق بعد عام 2028 لا توافق مواسم مناسبة".

برغم كل هذه التعقيدات، فإن المجلس واثقٌ بأن إحضار صخور المريخ إلى الأرض يستحق كل هذا العناء. قالت ماريا زوبر Maria Zuber، عضو مجلس المراجعة وعالمة كواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خلال المؤتمر الصحفي: "سيكون العلم وراء هذه المهمة مثيرًا للغاية. لقد أجرينا عدة تحليلات في المواقع التي بها صخور على سطح المريخ، ومن الواضح انها قيّمة للغاية، لكننا سنتمكن من إنشاء جدول زمني لتاريخ ما كان يحدث في هذه الحفرة بإحضارها ودراستها في مختبر على الأرض".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات